رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نص كلمة الدكتور أندريه زكي خلال احتفالات مجلس كنائس مصر

جانب من الحفل
جانب من الحفل

شارك  الدكتور القس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، في احتفالات مجلس كنائس مصر الذي تستضيفه الكنيسة الأسقفية مساء اليوم.
وقال أندريه ذكي خلال كلمته بدايةً أهنئ حضراتكم جميعًا بمرور عشر سنوات على إنشاء مجلس كنائس مصر، والذي انطلق في عام 2013، ليكون مساحة للحوار والعمل على تدعيم العلاقات المسيحية المسيحية بمصر، وكذلك العلاقات الإسلامية المسيحية، وتعزيز دور الكنيسة المصرية بمختلف طوائفها في خدمة المجتمع والتفاعل مع القضايا والتحديات التي يواجهها المجتمع المصري. 
كما أشكر كنيسة الروم الأرثوذكس والأمين العام الأرشمندريت د. ذمسكينوس الأزرعي لخدمة المجلس في المرحلة السابقة، كما أهنيء الكنيسة الأسقفية والأمين العام الجديد القس يشوع يعقوب على دورهم في المرحلة القادمة.

وتابع: وأود أن أبدأ كلمتي مستلهمًا شعار الاحتفال هذا العام الذي يرد في سفر إشعياء 43: 19 "هأَنَذَا صَانِعٌ أَمْرًا جَدِيدًا. الآنَ يَنْبُتُ. أَلاَ تَعْرِفُونَهُ؟ أَجْعَلُ فِي الْبَرِّيَّةِ طَرِيقًا، فِي الْقَفْرِ أَنْهَارًا"يكتب إشعياء هذه الكلمات، ونبوته عمومًا، في ظروفٍ تاريخية صعبة من تاريخ مملكتي إسرائيل ويهوذا، وفي وقت عانت فيه أورشليم من حالة حصار، ليؤكد أن الله هو سيد التاريخ، وأن خطته وتدبيره صالحان، وأنه دائمًا يصنع أمرًا جديدًا حتى في أوقات اليأس وانعدام الأمل.
 

ونجد الإصحاح 43 من سفر إشعياء يتناول عدة أفكار أهمها:  
1. طمأنة الله لشعبه مهما كانت الظروف: إذ يفتتح الإصحاح بكلمات الرب لشعب إسرائيل: "لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي" ويعد الله أن يكون مع شعبه إذا اجتاز في الأنهار أو النيران، وأن الله ينظر إلينا باعتبارنا أعزاء مكرمين.
2. وعود الله بالخلاص: ومن أهم العبارات في هذا الجزء قول الرب لشعبه: "أنتم شهودي"، نشهد لله بحياتنا وسلوكنا وارتباطنا به دون غيره. ويذكِّر الله شعبه بالخروج الأول من مصر. ويعلمنا هذا الإصحاح أن مع تذكر العظائم التي نتلامس معها في تاريخ علاقتنا بالله، فإن الله لديه دائمًا "أمر جديد" يصنعه. والكلمة العبرية التي تُرجمت "صانعٌ" ترد في صيغة اسم الفاعل في العبرية، وتُرجمت أيضًا في صيغة اسم الفاعل، وهي تدل في العبرية على الزمن المضارع.

بمعنى أن الله وهو يتكلم عن هذا الأمر الجديد يتكلم عنه وهو يصنعه بالفعل؛ فيجعل في البرية طريقًا وفي القفر أنهارًا. لديه دائمًا مخرجٌ من الظرف الراهن أيًّا كانت صعوبته.

وفي هذا السياق، وفي ضوء هذا النص الكتابي، أحب أن أتناول عدة أفكار مهمة تتعلق بواقعنا، نحن المصريين المسيحيين ودورنا تجاه بعضنا البعض، ودورنا تجاه المجتمع:

- أولًا أهمية يقينية الاعتقاد وقبول الآخر:
*ومع أن المشترك بيننا ككنائس كبير وضخم، فإن كلًّا منا يحمل اعتقادًا مختلفًا ومتميزًا عن الآخر، وهذا حق إنسانيٌّ أصيل، وكلًّا منا لديه يقين بصحة اعتقاده وينتمي إلى هذا الاعتقاد ويحترمه ويقدِّسه، وهذا أيضًا حق أصيل... لكن على الجانب الآخر يجب على كلِّ فرد احترام معتقدات الآخر.   
*نحتاج إلى هذا الأمر الجديد في إحداث التوازن بين يقينية اعتقاداتنا وتمسُّكنا بها وإخلاصنا لها، وبين احترام الآخر وقبوله كما هو وتقدير حرية الاعتقاد والفكر. بين التمسك بالهوية الذاتية واحترامها، وفي نفس الوقت احترام الهويات الأخرى وتقديرها. بين محبة الآخر وبناء الجسور معه، دون التفريط في صحة ما نعتقد أو تجاهُله.

 


- ثانيًا أهمية أن يكون لدينا مفهوم جديد للتسامح:
• وإن كنا نعتقد أن التسامح يتعلق بالأرضية المشتركة مع الآخر فقط فربما نحتاج إلى تجديد لهذه النظرة، فالأرضية المشتركة أمر في غاية الأهمية، لكن يجب أن يشتمل مفهوم التسامح على قبول الآخر كما هو.
• ويتحقق التسامح أيضًا من خلال الحوار، الذي نهدف فيه للتعرف على الآخر واكتشافه وإزالة الوصم أو التنميط عنه. نعم يخلق الحوار حالةً من التسامح المبني على الوعي. 
• اليوم يدعونا الله لأمرٍ جديدٍ، مفهوم جديد للتسامح، يتأسس على المحبة، ويعتمد على الحوار البناء، ويراعي الأرضيات المشتركة، ويحترم حق الاختلاف، ويدفع الجميع لحالة من البناء وخدمة المجتمع.    
- ثالثًا: الحضور الإلهي والتضامن مع من هم في احتياج:
• إن ما علَّمه السيد المسيح كان يتجاوز الأفكار النظرية لتقديم رؤية عملية تنعكس على سلوك الإنسان وحياته. وعلى نفس المنوال، تعاملت الكنيسة مع احتياجات المجتمعات التي عاشت فيها، فالتاريخ المسيحي يشهد كيف كانت الكنيسة شاهدة لمحبة الله للإنسان وخادمة للجميع، بصرف النظر عن انتماءاتهم، هذا هو الأمر الجديد، الذي صنعه السيد المسيح، والدور المنتظر من الكنيسة. 
• لا يمكن أن تكون الكنيسة منعزلة عما يعيشه الناس في الوقت الحالي، لا سيما مع معاناة البعض ماديًّا إثر ظروف اقتصادية عالمية أثرت على جميع دول العالم، ودور الكنيسة ودور المسيحيين كشهود لله هو أن يتضامنوا مع من هم في احتياج،


وهكذا يعبرون عن رؤية النص ويشهدون عن عمل الله الذي يصنع أمرًا جديدًا، ويجعل في البرية القاحلة طريقًا، وفي القفر أنهارًا.

• وأستطيع أن أوجز هذه النقاط الثلاث التي تحدثت عنها في مَثَل السامري الصالح الذي ورد في إنجيل لوقا الإصحاح العاشر، إذ أوضح السيد المسيح كيف يكون احترام إنسانية الآخر وخدمته بصرف النظر عن اعتقاده. لقد صنع السيد المسيح "أمرًا جديدًا" بتعليمه عن ضرورة قبول الآخر، بل وخدمته وإنقاذه في حالة تعرضه للخطر. كلمة الله تؤكد على ضرورة احترام الإنسان، والمحبة المتبادلة بين البشر جميعًا كإخوة.  

اليوم 
ونحن نحتفل بمرور عشر سنوات على إنشاء مجلس كنائس مصر، أشكر الله لأجل هذا المجلس وما قدمه ولا يزال يقدمه من خدمة وشهادة عن عمل الله. وننظر إلى المرحلة القادمة متطلعين ومصلين لأجل أدوار أكثر فاعلية في بناء الجسور، والحوار، والتعرف على الآخر، وإيضاح المفاهيم، والتأكيد على فكرة التعددية وقبول الآخر، والمزيد من التعاون والتضامن في خدمة الإنسان بصرف النظر عن انتمائه، للمزيد من التأكيد على المحبة والتآخي، للمزيد من الشعور بتحديات المجتمع الذي نعيش فيه... حتى نحقق قول الرب في سفر إشعياء "وتكونون شهودي"، ليصنع بنا الله هذا "الأمر الجديد".