رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ورطة «بن غفير».. كيف يُشعل وزير الأمن الداخلى الإسرائيلى الساحة الفلسطينية؟

«بن غفير»
«بن غفير»

تواجه الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو، منذ تشكيلها، فى يناير الماضى، انتقادات عربية ودولية واسعة، بسبب تركيبتها اليمينية المثيرة للجدل والغضب، والقرارات المتطرفة المتوقعة من بعض أفرادها، خاصة وزير الأمن الداخلى إيتمار بن غفير، الذى يعد الضلع الأكثر تطرفًا فيها. 

وبعد أسابيع قليلة من تشكيل الحكومة أصبح «بن غفير» عقبة حقيقية أمام استمرار حكومة نتنياهو، فى ظل زلات لسانه وإصراره على افتعال الأزمات، ما يهدد بإشعال الأوضاع على الساحة الفلسطينية، بالإضافة إلى صداماته مع مسئولى الشرطة، التى كشفت عن عدم خبرته أو إلمامه بطبيعة المسائل الأمنية التى يتصدى لها، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية. 

أزماته بدأت منذ الأيام الأولى للحكومة.. ونتنياهو يحاول السيطرة عليه                                                                                                    

أزمات وزير الأمن الداخلى فى الحكومة الإسرائيلية بدأت منذ الأيام الأولى للحكومة، عندما صرح بضرورة القيام بمسيرات إلى القدس، كانت تهدد بإشعال الأوضاع فى المدينة المقدسة، ما اضطر رئيس الوزراء حينها لإلغاء تلك المسيرات حتى لا تنفجر الأوضاع.

واشتدت الأزمة عقب هجمات فى القدس أسفرت عن مقتل ١٠ إسرائيليين، خاصة بعدما صرح «بن غفير» بأنه أصدر تعليماته للشرطة بالتحضير لعملية واسعة فى القدس الشرقية، أطلق عليها اسم «الدرع الواقى ٢»، مشيرًا إلى أن هدفها- على حد تعبيره- «محاربة «العمليات الإرهابية واجتثاث جذورها والوصول إلى منازل منفذى العمليات قبل أن يبدأوا التنفيذ».

وطلب «بن غفير» بالفعل من نتنياهو استدعاء وحدات من شرطة حرس الحدود الاحتياطية ونقل وحدات أخرى من الضفة الغربية إلى الأحياء الفلسطينية فى القدس الشرقية، للقيام بعمليته الأمنية بغض النظر عن أى شىء آخر.

وأصدر «بن غفير» وقتها، وبحسب مقربين منه، تعليمات إلى يعقوب شبتاى، مفوض الشرطة، ودورون تورجمان، قائد شرطة القدس، لاتخاذ الخطوات اللازمة لما أسماه «حماية الجمهور الإسرائيلى من مزيد من الهجمات الفلسطينية»، كما طالب باعتقال ١٥٠ من المشتبه بهم لدى وكالة الأمن الداخلى «الشاباك»، مع التطبيق الصارم للقانون فى أحياء القدس الشرقية.

وحينها، دخل وزير الأمن الداخلى فى مشادة كلامية مع رئيس الحكومة والمفتش العام للشرطة، إثر رفضهما مطالبته بهدم مبان فى القدس، وقال «نتنياهو» إن هدم البنايات من شأنه أن يثير انتقادات دولية ضد إسرائيل، ورد عليه «بن غفير» قائلًا: «سئمت من سياسة الاحتواء».

وبعدها بقليل، أشار «بن غفير»، فى تصريحاته، إلى إمكانية شنّ عملية عسكرية على قطاع غزة، على غرار عملية «حارس الأسوار»، ما تسبب فى قلق كبير، خاصة بعدما كشفت التقديرات الاستراتيجية لمعهد دراسات الأمن القومى الإسرائيلى عن أن التهديد الأكثر إلحاحًا ضد إسرائيل فى عام ٢٠٢٣ هو الساحة الفلسطينية، التى أصبحت قابلة للاشتعال.

وفى مواجهة ذلك، لوح وزير الأمن الداخلى بالاستقالة فى غضون ٩ أشهر كحد أقصى، فى حال لم يطرأ أى تغيير على سياسات الحكومة، منتقدًا الاعتراضات ضده وعدم الرد على القذائف من قطاع غزة وتأجيل الرد على العمليات فى الضفة، وعدم الإسراع بإخلاء قرية الخان الأحمر فى القدس الشرقية.

نقص خبرته يهدد بتصدع سريع للائتلاف الحاكم

افتقار وزير الأمن الداخلى إلى الخبرة فى إدارة وزارته، وتسببه فى كثير من الأزمات، حوله لعبء حقيقى على عاتق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لأن الرجل يفتقد الكثير حتى يكون قائدًا ومسئولًا عن الأمن، كما أنه أصبح من الصعب إخفاء قلة خبرته فى هذا المجال.

ومن جهة «نتنياهو»، أصبح «بن غفير» عبئًا متزايدًا سياسيًا وأمنًا، إذ أدت قراراته المتهورة إلى تدهور الوضع الأمنى، كما أن رئيس الحكومة يجد صعوبة حقيقية فى السيطرة على زلات لسان وزيره وتصريحاته السخيفة التى تؤجج الأوضاع.

ومع ذلك، لا يزال «نتنياهو» يعتمد على مقاعد الكنيست الستة لحزب «بن غفير»، وهو حزب «القوة اليهودية»، التى بدونها يخسر أغلبيته فى الكنيست، الأمر الذى يحتاج إلى لعبة توازن، ينأى فيها رئيس الوزراء بنفسه كفاية عن وزيره، حتى لا يُنظر إليه على أنه حليف وثيق له، لكنه أيضًا لا يدفعه بعيدًا حتى لا يخسر حزبه.

ويعنى ذلك أن الفترة المقبلة ربما تشهد توجيه «نتنياهو» انتقادات علنية لـ«بن غفير» لإحراجه أو على الأقل عدم اعتماد قراراته المثيرة للجدل. ومع ذلك، فإن مستقبل الحكومة اليمينية لا يقع على عاتق «نتنياهو» بالكامل، لأن «بن غفير» بقلة خبرته واندفاعه وعدم اهتمامه بالانضباط السياسى سيزيد من ورطة الحكومة، خاصة أن الأنباء تدور فى الكواليس عن كون «بن غفير» سيقفز من السفينة فى مرحلة ما، من أجل التوجه إلى حملته الانتخابية الجديدة من المعارضة، خاصة إذا فشلت الحكومة الإسرائيلية فى صد العمليات الفلسطينية.

وقد توحى الأحداث التى وقعت خلال الأسابيع الأخيرة بأن «بن غفير» سيغادر التحالف فى وقت أقرب مما كان متوقعًا حتى لا يخسر قاعدته بسبب الفشل فى وقف العمليات، وحتى لا يفقد سمعته بين أوساط اليمين.

انتقاداته لمسئولى الشرطة أظهرت جهله بالمسائل الأمنية

منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية، يواجه «بن غفير» انتقادات واسعة من زملائه فى الحكومة، وعلى رأسهم رئيس الوزراء نتنياهو، والمسئولون فى جهاز الشرطة وأجهزة الأمن الداخلية.

وتسببت تصريحاته حول ضرورة إطلاق عملية «الدرع الواقى ٢» فى جدل كبير، خاصة بعدما أكد مسئول سياسى كبير أن رئيس الوزراء لن يتخذ قرارًا بشأن عملية فى القدس إلا بعد التشاور مع المؤسسة الأمنية بأكملها، وبعد مناقشة منظمة فى مجلس الوزراء السياسى والأمنى. 

وقال المسئول، وفقًا لما نقلته القناة الـ١٣ بالتليفزيون الإسرائيلى، إن مثل تلك القرارات لا تصدر ببيان من هذا الوزير أو ذاك وتصريحات على رصيف ما، موضحًا أن قرار إطلاق عملية «الدرع الواقى» فى عام ٢٠٠٢ جاء بعد قرار حكومى جماعى اتخذ فى شهر كامل وليس بمبادرة فردية، كما أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية غير معنية بتفجير الأوضاع قبل شهر رمضان.

كما نقل موقع صحيفة «إسرائيل اليوم» عن قائد كبير فى الشرطة الإسرائيلية قوله: «بن غفير لا يفهم ولا يحاول أن يفهم تداعيات تفوهاته». وأوضح أن عملية «الدرع الواقى» فى ٢٠٠٢ كانت عملية عسكرية واسعة النطاق وتم التخطيط لها لعدة شهور، معتبرًا أن هذه الزلة كشفت عن افتقار «بن غفير» للمعرفة بأساسيات اتخاذ القرارات بشأن المسائل الأمنية، فضلًا عن افتقاره إلى الإلمام بالجداول الزمنية الأساسية للتحضير لعمليات أمنية واسعة النطاق.

وإلى جانب المشكلات الخاصة بالعلاقات مع الفلسطينيين، امتدت أزمات «بن غفير» إلى الساحة الإسرائيلية الداخلية أيضًا، فقبل أسبوعين، وعندما اخترق بضع مئات من المتظاهرين حاجزًا للشرطة، وأحرقوا إطارات وأغلقوا الشوارع فى القدس، أدلى وزير الأمن الداخلى، وقبل انتهاء الأحداث، بتصريح مفاده بأنه استدعى قبل انتهاء الأحداث، قائد شرطة القدس، دورون تورجمان، لطلب «توضيح بشأن عدم تطبيق القانون على المتظاهرين»، الذين وصفهم بـ«الفوضويين».

ووقتها، رد مفوض الشرطة يعقوب شبتاى ببيان خاص، ردًا امتدح فيه «تورجمان» لسلوكه خلال الاحتجاجات، مضيفًا أنه «من المؤسف أن يكون طلب التوضيح علنًا، بينما لا تزال قوات الشرطة تعمل على الأرض، ولا يكون من خلال استخلاص معلومات عملية وبشكل احترافى، كما ينبغى فى نهاية الأحداث».

وبعدها بساعات، دار جدل واضح بين «بن غفير» و«شبتاى» أمام الكاميرات، وقال وزير الأمن الداخلى، فى تسريبات لـ«الصحافة» إنه سيشكل فريقًا استشاريًا من ثلاثة أشخاص لـ«مساعدة مفوض الشرطة الذى فقد السيطرة على الوضع».

وتعليقًا على ذلك، قال آريى عميت، القائد السابق للشرطة الإسرائيلية فى القدس: «لم يكن هناك وزير أمن داخلى، فى يوم من الأيام، يتكلم كثيرًا بهذا الشكل ويفعل القليل، ولا يفهم فى القضايا الأمنية على هذا النحو».

كما قال المحلل العسكرى عاموس هرئيل لصحيفة «هآرتس»، إن «بن غفير» لا يزال «المجرم الأيديولوجى الأهوج، الذى ليس له أى أثر قيادى، ويُصدر من فمه سيل مستمر من التهديدات والنصائح التى لا قيمة لها، التى لا تقدم أى حل جديد». فيما وصفه زعيم المعارضة يائير لابيد بقوله: «بن غفير هو وزير (تيك توك)». 

ورغم كل تلك التصريحات والأزمات، فإن فشل «بن غفير» فى تنفيذ وعوده لجمهوره من المستوطنين بعد نجاحه فى الانتخابات، وأولها فرض إجراءات جديدة ضد الفلسطينيين والتضييق عليهم خصوصًا فى القدس، جعل المستوطنين ينقلبون عليه، وهاجمه بعضهم بقوله: «أين الأمن الذى وعدتنا به؟».