رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تفانين المحليات... الجيزة نموذجًا

بحكم المهنة ليس أكثر تورطت لسنوات طويلة فى مراقبة ومتابعة أداء المحليات فى مصر وبخاصة رؤساء الأحياء والمحافظين.. ومن حين إلى آخر ينشط البعض من هؤلاء، سواء فى الصعيد أو القاهره الكبرى.. وكلما نشطوا أدركت أن بعضهم تطارده أخبار تغيير قادم فى ديوان المحافظات.. أو دولاب الأحياء.. تجدهم وهم الذين لا يغادرون مكاتبهم يعملون بهمة غير مسبوقة فى الشارع يسابقون الوقت حتى تشعر أن الشوارع التى صارت نظيفة تشكو من كثرة وجودهم المبالغ فيه.. ومع كل تغيير محتمل توجد متلازمة نظافة الشوارع وتجميل الميادين بالنافورات.. وزرع عدد لا بأس به من الأشجار.. ثم سرعان ما تختفى أخبار التغيير المحتمل فيعود كل شىء إلى حالته الأولى.. تعودنا ذلك الأمر تمامًا.. ولا تخلو القاعدة بالقطع من رؤساء أحياء ومحافظين على قدر عالٍ من الكفاءة لا ترتبط أعمالهم بمواسم الإشاعات، وهؤلاء يحفظ الناس أسماءهم حتى بعد رحيلهم بسنوات طويلة. 

فى العشر الأخيرة من سنوات حكم مبارك تحولت الأحياء فى نظر الكثيرين من أهلنا إلى مركز تجمع للمافيا.. سماسرة وقبضايات ومهلباتية استساغوا فكرة الإكرامية والشاى والقهوة حتى صارت سنة.. وفرضًا يمارسه الطرفان... من له مصلحة ومن ينجزها... اللى بيركب عداد كهربا.. واللى بيوصل ميه واللى بيدفع العوايد وغيرها من معاملات.. ومن أشهرها قطعًا تراخيص المبانى التى تحولت فى وقت لاحق إلى البناء بدون تراخيص بعلم موظفى الأحياء ورضاهم وتحت إشرافهم فى معظم الحالات.. والنتيجة كل هذه المبانى المخالفة، وكل تلك العشوائيات البغيضة التى صارت عبئًا على الناس والحكومة معًا وصار التعامل معها قضية كبرى تحتاج لمليارات وسنوات لإصلاح بعضها وتطويره. 

معظم هذه الأماكن تحتضنه القاهرة الكبرى.. بمحافظاتها الثلاث.. وتعد الجيزة نموذجًا فجًا على ما انتهت إليه أوضاع هذه المناطق.. ورغم كل ما أنجزته الحكومة فى هذا الملف فى السنوات الخمس الأخيرة إلا أن أدمغة من يعملون بهذه الأحياء لا تزال كما هى.. لم تتغير.. 

من يعيش مثلى فى الجيزة يدرك نهارًا جهارًا كم التطوير وإعادة البناء الذى يحدث على الأرض، لكن بعض العاملين فى المحليات، معظمهم، يقاوم ذلك التطوير بعد تحجيم سطوتهم وقصقصة ريش مخالفاتهم.. والأهم أن بعضهم لا يملك من الأفكار ما يجعله يستوعب فكرة التطوير من الأساس. 

أعيش منذ ربع قرن تقريبًا فى أحد أشهر هذه الأحياء من حيث العشوائية والفوضى.. وهو حى بولاق الدكرور.. الذى لم يعد فيه مكان لقدم.. عدد سكانه يقترب من المليون وربما يزيد.. المهم أن أحد أشهر شوارعه واسمه العشرين فيصل.. عرضه من اسمه عشرون مترًا.. على جانبيه تتراص المحلات التجارية.. هو نموذج حديث لسوق العتبة قديمًا.. لا يتوقف الزحام فى الشارع ساعة واحدة لا فى الليل ولا فى النهار.. هذا الشارع وبلا أى مبرر يتم تكسيره ورصفه كل عام.. ويتم تغيير أماكن التقاطعات والدورانات كل عام.. حتى أدرك المواطنون أن موظفى الحى لديهم ميزانية ثابتة ولا بد من صرفها فى مثل هذا الموعد وإلا ستتم معاقبتهم. 

هذا العام وفى الوقت الذى تشهد فيه الجيزة إضافة عدد غير قليل من المحاور طولًا وعرضًا.. إضافة إلى خط مترو الهرم.. والمتحف الكبير.. وعدد غير قليل من المشروعات ومعظمها قارب على الانتهاء وجميعها يصب فى خانة تسهيل المرور فى شوارع الجيزة، التى يقدر لها أن تكون مدينة عالمية بامتياز بعد التطوير- نجد من يفكر وينفذ عكس الاتجاه ويضرب فى عبط كل ما تفعله الحكومة. 

أحدهم قرر أن يفتكس.. فى الوقت الذى قررت فيه الحكومة إنارة الشوارع قرر موظفو حى بولاق الدكرور تقسيم الشوارع الواسعة مثل الملكة والعشرين وطهرمس وغيرها وبناء سواتر أسمنتية لاستقبال أعمدة كهرباء تم نصبها فى منتصف الشوارع... ليتحول الشارع الواسع والمزدحم أصلًا إلى نصف شارع.. هذه العمدان التى ازدحمت بها الشوارع لا نعرف من أين جاءت وما هى الحاجة إليها فى شارع تجارى مزدان بالكهرباء ليل نهار.. والأهم هو التحويلات المرورية الغريبة والتقاطعات الأغرب التى حولت الشوارع إلى مدعكة يومية بلا ضابط أو رابط.. أراهن أى شخص له علاقة بالهندسة إن استطاع فهم ألغاز هذه التقاطعات.. هذه الفوضى أصبحت سببًا لشجار مستمر بين أعضاء مستعمرة الميكروباص والأهالى وملاك السيارات.. السيد المحافظ الذى لا يتوقف عن مواكب يحشر فيها كل وكلاء الوزارات ورؤساء القطاعات، يلازمونه أينما ذهب، اللواء أحمد راشد لا أظنه شاهد هذا العبث الهندسى ولا أظنه يعرف الأرقام المهدرة فى تلك الأعمدة وإنارتها ولا الملايين المهدرة فى تكسير ورصف تلك الخرسانات الحلزونية، أدعوه لأن يمد قدمه أمتارًا من مكتبه؛ ليشاهد هذه المهزلة التى تذكرنا بمهازل المحافظين ورؤساء الأحياء فى صنع تماثيل مشوهة لتجميل مداخل المدن.. السيد الوزير هشام آمنة هو الآخر مدعو للزيارة ووقف هذه الفوضى قبل أن تنتقل عدواها إلى ميادين وأحياء باقى المحافظات.