رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ميلاد السيد المسيح كأسلوب للحياة

لحدث ميلاد السيد المسيح علامة فارقة، فالله تنازل وهو فوق كل زمان ومكان ودخل فى قلب الزمان من خلال مجىء السيد المسيح إلى عالمنا. 
لذا نتأمل فى هذا الموضوع الهام من خلال النقاط التالية:
أولا: الله يسكن بيننا.. ثانيا: الله هو موضوع أنشودتنا
أولا: الله يسكن بيننا:
لقد قال الله لشعبه قديما ما ذكره النبى القديم فى «إر 32: 38» وأكده الله مرة ثانية فى الرسالة التى أظهرت مكنونات الله للبشر فى العبرانيين الإصحاح الثامن آية 10 «أَجْعَلُ نَوَامِيسِى فِى أَذْهَانِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِى شَعْبًا» عب 8: 10
ولنتبين التعبير الذى أطلق على السيد المسيح فى الإنجيل .. من المهم أن نعرف أنه قد سادت الثقافة اليونانية فى العالم وقت ميلاد المسيح فاستخدم البشير يوحنا في 
الإنجيل كلمة «لوجوس» التى ترجمت بالعربية إلى «الكلمة».
فى الإصحاح الأول من الإنجيل بحسب البشير يوحنا نجد حديثا مفصلا عن السيد المسيح فهو الرسالة الكاملة لله وهو «نور للناس» «الآية 4». وكانت رسالة المحبة والفداء التى تكلم بها الله من خلال أنبيائه قد تم إهمالها لقرون التى فاه بها الله على فم نبى قديما يدعى حزقيال، وتحدث عنها فى الإنجيل البشير متى «حزقيال 22: 26؛ متى 23: 37». وقد وجد الناس أنه من السهل إهمال رسالة إله غير منظور والاستمرار فى خطاياهم وتمردهم. لهذا ظهرت رسالة الله فى شخص السيد المسيح فجاء إلى عالمنا ليؤكد سكن الله بيننا أى أن العالى هو متنازل أيضا فيشعر بأدق التفاصيل وكل الآلام التى نجتاز فيها كما نقرأ فى أقوال البشير متى وكلمات الرسول بولس فيلسوف المسيحية «متى 1: 23، رومية 8: 3، فيلبى 2: 5-11».
فالسيد المسيح هو صورة الله التى أعلنها إلى العالم. إن كلمة الله فى العهد القديم هى التى أوجدت العالم «مزمور 33: 6» وأنقذت المحتاجين «مزمور 107: 20»..
ويتدرج البشير يوحنا فى الإصحاج الأول حتى يخبر بهدف ميلاد السيد المسيح أو هدف مجيئه إلى عالمنا ففى الإصحاح الأول آية 14 يقول: «والكلمة صار جسدًا، وحل بيننا ورأينا مجده مجدًا... مملوء نعمة وحقًا» «يو 1:14»، «الكلمة» صار جسدًا. 
يقول العلامة أوريجانوس «185-254م»: «كما تخرج الكلمة من العقل دون أن تمزقه، أو تُحسب الكلمة منفصلة أو منقسمة عن طبيعة العقل» فعلى هذا النمط تعد «الكلمة» اسمى تعبير عن شخص الله. 
فـ«اللوجوس» «الكلمة» إنما تشير إلى:
«الذهن»، أو «العقل»، أو «الحكمة». وقد استخدم يوحنا هذا المفهوم لكى يخبر بحقيقة المسيح.
فالسيد المسيح هو قوة الله وحكمة الله. 
تنازل الله ليأتى إلى عالمنا من خلال السيد المسيح.
فإنه إذ يجتمع العالى بالأسفل لا تُهان كرامته هذا ما يصوره الله لنا من خلال السيد المسيح.
«حلّ» أو «سكن»: تعنى إقامة مسكن مؤقت أو خيمة للإيواء skeenoso باليونانية.
لقد أتى الله إلى العالم فى ذلك الحب الفريد الذى هو شخص السيد المسيح وذلك «لكى نحيا به» كما عبر البشير يوحنا فى رسالته الأولى الإصحاح الرابع آية 9 «1 يو 4: 9»
الله أحبنا منذ الأزل فهو لم يحبنا فجأة لكن مجىء السيد المسيح إلى العالم ترجم ذلك الحب الموجود بالفعل فى إذ منذ البداية التى لا بدايه لها قلب الله فالله يحبنا.
ثانيا: الله هو أنشودتنا:
يحتفل المسيحيون بترانيم الميلاد فى ذكرى ميلاد السيدالمسيح. 
وهذه الترانيم المجيدة مع أنها ترنم أساسا فى عيد الميلاد إلا أنها لا ترتبط فقط بهذا التوقيت بل هى أنشودة الحياة كلها فتستطيع الكنيسة أن تتخذ منها عنوانا لأفراحها وأساسا لعبادتها عبر كل العصور والأزمنة فتصير كنيسة الرب تنعم بحالة من فيض الفرح والسرور بسبب مجىء السيد المسيح. حتى إن العالم بكل معتقداته الدينية المختلفة يحتفل بعيد الميلاد ويفرح بالتغنى بذات الترانيم كعلامة تفاؤل ونظرة أمل نحو غد مشرق جديد. 
هذه الترانيم فى البُعد المسيحى ليست لإحياء ذكرى بل لإحياء شعب الرب ليعيش الميلاد يوميًا وينعم بأفراحه وأمجاده على الدوام..... على أن:
البعض يتساءل: ما هى أصول ترانيم عيد الميلاد؟ 
للإجابة نجد تاريخا طويلا ورائعا لهذا.
Light of the world.. تعد أقدم ترانيم الميلاد التى كتبت بالإنجليزية تعود لعام 1426 على يد القس جون آودلاى واصدارها فى كتاب يضم 25 ترنيمة كانت ترنم فى المنازل خلال تبادل الهدايا عشية الميلاد.
وفى عام 1570 وضعت ترنيمة تعرف باسم يا رعاة خبرونا Gloria in excelsis
اكتسب تأليف ترانيم الميلاد زخمًا جديدًا مع ما أطلق عليه الإصلاح البروتستانتي، وهو حركة عارمة للتجديد الكنسى وإحياء المفاهيم الدينية المسيحية بصورة أشمل وأعمق فانتشرت هذه الترانيم حتى القرن التاسع عشر؛ ويعود للعصور الوسطى المتأخرة تلحين عدد من مزامير داود لتنشد فى عيد الميلاد.
فى عام 1719، ظهرت ترنيمة.. Joy to the World. 
ففى عام 1818 ظهرت واحدة أخرى من أشهر ترانيم الميلاد
وهى ليلة صامتة Silent Night فى النمسا خلال الاحتفال بعيد القديس نيقولا.
مؤلف هذه الترنيمة الألمانية المحبوبة هو جوزيف مور «1792-1848»، وهو كاهن ومرنم فى كاتدرائية سالزبورج. فى عام 1818، كان مور يخدم فى أبرشية صغيرة فى بلدة أوبيندورف. وقد بحث عن ملحن لتلحينها، وتعرف على فرانز
جروبر «1787-1863»، عازف أرغن وقدمت الترنيمة فى قداس ليلة عيد الميلاد فى كنيسة القديس نيكولاس، حيث رنم مور ورافقه غروبر على الجيتار.
وفى عام 1833 نشر كتاب ترانيم الميلاد بالإنجليزية، الذى شكل أول كتاب على ترانيم عيد الميلاد، وساهم بإحياء الترانيم. وتزامن ذلك مع سيمفونية المسيا الشهيرة.
فى عام 1857 ظهرت Jingle Bellz ، وازدادت من بعدها الترانيم الروحية حول عيد الميلاد، وفيها موسيقى البوب والجاز والروك.
فيما يخص اللغة العربية فى عام 1992 قامت المغنية فيروز بإصدار ألبوم يحوى أربع عشرة ترنيمة ميلاديّة أغلبها كلمات عربيّة وألحان عالميّة مثل  Silent Night 
وإلى جانب الترانيم العالمية بلغتها الأصلية أو معربة. هناك أيضًا ترانيم ميلادية عربيه أمثال «ليلة الميلاد».
أخيرا:
نعم إن حدث الميلاد هو ليس كأى حدث بل هو مركز التاريخ كله فالله أتى إلينا متنازلا ليرفعنا إليه 
ولذا فلا بد أن نعلى تسبيحنا دائما ويشدو قلبنا بالفرح والنصر والجود الإلهى وكل عام وكل العالم فى ملء الخير والبركات. وكل عام والأفراح تزايد فى عالمنا بدلا من الأحزان التى ألمت بنا سواء من جراء جائحة كورونا أو الظروف الاقتصادية الدولية المريرة التى جاءت بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. إن العالم لم يعد يحتمل مزيدا من الألم لذا لتسد أفراح الميلاد كل شعوب الأرض ويتحول كل نحيب الحزن إلى سعادة وسرور. آمين.