رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وزير الأوقاف خطيبًا.. نقل شعائر صلاة الجمعة من الدقهلية

وزير الأوقاف
وزير الأوقاف

يؤدي الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، خطبة صلاة الجمعة من مسجد "عزبة 9" مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية.

ويتلو قرآن الجمعة القارئ الشيخ محمود علي شميس، وتدور خطبة صلاة الجمعة تحت عنوان «دور مصر في بناء الحضارة الإنسانية».

وجاء نص الخطبة كالآتي: «الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ}، وأَشهدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأََشهدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّدًا عَبدُه ورسوله، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وصحبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ، وبعد: فإن وطننا الحبيب مصر مهد الحضارات، وموطن الرسالات، والقلب النابض للعروبة والإسلام، وهو البلد الذي اقترن ذكره في القرآن الكريم بالأمن والأمان، حيث يقول الحق سبحانه على لسان سيدنا يوسف عليه السلام: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}، ولله در القائل: 
        مَن شاهد الأرضَ وأقطارَهـا       ***   والنـَّــاسَ أنواعًــــا وأجناســـا
       ولا رأى مصـــــرَ ولا أهلَهــــــا        ***   فمـــا رأى الدنيــا ولا النَّاســا

ووطننا مصر بلد الخيرات والبركات، فقد وصفها الحق سبحانه على لسان سيدنا يوسف (عليه السلام) بخزائن الأرض، {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}، وعلى أرض سيناء المباركة كلَّم الله تعالى موسى تكليمًا، ومنها تزوج أبو الأنبياء إبراهيم (عليه السلام) أمَّنا هاجر (عليها السلام) أم سيدنا إسماعيل (عليه السلام) جد نبينا (عليه الصلاة والسلام).

وأوصى نبينا (صلى الله عليه وسلم) بمصر وأهلها خيرًا، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّكُمْ سَتَفْتَحونَ مِصْرَ وَهِيَ أرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا القِيراطُ، فَاسْتَوْصُوا بأهْلِهَا خَيْرًا؛ فَإنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا).
ومصرُ أُمُّ الحضارات الإنسانية، فقد تلاقت على أرضها حضارات عديدة عبر العصور، الفرعونية والإغريقية والرومانية والقبطية والإسلامية صقلت شعبها بمزيج خاص هو الحضارة المصرية العظيمة السمحة، وظل شعب مصر على طول التاريخ متسمًا بالحب، متصفًا بالود والكرم والتسامح، حيث امتزج أبناء مصر في نسيج واحد متين على مر التاريخ واختلاف الثقافات، وبنت مصر حضارتها على القيم والأخلاق؛ مدركةً أن الحضارة التي تُبنى على غير القيم والأخلاق والتسامح تحمل عوامل سقوطها في أصل بنائها وأسس قيامها.

وقد أسست مصر لحضارة عظيمة أفادت الإنسانية في شتى العلوم والفنون، حيث كان للمصريين إسهامات عظيمة في مجالات العلوم والمعرفة عبر التاريخ، وبرعوا في مجالات الطب، والهندسة، والفلك، والتحنيط، والزراعة، والبناء، ولا يزال المصريون عبر العصور صُنَّاعًا للحضارة، وها هي الأهرامات إحدى عجائب الدنيا السبع تقف شاهدًا شامخًا من شواهد حضارتها العظيمة.

كما أن مصر أَثْرَت الحضارة الإنسانية بالعلم والمعرفة منذ فجر الإنسانية، وقد كان نبي الله إدريس (عليه السلام) مصريًّا، قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) عنه: (أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بِالقَلَمِ)، وقال المناوي (رحمه الله) في "فيض القدير": كان (عليه السلام) أول من كتب ونظر في علم الحساب، وقال: هو أول من خاط الثياب ولبسها، ولا يقف الأمر عند سيدنا إدريس (عليه السلام)، فقد برع الكثير من أبناء مصر في العديد من المجالات قديمًا وحديثًا.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وعلى آله وصحبه أجمعين.

إن المتأمل في التاريخ الإنساني يدرك أن مصر كانت ملاذًا للعالم في الأخطار والمجاعات، فقد وضع نبي الله يوسف (عليه السلام) خطة للإنقاذ من مجاعة أحاطت بالعديد من دول الجوار آنذاك، وازن فيها بين العمل الدءوب، والإنتاج المتقن، والاستهلاك الرشيد، والادِّخار المحكم، فتحقق للبلاد الرخاء والازدهار والقوة الحضارية والاقتصادية، ووفد الناس إلى مصر من كل فج عميق لينالوا من خيراتها.

وقد حكى القرآن الكريم تلك القصة على لسان سيدنا يوسف (عليه السلام) تأويلًا لرؤيا عزيز مصر في قوله تعالى: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}، فإليها كان يلجأ الخائف والمستجير، كما كانت بمرِّ تاريخها العظيم حائط صد كبيرا للأخطار والأعداء المتربصين بها أو بأمنها أو بجوارها أو منطقتها.

وكما كانت مصر عبر تاريخها الطويل ذات أثر بالغ في الحضارة الإنسانية، فها هي مصر الحاضر في الجمهورية الجديدة تبهر العالم كله بطاقة مشعة، وقوة دافعة، وإرادة قيادة، وعزيمة شعب، وجهود جبارة في البناء والتعمير، في مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف، وفي مواجهة آثار التغيرات المناخية، حيث استطاعت أن تجمع كبار قادة العالم على أرضها للعمل على وضع حلول جذرية لمواجهة آثاره الخطيرة، لتبعث من أرض السلام دعوة للعالم كله "تعالوا لنعمل معًا لصالح الإنسانية جمعاء في إطار وحدة المصير الإنساني المشترك في هذا الكون".
فاللهم احفظ بلادنا مصر وسائر بلاد العالمين.