رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاختيار بين الإنتاج والإرهاب.. وبين الجنود والخفر


الأخطر أنه إذا افترضنا نجاح المرشح حمدين صباحى فإن هذا سيعتبر نجاحا للإخوان المسلمين وللجماعات الإرهابية سواء المرتبطة بها أو غير المرتبطة، حيث يعنى هذا فشل من ساند الشعب ضدهم وأن الشعب قد تخلى عن تأييده، ويكون لذلك أثره الضخم فى دور القوات المسلحة، بل وعلى جميع أوجه النشاط

تتميز الانتخابات الرئاسية القادمة بسمات بعضها على الأقل غير متكرر فى انتخابات سابقة، ولا يتوقع أن يتكرر فى انتخابات لاحقة، ويبدو أن هذه الخاصية تتكرر بشكل أو آخر فى كل انتخابات باعتبار أن كل انتخابات تجرى فى النهاية فى ظروف مختلفة تماماً عن ظروف سابقاتها ولاحقاتها، لأن الزمن يمضى ويأتى دائماً بجديد يؤثر فى العملية الانتخابية، لكن هذا لا يمنع من أن ندرس خصوصية هذه الانتخابات، سواء فى بدئها، أو فى انتهائها، وعلينا فى يوم الانتخاب أن نتذكر هذه الخصوصية حتى لا تضيع علينا فرص سبق أن أهدرنا مثيلاتها، وكانت النتيجة هى ما نحن فيه. نعم، فكم من انتخابات جرت عزف الكثير عن الاشتراك فيها بحجة أن نتيجتها معروفة سابقا، وأنها ستزور، أو أن صوت الناخب لا يؤثر فى النتيجة، وغير ذلك من الحجج والمعاذير التى أوصلتنا وأوصلت غيرنا لنتائج كارثية نعيش بعضها الآن، وما زلنا نتوقع أن نعيش البعض الآخر، لكن الكارثة الكبرى تحدث حينما نكتفى بما يردده البعض عن حكم العسكر، أو عن أن شيئا لن يحدث.

ربما من أهم سمات الانتخابات التى ستجرى يومى ستة وعشرين وسبعة وعشرين مايو أن أحد المرشحين قد أتى فى الحقيقة باستدعاء شعبى، وأنه قد تروى فى تلبية الاستدعاء إلى أقصى ما يمكن، وأنه حينما استدعى فقد كان ذلك استدعاء للقوات المسلحة لإنقاذ البلاد من مصيبة كانت تتجه إليها، ومصير لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. هكذا فإن عبد الفتاح السيسى فى الحقيقة ليس مجرد مرشح، بل هو مستدعى، وقد قام الرجل بواجبه دون انتظار لاستدعاء رغم أنه كان قد سبق استدعاؤه عدة مرات، فربما يذكر أغلبنا كيف تعالت الأصوات لمطالبة القوات المسلحة بالتدخل ووجهت الدعوات لوزير الدفاع فى ذلك الوقت، ولكنه تروى أملاً فى توفر فرصة تجنب مصر هذا الوضع، ولكنه تروى لمعرفته أولا بخطورة الخطوة، وثانياً ربما لأن هناك تجربة سابقة للقوات المسلحة حينما انضمت إلى مطالب الشعب المشروعة فى يناير 2011، وفوجئت بعد ذلك بمن يوجهون إليها الاتهامات، بل والإهانات، وتعالى ذلك الهتاف البغيض الذى ينبئ بكراهية القوات المسلحة بينما حاول البعض الاحتفاظ بمكنون الهتاف وهو يخفف من وقعه. وسمة الانتخابات القادمة أنها تؤسس للعلاقة بين القوات المسلحة والشعب، وفصل فيما بين الاستجابة لحركة الشعب فى مواجهة الأخطار، أو الانعزال للعمل فيما يخص القوات نفسها وفقط . فلا شك أن نتيجة الانتخابات القادمة تجيب عن سؤال عما إذا كان على القوات المسلحة أن تستجيب لمطالب الشعب، أم أنها تظل تتفرج، أو تطيع الأوامر وبغض النظر عن أثرها على الشعب. هذا سيفصل بين عهد «الجنود» المدافعين عن الوطن، وعهد الخفر «العسكر» الذين يتولون حراسته ويتقاضون مقابل حراستهم.

السمة الثانية تتعلق بدور القوات المسلحة فى مكافحة الإرهاب وبخاصة بعد ظهور نتيجة الانتخاب، فرغم أن كلا المرشحين يعلنان أنهما يحاربان الإرهاب ويرفضان الجماعات الإرهابية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين هكذا فإن السيد حمدين صباحى يتحدث عن الإفراج عن سجناء الرأى ولا يفسر من هم هؤلاء، وهو أمر يثير الشكوك، خاصة أن كل السجناء صدرت أحكام قضائية ضدهم، هل يقصد سيادته من صدرت ضدهم أحكام على جريمة السب والقذف ويعتبره جريمة رأى؟ وماذا عن جرائم قيادات الإخوان وهل هى جرائم رأى بالمولوتوف والرصاص والحجارة؟ وماذا عن الأحكام ضد جماعات الإخوان وهل سيعفو عنها؟

الأخطر أنه إذا افترضنا نجاح المرشح حمدين صباحى فإن هذا سيعتبر نجاحا للإخوان المسلمين وللجماعات الإرهابية سواء المرتبطة بها أو غير المرتبطة، حيث يعنى هذا فشل من ساند الشعب ضدهم وأن الشعب قد تخلى عن تأييده، ويكون لذلك أثره الضخم فى دور القوات المسلحة، بل وعلى جميع أوجه النشاط، حيث ستنطلق الجماعات الإرهابية للانتقام ممن تعتبرهم أعداءها الذين فشلوا فى الحصول على ثقة الشعب، بينما ينكمش دور القوات المسلحة فى حماية الشعب، وتسيل الدماء أنهاراً وعلى الهوية أو على غيرها، خاصة أن الباقين ليست لهم تجارب سابقة للإرهاب.

كما نرى فإن الانتخابات تسير إلى مسارات مختلفة عما نفكر فيه فى أى انتخابات، فالقارئ الكريم قد يذكر ما سبق أن رأيته لكى أعطى المرشح صوتى من برنامج وطاقم ينفذه، ولكننى أرى أن هذه المرة نحن أمام اختيار بين الإرهاب، والإنتاج، وبين الجنود والخفر، وبين العمل الجاد من أجل مصر، والحديث عن الشعارات، وبين المطالب الفئوية، والصبر حتى تتقدم مصر.. هكذا علينا الاختيار بين العناصر الأساسية وأن نتابع الباقى ما بعد الانتخابات.

■ خبير سياسى واستراتيجى