رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هشام عبدالعزيز خطيبًا للجمعة القادمة بالشرقية عن «الكسب الحلال»

د. هشام عبد العزيز
د. هشام عبد العزيز

كلف محمد مختار جمعة وزير الأوقاف الدكتور هشام عبدالعزيز رئيس القطاع الديني، بأداء خطبة الجمعة القادمة 25 / 11/ 2022م بعنوان: "الكسب الحلال"، والتي ينقلها التليفزيون المصري من المسجد الكبير بقرية السناجرة مركز أبوحماد بمحافظة الشرقية.

وجاء نص الخطبة كالآتي..

الكسب الحلال

الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، وأَشهدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأََشهدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّدًا عَبدُه ورسوله، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وصحبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.

وبعد:

فإن ديننا الحنيف ينظر إلى العمل نظرة إكبار وتوقير، باعتباره سبيلًا للرقي والتقدم، والمتأمل في القرآن الكريم يجد الدعوة إلى السعي والجد والاجتهاد في طلب الرزق بينة واضحة، حيث يقول الحق سبحانه: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}، ويقول سبحانه: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وكان سيدنا عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ (رضي الله عنه) إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَجَبْتُ دَعْوَتَكَ وَصَلَّيْتُ فَرِيضَتَكَ، وَانْتَشَرْتُ كَمَا أَمَرْتَنِي، فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.

على أن طلب الرزق في الإسلام قائم على أساس الكسب الحلال في إطار من الصدق، والإيجاب والقبول، والتراضي، وعدم الغرر، أو استغلال حاجات الناس، حيث يقول نبينا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (لأَلْقِيَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُعْطِىَ أَحَدًا مِنْ مَالِ أَحَدٍ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ، إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ).

والكسب الحلال سبب لحلول البركة والخير والنماء، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ؛ فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (أفضلُ الكسْبِ بيعٌ مبرورٌ، وعملُ الرجلِ بيدِه)؛ ومَن عرف بركة الكسب الحلال لم تمتد عينه إلى الحرام أبدًا مهما كان كثيرًا؛ لأن الحلال فيه بركة في النفس والمال والولد، وراحة للضمير، وهدوء للبال، وباعث على السكينة والطمأنينة.

ولشرف الكسب الحلال يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ)، وقد بلغ التاجر الصدوق تلك الدرجة لأن النفوس جُبِلت على حبِّ المال وهو من زينة الحياة الدنيا، حيث يقول الحق سبحانه: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، فمن يقاوم حب المال ويتغلب على نفسه وشهوته وزينة الحياة الدنيا، وَيُؤْثِر الكسب الحلال على الحرام، والباقية على الفانية، والآخرة على الدنيا استحق أن يكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا؛ فهو أوثق فيما عند الله على ما هو في يده، حيث يقول سبحانه: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}.

كما أن الكسب الحلال سبب لقبول الدعاء، حيث قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) لسعد بن أبي وقاص: "يا سعدُ، أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُستَجابَ الدَّعوةِ، والَّذي نفْسُ مُحمَّدٍ بيدِهِ، إنَّ العبدَ لَيَقذِفُ اللُّقمةَ الحرامَ في جَوفِهِ ما يُتقبَّلُ منه عملٌ أربعينَ يومًا، وأيُّما عبدٍ نَبَتَ لحمُهُ مِن سُحْتٍ، فالنَّارُ أَوْلى به".

 

****

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وعلى آله وصحبه أجمعين.

لا شك أن الكسب الحرام عواقبه وخيمة، وآثاره خطيرة، فهو يبدد الطاقات، ويهدر الكفاءات، ويعطل مصالح البلاد والعباد، حيث يقول الحق سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَل ْذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ ‌يَسِيرًا}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "إِنَّهُ لا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ".

فما أحوجنا إلى طلب الكسب الحلال طاعةً لرب العالمين، وصيانةً للعرض والدين، وحفاظًا على نعمة الوطن.

اللهم وفقنا إلى فعل الخيرات، واحفظ مصرنا من كل سوء، وسائر بلاد العالمين.