رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسائل قوية ومباشرة.. «مؤتمر القدس» فى أولويات الأجندة العربية

مؤتمر القدس
مؤتمر القدس

رسائل قوية ومباشرة أطلقت من القاهرة عبر مؤتمر دعم القدس، الذي عقد، الأحد، بمقر جامعة الدول العربية، وبمشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، مفادها أن قضية كل العرب "فلسطين" تحتل مكانة هامة في أولويات الأجندة العربية، وأن العرب لن يقبلوا بتهويد مدينة القدس أو تغيير الوضع القائم بالمسجد الأقصى.

وقد أجمع دبلوماسيون وخبراء سياسيون واستراتيجيون، اليوم الإثنين، على أن مؤتمر دعم القدس رفيع المستوى بجامعة الدول العربية أعطى دعمًا قويًا للقضية الفلسطينية، وأثبت أنها لا تزال القضية المركزية بالوطن العربي رغم كل التحديات والأزمات التي عصفت بالمنطقة.

سفير مصر الأسبق بفلسطين، السفير أشرف عقل، أكد أن مؤتمر القدس جاء في وقت تتزايد فيه الانتهاكات الإسرائيلية بالأراضي الفلسطينية ولا سيما بالقدس، حيث نشهد يوميًا اقتحامات للمسجد الأقصى من متطرفين ومستوطنين، وعلى رأسهم وزير الأمن الإسرائيلي.

وتابع قائلًا: "ولذلك جاء هذا المؤتمر الهام ليوجه الأنظار وليؤكد أن القضية الفلسطينية حية وتحظى باهتمام الدول العربية، خاصة أن أهم محفل عربي (جامعة الدول العربية) يركز عليها ويعقد اجتماعًا رفيع المستوى بمشاركة قادة مصر والأردن وفلسطين لحشد الدعم للقدس".

وذكّر السفير أشرف عقل بما حدث بنهائيات كأس العالم بقطر من تأييد شعبي لهذه القضية التي تتصدر قمة أولويات القضايا العربية، منوهًا إلى أهمية مؤتمر القدس بما أكد عليه في بيانه، لا سيما بالبند 12 الخاص بإنشاء صندوق للمساهمات الطوعية من جانب الدول أعضاء الجامعة العربية.

ودعا سفير مصر الأسبق بفلسطين إلى ضرورة وضع استراتيجية وطنية سياسية اقتصادية إعلامية، تتبناها كافة الأطراف بما فيها الجانب الفلسطيني، للمحافظة على حيوية القضية الفلسطينية والقدس، وكذلك لكيفية مواجهة الاحتلال الذي يخترع أساليب تزيد من الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية وتهدر حقوق الشعب الفلسطيني.

وتابع أنه حتى تؤتي هذه الاستراتيجية بثمارها فلا بد من تحقيق عدة شروط، أهمها رأب الصدع وإنهاء الانقسام في البيت الفلسطيني، لافتًا إلى الجهود الحثيثة التي تبذلها مصر في هذا الصدد.

الوضع الفلسطينى

ورأى أن الوضع الفلسطيني الآن "صعب للغاية"، وذلك في ظل حالة الانقسام، والموقف الأوروبي الغامض، وانحياز الولايات المتحدة الأمريكية بشكل واضح لإسرائيل، بجانب حكومة إسرائيلية يمينية مستعدة للقيام بأي شيء في سبيل مصادرة مزيد من الأراضي وزيادة معاناة شعب فلسطين الذي لا يألو جهدًا في مقاومة الاحتلال.

من جانبه، أكد ممثل مصر في لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي، السفير الدكتور حسين حسونة، أن مؤتمر القدس اكتسب أهمية خاصة من حيث التوقيت ومكان الانعقاد ومضمونه، مشددًا على أن المؤتمر كان بمثابة رسالة دعم مصري عربي لصمود الشعب الفلسطيني خاصة في القدس المحتلة.

وتابع قائلًا: "أهمية مقر انعقاد المؤتمر، حيث عقد (ببيت العرب)، كما ذكر رئيس الجمهورية، حيث إن جامعة الدول العربية هي التي تحمي الهوية العربية"، معتبرًا أن مشاركة الرئيس السيسي والملك عبدالله الثاني والرئيس أبومازن تعد مساندة قوية للجامعة العربية كقطار للعمل العربي المشترك.

وأوضح أن مؤتمر القدس جاء في ظل الإجراءات الأحادية التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بما فيها من توسيع الاستيطان وهدم المنازل وتهجير ومصادرة الأراضي ومحاولات تهويد القدس واقتحامات المسجد الأقصى، مضيفًا أن كل تلك الممارسات أدانتها الأمم المتحدة وكافة أحكام القانون الدولي.

أحكام القانون الدولى

ونوه السفير حسين حسونة، الذي عمل لمدة 15 عاما في لجنة القانون الدولي للأمم المتحدة، بأن ما تقوم به إسرائيل بالأراضي المحتلة هو انتهاك صارخ لأحكام القانون الدولي الذي يقر بعدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، ما يترتب على ذلك من بطلان كافة الإجراءات التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل لتغيير معالم مدينة القدس.

وذكّر بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد طلبت رأيا استشاريا من محكمة العدل الدولية، في ديسمبر الماضي، حول وضع الاحتلال الإسرائيلي، متوقعًا بأن المحكمة سوف تقر بعدم شرعية الاحتلال وستطالب بانسحاب إسرائيل، وبالتالي سيلتزم المجتمع الدولي بعدم الاعتراف بالاحتلال وبكافة آثاره وسيعمل على إنهائه.

من جهته، أكد الخبير الاستراتيجي، اللواء عادل العمدة، أهمية انعقاد مؤتمر القدس "صمود وتنمية" بمقر الجامعة العربية في هذا التوقيت، وبمشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، ووفود رفيعة المستوى من الدول الأعضاء.

وقال اللواء العمدة إن مشاركة الرئيس السيسي في هذا المؤتمر تجدد التأكيد على موقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية، وإدانة أي إجراءات إسرائيلية لتغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم بمدينة القدس ومقدساتها، فضلًا عن التأكيد على الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية.

ونوه إلى تحذير مصر من العواقب الوخيمة التي قد تترتب على الإخلال بذلك، ولا سيما استمرار الإجراءات أحادية الجانب من إسرائيل فيما يتعلق بالاستيطان والتهويد ومصادرة الأراضي، وكذلك الاقتحامات المستمرة للمسجد الأقصى والمدن الفلسطينية، ما يزيد من حالة الاحتقان ويضع الطرفين أمام خيارات صعبة وخطيرة.

حل الدولتين

ودعا الخبير الاستراتيجي المجتمع الدولي وشركاء السلام إلى إنفاذ حل الدولتين وتهيئة الظروف لاستئناف عملية السلام، لافتًا إلى أن مصر لن تألو جهدًا في الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني التي طالت معاناته، وتعمل على إعادة إحياء المسار السلمي والسياسي، وستظل داعمة لصمود الفلسطينيين حتى تتحقق طموحاتهم المشروعة في إقامة دولتهم المستقلة.

وتابع قائلا: "نمد أيدينا بالسلام لنطوي صفحة الآلام من أجل مستقبل الأجيال القادمة، ومن ثم فإنه على إسرائيل العمل على إقامة السلام إذا أرادت الاندماج مع شعوب المنطقة".

السفير منير زهران، مساعد وزير الخارجية الأسبق- والذي عمل دبلوماسيًا منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر- يؤكد أن العرب لم يتخلوا يومًا عن القضية الفلسطينية ويعملون على إعادتها للساحة الدولية وإحياء عملية السلام.

وشدد على أن اجتماع القدس "وصمود وتنمية" عبّر عن الموقف العربي الرافض لمحاولات الاحتلال بتغيير الوضع القانوني والتاريخي القائم في المسجد الأقصى، وتعزيز صمود المقدسيين، وحذر من العواقب الوخيمة حال تغيير هذا الوضع.

وأضاف أن اجتماع القدس بجامعة الدول العربية سلط الضوء على التحركات العربية في مواجهة خطط الاحتلال، مشددًا على رفض الدول العربية الإجراءات أحادية الجانب وتمسكها بأحكام القانون الدولي والحقوق الفلسطينية القابلة والمشروعة وغير القابلة للتصرف، خاصة حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة.

وشدد على ضرورة تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة الخاصة بفلسطين والقدس، ولا سيما قرار الجمعية العامة رقم 181 لسنة 1947 الخاص بتقسيم فلسطين، والذي استند إليه "بن جوريون" في 15 مايو 1948 عندما أعلن استقلال دولة إسرائيل، وهو الأساس الأول لحل الدولتين، موضحًا أنه إذا كان الأمر كذلك، فيجب اعتراف جميع الدول بدولة فلسطين المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس.

موقف مصر

وثمّن السفير منير زهران موقف مصر الثابت والداعم للقضية الفلسطينية منذ نشأتها وحتى يومنا هذا، لافتًا إلى التحركات المصرية على كافة المسارات في محاولة لاستئناف عملية السلام بين الجانبين.

وأكد زهران الأهمية البالغة للقضية الفلسطينية بالنسبة لمصر من منطلق التزامها تجاه جارتها الشقيقة المحتلة، ودورها التاريخي في تلك القضية المركزية، فضلًا عن كونها إحدى دوائر الأمن القومي المصري، وعدم حلها يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار بالمنطقة.

بدوره، قال الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن "مؤتمر القدس" جاء في توقيت بالغ الأهمية وله دلالات من حيث المخاطر التي تتعرض لها مدينة القدس المحتلة، محذرًا من أن مخطط الحكومة اليمينية الحالية تجاوز التدبير ودخل مرحلة "تنفيذ الخطة 2050" الهادفة إلى تهويد كامل للأراضي العربية المحتلة، وإقامة مناطق استراتيجية وآمنة وإلغاء الوجود المقدسي بهذه المدينة التاريخية.

وأضاف المحلل السياسي أن "مؤتمر القدس" دشن مرحلة جديدة في إطار المواجهة التي يمكن أن تحدث في الفترة المقبلة"، مشددًا على أن مشاركة قادة مصر والأردن وفلسطين أعطت اهتمامًا ودفعة كبيرة للقضية الفلسطينية.

ولفت إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسي هو أكثر الزعماء العرب حضورًا في القضية الفلسطينية بكافة تفاصيلها، وظهر ذلك في خطاباته بمختلف المحافل الدولية وفي دعواته لإقامة دولتين في إطار مبدأ الأرض مقابل السلام تنفيذًا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

وتابع أن الرئيس السيسي يعتبر القضية الفلسطينية ركيزة من ركائز السياسة الخارجية للدولة المصرية، مشيرًا إلى أن كلمة الرئيس بجامعة الدول العربية كانت جامعة وشاملة، وتضمنت الخطاب السياسي والإعلامي للدولة المصرية على كافة المستويات، والتحذير من الإجراءات أحادية الجانب، والتركيز على حل الدولتين، والدعوة إلى السلام من أجل استقرار الإقليم.

وأكد الدكتور طارق فهمي حرص مصر على إعادة القضية الفلسطينية للوجهة الدولية مجددًا، موضحًا أن الدولة المصرية ستبني على التحركات والاتصالات الكثيفة والمستمرة التي تقوم بها من أجل دعم القضية الفلسطينية.