رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قمة العرب وبكين.. هل تحل الصين محل الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط؟

جريدة الدستور

تشهد العلاقات العربية- الصينية تقاربا ملحوظا في السنوات الأخيرة، في ضوء المتغيرات العالمية، وتنوع موازين القوى، وصعود الصين كقوة كبرى، فيما يبحث العرب عن شركاء يمكن الاعتماد عليهم في التبادل التجاري، وتبادل الخبرات التكنولوجية والصناعية، وتتميز العلاقات بين الجانبين بالاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول، حسبما يرى خبراء ومحللون تحدثوا لـ"الدستور".

وقال الإعلامي الصيني نادر رونج، إن السنوات الأخيرة شهدت تطورا كبيرا على مستوى العلاقات العربية- الصينية، خصوصا في وقت يشهد فيه العالم ومنطقة الشرق الأوسط أزمات طاحنة، فيما يتعلق بالوضع السياسي وحتى الأمني، والجميع يبحث عن التعاون لمواجهة التداعيات الاقتصادية وتأثير هذه الأزمات على سلاسل الإمداد.

وأضاف رونج في تصريحات أدلى بها إلى "الدستور"، أن الصين تريد التعاون مع الدول العربية للحفاظ على الاستقرار، واستقرار سلاسل الإمداد والإنتاج، خاصة أن الدول العربية لها دور كبير فيما يتعلق بإنتاج الطاقة العالمية بشكل آمن، وكذلك الصين أيضا يمكن أن تساعد الدول العربية فيما يتعلق بالإنتاج المحلي.

نادر رونج: الصين تريد من الشرق الأوسط ضمان أمن الطاقة
نادر رونج

وتابع بقوله: أعتقد أن أبرز الملفات في القمة هو التعاون في مختلف المجالات، سواء ما يتعلق بالطاقة، أو الاستثمارات الصينية في الدول العربية، ومنها مساعدة المملكة العربية السعودية في تطوير إنتاجها المحلي لبناء سلسلة إنتاج قوية، وكذلك التعاون في مجالات الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا والطيران. 

وأوضح الإعلامي والمحلل السياسي الصيني، أن القمة ستشهد تنسيق المواقف بين الصين والدول العربية في مختلف المحافل الدولية، ومناسبات العالمية، فبكين والدول العربية، تسعى كلاهما إلى التماسك والاستقلال في سياستها الخارجية.

وأشار إلى أن القمة سوف تتميز بمبدأ المكاسب المشتركة للجميع، لأن بكين تتمسك بسياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، وكذلك منفتحة على التعاون أيضا، ولديها الموارد البشرية والطاقة وكذلك التكنولوجيا العالية. 

ونوه بأن الدول العربية أيضا تمتلك موارد الطاقة، ويمكن أن تقدمها للصين، ما يعني وجود ما يعرف بالتكامل الاقتصادي على الجانبين، وهنا يمكن للجميع تحقيق مكاسب مشتركة دون أي شروط سياسية مسبقة.

واختتم رونج تصريحاته بالقول: الصين تريد من الشرق الأوسط أولا أن يضمن إمداد الطاقة بشكل آمن. وكذلك فتح الأسواق في الشرق الأوسط للبضائع الصينية، فضلا عن التعاون في مبادرة الحزام والطريق، والبنية التحتية التي يمكن أن توفرها الصين للدول العربية.

أمن المنطقة

وقالت الأكاديمية اللبنانية والباحثة في الشأن الصيني تمارا برو، إن القمة العربية- الصينية المرتقبة في الرياض كان مخططا لها منذ وقت طويل، لكن بسبب فيروس كورونا تأخر عقدها. وتأتي في توقيت مهم، عقب انتخاب الرئيس الصيني شي جين بينج، أمينا عاما للحزب الشيوعي، وهو ما يمهد الطريق لإعادة انتخابه رئيسا للصين في شهر مارس المقبل. 

وأضافت برو في تصريحات أدلت بها إلى "الدستور"، أن القمة تأتي أيضا في وقت بدأ الرئيس الصيني جولاته الخارجية، بعد قراره عدم مغادرة الصين منذ بدء جائحة كورونا، تقريبا 3 سنوات. وحضر قمما عديدة، منها قمة آسيان، وزار أوزباكستان. كما حضر قمة شنجهاي للتعاون.

تمارا برو: القمة العربية الصينية ستشهد توقيع اتفاقيات مهمة
تمارا برو

 

وتوقعت برو، أنه سيتم التوقيع على العديد من الاتفاقيات في مجالات مختلفة، لا سيما الطاقة والطاقة المتجددة. وازدياد طلب الصين على النفط، بعد أن بدأت تخفف تدريجيا من القيود التي فرضها تفشي وباء كورونا. وتوقيع اتفاقيات تجارة حرة بين دول الخليج والصين، بالإضافة إلى إمكانية طرح الصين مبادرة لتأمين الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. 

وفيما يتعلق بقضايا المنطقة، قالت برو، إن اللقاءات لن تخلو من مناقشة القضية الفلسطينية، والعلاقات بين الخليج وإيران، فالصين كانت دائما تطرح هذه المبادرات، فضلا عن أنه سيتم توقيع اتفاقيات مختلفة في مجال التكنولوجيا والفضاء التكنولوجيا والصحة والبنى التحتية، وزيادة استثمارات الصين في البلاد العربية، والاستثمارات العربية في الصين. 

الرئيس الصيني: لن نتخلى عن حق استخدام القوة بشأن تايوان
الرئيس الصيني شي جينبينج

وأوضحت الأكاديمية اللبنانية، أن الاتفاقيات التي سيتم توقيعها ستعود بالنفع على الجانبين الصيني والعربي، وتعزز مكانة العلاقات بين الدول، واقتصاد الجانبين، في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي تباطؤًا بسبب تفشي كورونا والحرب الروسية- الأوكرانية.

واستبعدت برو، فرضية أن تحل الصين محل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وما يهم الصين هو البعد الاقتصادي وإنجاح مبادرة الحزام والطريق. وللدول العربية موقع استراتيجي فيها. كما تسعى الصين لتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة لأنه متى ما تحقق الأمن والاستقرار فهذا سيساعد في إنجاح المبادرة لتحقيق التنمية. والتي تدعو إليها الصين دائما وتسعى إليها.

وأوضحت أن الصين لن تقف إلى دولة ضد دولة أخرى في الشرق الأوسط، فهي تتمتع بعلاقات جيدة وطيبة مع جميع دول المنطقة، لذلك ستبقى دول المنطقة ترتبط أمنيا بالولايات المتحدة، واقتصاديا بالصين.

مصالح عربية

وقال المحلل السياسي الأردني الدكتور منذر الحوارات، إن القمة العربية الصينية المرتقبة هذا الشهر، تأتي في وقت شديد التعقيد. فمن الناحية الدولية هناك الحرب في أوكرانيا وما خلفته من تداعيات في مجال النفط وفي مجال الأمن العالمي والغذاء العالمي.

وأضاف الحوارات في تصريحات أدلى بها إلى "الدستور"، أن الفترة الماضية شهدت بعض الإشارات إلى أن المملكة العربية السعودية تصطف إلى جانب روسيا في هذا الصراع الدولي الخطير، خصوصا حينما قررت عدم زيادة الإنتاج النفطي، بل تخفيضه، وبالتالي هذا أمر يقلق السعودية، كما أن اهتمام واشنطن بالمنطقة تراجع وتركيز انصب على مناطق أخرى بالعالم، وبالتالي هنالك خشية إقليمية خليجية سعودية بالدرجة الأولى من أن الولايات المتحدة لم تعد هي الشريك الموثوق من الناحية الأمنية.

بلكي الاخباري | د. منذر الحوارات .. ما يجري في فلسطين وما هيا أفاقه-فيديو
منذر الحوارات

وأشار إلى أن الوضع في الخليج العربي فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وتدخلات إيران الواسعة في المنطقة العربية، وتواجد ميليشياتها في أكثر من دولة، وعدم تدخل الولايات المتحدة لردع إيران، بل محاولات إشراكها في النظام الدولي من خلال النقاشات الدائرة في فيما يتعلق بموضوع البرنامج النووي، كلها أمور تجعل السعودية تنوع خياراتها واستراتيجياتها فيما يتعلق بالشركاء الدوليين الأقوياء، والصين شريك دولي قوي له مستقبل واعد.

وتابع الحوارات بقوله: إن الصين لا تقف في موازاة الولايات المتحدة اليوم، ولكن من المعتقد أنها ستكون واحدة من الفاعلين الدوليين الكبار في مجال القوة العسكرية، والنشاط العسكري في العالم، وبالتالي هذا الأمر يدفع المنطقة لتوسيع قاعدة الشراكات، والتعامل مع الصين باعتبارها فاعلا أساسيا ورئيسيا، يمكن أن يكون له دور في ميزان القوى خلال المرحلة المقبلة.

الحرب الروسية-الأوكرانية وانعكاساتها على صياغة أنماط علاقات القوة  الجيوسياسية في إطار النظام الدولي | البيان
الحرب في أوكرانيا

وأوضح أن هناك ملفات عديدة للصين، وبكين وضعت استراتيجيتها نحو المستقبل، عن طريق التوسع الناعم في العالم، من خلال ما عرف بطريق الحرير، والحزام والطريق، اعتمادا على النشاط الاقتصادي في الدول، من خلال مشاريع مشتركة، تمكنها من تبادل السلع والخدمات والخبرات، وبهذا تستطيع خلال المرحلة المقبلة أن تهيمن على طرق التجارة العالمية.

وفيما يتعلق بالمصالح العربية، قال الحوارات، إن الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تعتبر الصين شريكا موثوقا، فهي أكبر مستورد للطاقة من الرياض، فضلا عن التبادل التجاري غير النفطي الذي يتصاعد عاما بعد آخر، والصين شريك اقتصادي بإمكانه مساعدة المملكة في طموحها المستقبلي لبناء قوة اقتصادية تعتمد على قاعدة صناعات.

ونوه بأن الصين لا تضع ضوابط مثل الولايات المتحدة والغرب فيما يتعلق بنقل التكنولوجيا أو عملية الاستثمار أو تبادل المعلومات وتبادل التقنيات، والمنطقة بحاجة لإيجاد شريك استراتيجي حالي ومستقبلي يمكن أن يعوض تراجع التأثير الأمريكي في المنطقة، ما يضفي أهمية كبرى على هذه القمة.

واختتم الحوارات تصريحاته بالقول، إن كل طرف من الأطراف له مصلحته الخاصة، والمنطقة مثقلة بالهموم الاقتصادية والبطالة، وفيها حوالي 67% شباب، وتعاني غياب الفرص، وبالتالي تطمح أن تكون الصين شريكا فاعلا في تأسيس قاعدة صناعية، والدعم التقني الصيني، كما أنها بحاجة لسوق كبيرة مثل الصين، لاستيعاب منتجاتها ومواردها الطبيعية.

الرياض وبكين

وقال الكاتب السعودي علي الحازمي، إن القمة العربية الصينية المرتقبة في الرياض هذا الشهر ليست ذات دلالات غامضة فيما يتعلق بالتوقيت، لأنها قمة مرتقبة مخطط لها من قبل. وتأتي في وقت تمر فيه المنطقة بأوضاع جيوسياسية، ولكن هذه الأوضاع الجيوسياسية ليست جديدة.

وأضاف الحازمي في تصريحات أدلى بها إلى "الدستور"، أن الصين تعتبر شريكا تجاريا مهما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، وشريكا على الصعيد السياسي والعسكري. وهي الشريك التجاري رقم واحد للمملكة. 

الطريق البري يعزز التجارة والسياحة بين المملكة وعمان – صحيفة البلاد
علي الحازمي

وتابع بقوله: الصين أيضا أهم مستورد للنفط من المملكة، وأحد اللاعبين الأساسيين في الأسواق العالمية بجميع مستوياتها، "لذلك أعتقد أن هناك فوائد مرتقبة، وربما نرى بعض الاتفاقيات التي سيتم توقيعها خلال هذه القمة. 

وأشار إلى أنه قبل 3 أو 4 سنوات كان هناك لقاء شهد توقيع مذكرات تفاهم. والآن هذه المذكرات ربما تترجم على أرض الواقع إلى اتفاقيات حقيقية. فالصين تؤمن بأن المملكة شريك مهم. والمملكة تؤمن بأن الصين شريك مهم كذلك. وهناك فوائد كثيرة ستعود على منطقتنا بشكل عام. 

ومضى الحازمي قائلا: أعتقد أن التعاون والتنسيق بين أكبر منطقة في الشرق الأوسط وبين الصين حتما ستكون لها عوائد إيجابية، لافتا إلى أن الفوائد ستشمل المجالات الاقتصادية، وحتى عوائد المستوى الأمني والسياسي، خصوصا أن الصين ذات ثقل سياسي واقتصادي مهم، ولها تأثير في المنطقة بشكل أو بآخر.

واستطرد: إذا تحدثنا عن حلول الصين محل الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، فهو أمر بعيد بعض الشيء، فالمملكة تحتفظ بمسافة واحدة من جميع الدول الصديقة، ونحن نؤمن بأن واشنطن شريك مهم، والصين أيضا شريك مهم، ولا يعني إقامة علاقة مع طرف أن تكون العلاقة بالطرف الآخر سيئة.

السعودية.. رصد حركة بيدي محمد بن سلمان بقمة العشرين يثير تفاعلا - CNN Arabic
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان

ونوه بأن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة إلى الرياض أكدت حرص الجميع الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع جميع الأطراف، وهو ما كشفه تصريح بايدن بأن لواشنطن علاقات، ومصالح في الشرق الأوسط، والرياض لها مصالح هي الأخرى في الولايات المتحدة.

وكان القنصل الصيني في الإمارات، لي شيوي هانج، أكد انعقاد القمة الصينية العربية الأولى في المملكة العربية السعودية في أوائل ديسمبر الجاري، وتحديدًا خلال الأيام العشرة الأولى من الشهر.

وفي تصريحات متلفزة، كشف وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، عن انعقاد قمة سعودية صينية، وقمة خليجية صينية، وقمة عربية صينية، كما قال في أكتوبر، إنه من المرتقب أن يقوم الرئيس الصيني، شي جين بينج، بزيارة إلى المملكة العربية السعودية.