رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المدافعون عن خراب العقل والروح

منذ تم الإعلان عن نية المسرح القومى إنتاج مسرحية تتناول سيرة داعية شهير، ومعارضة البعض الفكرة، ومرجع الرفض مرده إلى التخوف من إضفاء مزيد من التقديس على شخصية الداعية، وقد أظهرت ردود أفعال المتابعين لـ«فيسبوك» حالة من التشنج والهوس ضد أى كاتب أو إعلامى ينتقد آراء أو تصرفات الداعية. 

ردود الأفعال تؤكد أننا أمام حالة من رفض العقل والمنطق والشك ترتد بنا إلى مجاهل عصور الظلمات.. ويضاف إلى حالة الجهل وانعدام الوعى التى تحتاج إلى دراسات علمية يقوم بها متخصصون فى علم النفس والاجتماع لتفسر لنا: كيف يتماهى مواطنون بالغون راشدون مع داعية لمجرد أنه قدم تفسيرًا لغويًا للقرآن الكريم، ويعتبرون أن الحديث أو نقد ما فعله أو قاله هو هدم للدين. 

بل يصل الأمر فى ظل حالة سعار هيستيرى إلى ارتكاب موبقات نهى عنها هذا الدين أصلًا، مثل السب والشتم وقذف المحصنات، فعن أى شىء يدافع هؤلاء الجالسون، يضيعون وقتهم ومالهم ويجمعون سيئات وفقًا للنص الدينى بشتمهم لمن يجرؤ على نقد أقوال وأفعال صادرة عن إنسان يؤخذ منه ويرد عليه. 

ما الذى يخافه هؤلاء الناس؟ ما حالة الفزع والخوف من نقد وتمحيص مقولات علماء ومفسرين للدين، ليسوا بمعصومين، بل هم بشر يصيبون ويخطئون؟ ما هذه الهشاشة والخواء الروحى اللذين من أجلهما يستميتون فى الدفاع عن رجل كان يمشى فى الأسواق ويتولى المناصب ويحب ويكره؟، فهو رجل دنيا ورجل سياسة وليس فى هذا ما يعيبه، لكن فى هذا ما يجعله ككل البشر المسئولين الذين أثروا فى حياة المعاصرين له ومن تبعهم محل دراسة لأقواله وأفعاله. سب من ينقد شيخك هو إهانة لشيخك لأنك لم تتعلم منه أبسط مبادئ الإسلام وهو مكارم الأخلاق.

ما هذه الجاهلية التى ترتد بنا إلى العصور الوسطى؟ حيث تغييب العقل والمنطق، لا يوجد شخص كل ما قاله أو فعله صواب، كل ما هو بشرى قابل للفحص والتمحيص والنقد، ولكل عصر قواعده وعلومه ومفاهيمه، والعصور السابقة ليست هى الأحسن أو الأسوأ، كل مرحلة خاضعة للمساءلة، لإعمال العقل الذى ميز الله به الإنسان عن غيره من المخلوقات. 

ما الذى يستفز مشاعر هذه الجموع؟ وهل المشاعر هى المحرك للإنسان؟ هل الحب والكراهية والغضب والنفور كمشاعر هى ما تحدد سلوك المسلم؟ أين «ألا يتفكرون؟»، «ألا يتدبرون؟»، أين القسط؟ أين العدل؟ ماذا إن كان ما يقوله المنتقدون للشيخ صحيحًا؟ أى ضرر سيصيب الإسلام؟

أم أن الضرر سيصيب النفوس المهتزة التى تستمد قيمتها من التمترس خلف مجموعة من المقولات والتفسيرات التى تحتاج مراجعة وفحصًا لتبين الصالح والفاسد منها، يضيفون قداسة وتعظيمًا لما وقر فى عرفهم، لخوفهم من المجهول الذى لن يستطيعوا مواجهته إذا ثبتت خرافة تقديسهم لما هو زائل، هذه النفوس الهشة التى لا حول لها ولا قوة غير السباب والصراخ كأطفال لم يتجاوزوا طور الطفولة، حيث الخوف من انهيار صورة الأب، المعلم الحامى الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه، الخوف من انهيار السواتر التى يحتمون بها ويستندون عليها، حتى لا ينكشف ستر جهلهم وعوار وتصحر عقولهم. 

إنهم لا يدافعون عن الشيخ، إنهم يدافعون عن خرابهم. 

حالة السعار والتشنج التى تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعى ممن يظنون أنهم مسلمون ما هى إلا هيستيريا الخوف من الخروج من الكهف المظلم لما وجدوا عليه آباءهم وشيوخهم، لم يأمرنا الله أن نقدس أحدًا، لكنه أمرنا باستخدام العقل والتفكير.. وما أقرأه لا يمت بصلة من قريب أو بعيد لثانية من التروى أو التفكير.

ما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعى مرعب ومخيف لكل من يريد الخير لهذه الأمة، كيف يمكن لأمة أن تنهض أو تخرج من كبوتها وتحقق أى تقدم وهؤلاء عينة من عقول أبنائها؟ كيف تثق فى رأيهم أو اختياراتهم والمشاعر المستفزة هى وقودهم؟ ويبقى الأمل أن يكون هؤلاء مجرد شريحة صغيرة وإن علا صراخها.