رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وبينا ميعاد.. السر فى البساطة

لم أشأ أن أستبق الأيام وأكتب عن مسلسل مصرى لفت الأنظار ونادى الناس ليلتفوا حوله أمام الشاشات من أول لحظة.. خفت أن يدفعنى الفرح بنجاح أصدقاء يعملون فى المسلسل إلى الاستعجال فى الحكم وقد تخذلنى الدراما فيما بعد.. لكننى وطيلة شهر كامل أجد إجماعًا غير مسبوق من أهلنا وأصحابنا على سحر هذه الدراما التى حلت فى موعد مباغت.. فلا هو رمضان ولا أحوال الناس تجعلهم فى حال مستعدة لاستقبال مسلسلات جديدة.. المسلسل، وعلى غير العادة، لا يعتمد الخلطة المعتادة بأسماء كبيرة وديكورات فخمة أو مكسبات طعم ولون فجّة ظلمت فن التمثيل فى بلادنا لسنوات ليست قليلة.. مسلسل مافيهوش ولا لفظ خارج ولا رقصة بذيئة ولا بلطجية ولا أغانى مهرجانات.. ونجح فى أن يصبح حدوتة مصرية لشهر كامل قبل أن نعود إلى المدارس ومسلسلاتها. 

ترى من أين عرف هانى كمال ورفاقه أن المصريين يقدرون المتعة ومن يصنعها دون فذلكة ولا بهرجة ولا تعالٍ ولا سطحية؟.. لقد اختار الرجل، وسبق أن فعلها مع إبراهيم حمودة، نفس الطريق.. نفس السكة.. نفس المنهج.. كان صادقًا وبسيطًا وواضحًا. 

من اللحظة الأولى ظهر أن أصحاب «وبينا ميعاد» عاملين دراما مختلفة.. شابة.. جيل جديد من النجوم يبحث عن نفسه.. عن حلمه.. رسمهم هانى على الورق قبل أن يرسم مدينتهم.. وعالمهم.. فى «أبوالعروسة» كانت المنازل قليلة.. والشوارع قصيرة.. والمشاعر كثيفة.. وهكذا فعل فى «وبينا ميعاد».. هى دراما تشبه قصص إحسان وقصائد نزار لا تهدف إلى أى كلام كبير.. ده جيل جديد.. ودى بيوت موجودة فى مصر.. فى حتت قد تبدو بعيدة عن عالم الريف والصعيد والحارات الشعبية فى القاهرة الكبرى.. مطاعم لا يستطيع نصف أهل بلدنا المرور من أمامها.. لكننا أحببنا هذا العالم.. لمَ أحببناه؟.. لأنه يتحدث عما يجمع الكل.. عن المشاعر.. عن الحب.. الجميع يحبون.. الجميع يملكون قلوبًا.. تحزن وتفرح.. تقترب وتبتعد.. تثور وتغضب.. تغفر وتسامح.. والأهم أن هانى كمال لم يقدم هذه القلوب فى أجساد أنبياء ودراويش.. كل الشخصيات معيوبة بنسبة ما.. كل الشخصيات تفشل وتنجح.. كل الموجودين حتى الأطفال يقترفون الأخطاء بنسبة ما.. لكنهم على ورق هانى كمال يعترفون بأخطائهم. 

 

ربما لا يوجد فى الواقع من هو مثل محمد كمال أو زوجته.. وربما يوجد من هم مثلهم.. لكننا صدقنا وجودهم وقبلنا به لأننا نريد هذه الصورة فى عالمنا الحقيقى.. رسائل المسلسل الناعمة جدًا.. وصلت بنفس النعومة.. فكرة أن نحتضن أولادنا.. أن نعرفهم.. نقترب من خطاياهم.. وجموح خطواتهم باللين.. وصلت.. قبول الآخر بعيوبه البسيطة وصلت.. الإيمان بأن كل شخص فينا لديه فرصة أخرى ليعيش حياة جديدة وصلت أيضًا.

 

المخرج هانى كمال لم يكن بعيدًا عن صاحب الكلمة.. الصورة والكلمة والموسيقى صارت شيئًا واحدًا.. الفريق الشبابى بكامله استطاع أن يستوعب تفوق شيرين وصبرى فواز بسهولة.. مدحت صالح الذى يعتقد أنه مطرب يحاول أن يكون ممثلًا يقترب بشدة من مناطق درامية جديدة عليه.. عين المخرج التى جمعت كل هؤلاء عرفت كيف تمرر أننا فى ديكورات محدودة جدًا.. بيوت من الداخل.. قليلًا ما نغادرها إلى حديقة منزل أو كافيه أو طرقة فى مستشفى.. هرب بنا صناع المسلسل إلى عالم بسيط يكره الزحمة والأحداث المزعجة.. لكنه من بعيد يضىء أنوارًا كاشفة تحذر من الاستهتار فى التعامل مع أولادنا وتركهم فى ذلك الشارع المروع.. تجار الأدوية المخدرة مثلًا.. من سحبوا إلى عالمهم قبل أن يتم إنقاذه.. ليلى ومن أراد لها السقوط.. لم تكن تلك العوالم من بين اهتمامات هذا العمل.. هم حملة رسائل مختلفة وبسيطة.. التسامح.. الغفران.. السعى.. الاقتراب.. هى رسائل قد تبدو مخملية.. وناعمة.. فى عالم متوحش وفج.. وربما لأننا نحتاج إلى هذا العالم فى هذا الوقت تحديدًا صدقناه واحتفينا به. 

 

كان لمثل هذه الأفكار أن تسقط فى فخ المباشرة.. والتوجيه.. والإرشاد.. لولا مهارة صناع العمل.. وفى مقدمتهم صبرى فواز الذى أجمع كل من شاهد المسلسل على أنه اكتشاف تأخر كثيرًا.. ونال ما يستحق من محبة تليق به.. وهؤلاء الشباب الذين فرضت حيواتهم وجودها على الجميع، فصار الجمهور يبحث عنهم، يود أن يعرف سيرتهم ومن أين جاءوا.. وقبل ذلك منتج يدرك ويعى قيمة الفن ودوره الذى غاب سنوات تحت رحمة التجارة والمتاجرين. 

 

انتهت تفاصيل.. «وبينا ميعاد».. وهناك من دعا لوجود حلقات جديدة منه على غرار ما حدث من قبل مع مسلسل «أبوالعروسة».. وسواء تم ذلك أو لم يتم فالمؤكد أن المشاهد المصرى وبخاصة أبناء الجيل الجديد من شبابنا يحتاجون إلى ما هو مختلف.. هذا ما أظن.