رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مديرية للزراعة فى القاهرة!!!

 التقيت مؤخرًا بأكاديمي شاب نابه من أبناء مصر تم ابتعاثه للولايات المتحدة الأمريكية في منحة عاد منها قبل نحو ثلاث سنوات محملا بأفكار ورؤى وطنية يضيف بها للوطن في مجال تخصصه، ذلك هو الدكتور الحسين حسان، خبير التطوير الحضاري والتنمية المستدامة، واحد من الوجوه الأقصرية الطيبة العاشقة لهذا الوطن والتي تحمل أفكارًا مبتكرة طورها ورأى شبيهات لها في الخارج ويعبر عنها بطلاقة وبوعي شديدين، وعاد آملًا أن تتحقق على أرض مصر.
كان من بين المحاور التي ناقشتها معه- خلال لقاء استمر فوق الساعة- أتعرف فيها على رؤاه ومقترحاته، أمور تتعلق بالمخطط الاستراتيجي القومي لمصر 2025 . تطرق الحوار للحديث عما حققته الدولة من نقلة حضارية في صعيد مصر وذلك على ضوء زيارات السيد الرئيس المتعددة لمحافظات الجنوب وخاصة تلك الزيارة الرئاسية الأخيرة إلى محافظة المنيا، وما تم إعلانه من أرقام توضح مدى اهتمام الدولة بصعيد مصر، حيث بلغ إجمالي ما تم رصده وإنفاقه لتحقيق التنمية الشاملة بالصعيد خلال السنوات السبع الماضية نحو 86٫5 مليار جنيه مصري 

وفي محطة أخرى للنقاش أشار لي د. الحسين إلى مديرية الزراعة بالقاهرة ومشروع كان قد عرضه على بعض مسئوليها لكنه لم يكتمل. هنا لم أعر اهتماما كبيرا لسبب عدم اكتمال المشروع، فربما كان هناك عائق لوجيستي أو إداري منع تنفيذ المقترح. أما الذي استوقفني وشد انتباهي فهو وجود مديرية للزراعة في القاهرة في حد ذاته!! سألت الرجل وما  مساحة الأرض الزراعية في القاهرة؟ فأدهشتني إجابته حين قال: إنها 12 فدانا زراعيا في عموم المحافظة  تتوزع بين أحياء المرج والمطرية وعين شمس وحدائق القبة والزاوية الحمراء ودار السلام والبساتين.
 زاد اندهاشي وقلت له: ولنا أن نضيف مساحات الحدائق العامة ونباتات الزينة والأشجار الموجودة على امتداد طرق المحافظة. قال د. الحسين: بالطبع لا، فتلك مساحات تتابع تنفيذها والإشراف عليها هيئة النظافة والتجميل وليس مديريات الزراعة!! عدت لأسأل: وكم عدد موظفي المديرية؟ فلعله وجود رمزي يتمثل في عشرة أو عشرين موظفا. عاد الرجل ليصدمني بأن عدد الموظفين التابعين لمديرية الزراعة- أقول الزراعة- بالقاهرة يبلغ نحو ألف موظف!!
عرفت أيضًا أن وزارة الري قد ألغت بالفعل مديرية الري بالقاهرة قبل سنوات، بعد تقلص المساحات التي كانت تفرض وجود هذه المديرية لتنظيم ري الأراضي الزراعية بالقاهرة، إذ تم نقل العاملين بها لإدارات الري بمحافظة الجيزة لسد العجز الموجود فيها من الموظفين. وهو ما يمكن أن يتم تكراره مع مديرية الزراعة بتوزيع الألف موظف على مديريتي الجيزة والقليوبية، حسب محال إقامات العاملين الذين يمكن إعادة توزيعهم للاستفادة بخبراتهم عمليا.

 وهنا اقترح د. الحسين أن يعاد تدوير هذه الأعداد في محافظة القاهرة ذاتها بتوجيههم إلى مشروع زراعة الأسطح بالمحاصيل الغذائية، وحين سألته عن مدى استعداد مباني القاهرة لتحمل عمليات الري وأحمال تمثلها تلك الزراعات بتربتها الزراعية، أكد أن الزراعة في هذه الحالة تكون بنوع معين من التربة لا تمثل حملا على المبنى، كما أن نظام الري فيها يقوم على إمداد النباتات بما تحتاجه من مياه بالتنقيط، بحيث لا يكون هناك مياه منصرفة تمثل أي نوع من الخطورة على المباني وخاصة المباني القديمة شبه المتهالكة.
أضاف الرجل أن العاصمة الأمريكية واشنطن يتم توفير نحو 78% من إجمالي احتياجات سكانها من الخضر الطازجة من خلال زراعة الأسطح، إذ يتم تحديد يوم في الأسبوع ينتشر خلاله منتجو هذه الزراعات لبيع محاصيلهم في الحدائق العامة، فتتحقق الاستفادة للجميع من البائعين والمشترين، فضلا عما تمثله تلك الزراعات من تقليل آثار انبعاثات العوادم بما يتحقق من زيادة نسبة الأكسجين وامتصاص ثاني أكسيد الكربون الناتج عن عوادم الصناعة وحرق البنزين، وبالطبع هناك فوائد بيئية كثيرة يمكن أن تحققها مثل تلك المشاريع وخاصة في العاصمة المصرية، إذ سيتم التخلص من أطنان المخلفات من "الكراكيب" المكدسة والمتراكمة فوق الأسطح وفي الشرفات ويتم استبدالها بمتنفس أخضر ينظف الصدور ويبهج الأعين ويسر الناظرين.
 تلك واحدة من الرؤى التي يمكن بها إعادة تدوير العمالة غير المنتجة وزيادة الإنتاجية الزراعية وتقديم خدمات بيئية تعيد البريق للقاهرة لتتسق مع حركة العمران التي تجري على قدم وساق لبناء مجتمعات عمرانية جديدة تراعي كل المعايير العالمية من حيث المساحات الخضراء وفرص التهوية والإضاءة، ويبقى من حق المواطن القاهري في كل حي من أحياء العاصمة التاريخية أن يفيد ويستفيد وينعم بما تم إنجازه في مجال زراعة الأسطح من تطوير يمكن استغلاله لتحويل السلبيات إلى إيجابيات تتعاظم معها فرص الاستفادة من تلك السلبيات واستثمارها للصالح العام.
وتبقى الإشارة إلى أهمية استيعاب أبناء مصر من الخبراء الذين تلقوا دراسات علمية متقدمة في الخارج للاستفادة من أفكارهم وبحث مدى الأخذ بمقترحاتهم على ضوء الإمكانات المتاحة وما يمكن للمجتمع أن يتقبله من بين تلك الأفكار والمقترحات البنّاءة.