رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عن معاناة أدب الخيال العلمي.. روائيون: «ضمير العلم الإنساني في العقود الأخيرة»

خيال علمي
خيال علمي

يعاني أدب الخيال العلمي في مصر منذ نشأته، لأسباب عديدة، ففي الغرب بدأت سينما الخيال العلمي مع بدايات السينما نفسها وكان أول فيلم - بحسب المصادر- فيلم المخرج جورج ميلي "رحلة للقمر" عام 1902، ومن هنا ومع تأثير السينما فإن قابلية ابناء الغرب للتصديق كبيرة جدا وبالتالي شق هذا الأدب طريقه بقوة.

وراح أدب الخيال العلمي يتطور إلى شخصيات وعوالم، حيث خرجت الكتب المصورة التي تحكي عن فكرة البطل والمخلص وعن البطل الاأريكي الذي يواجه الأشرار والغزاة، والعديد من الشخصيات التي جعلت هذا الادب في الصف الأول، خاصة بعد العديد من الحوادث التي جعلت الجميع يتشككون في كونه خيالًا من الأساس مثل حادث روزويل الشهير وغيرها.

وكانت هذه الحوادث سببا في زيادة الإقبال على قراءة أدب الخيال العلمي، أما في مصر والعالم العربي فقد تحركت هذه النوعية من الادب بشكل بطئ، خاصة بعد أن توفرت أجناس أخرى أدبية من الرواية نفسها مثل الواقعية لسحرية والفانتازيا، ومع كل هذه العناصر اختلط الأمر على بعض الادباء في التصنيف نفسه، فالفروق بين الخيال العلمي والواقعية السحرية والفناتازيا ضئيل جدا، وبالتالي أصبحت كتابة رواية الخيال لعلمي شحيحة وصعبة في آن واحد.

وفي هذا السياق، التقت "الدستور" بعددٍ من المهتمين بهذا الشأن ويكتبون في الخيال العلمي والفانتازيا لمحاولة الوقوف على أزمات الخيال العلمي وازالة الالتباس بينهما..

أحمد الصادق: تخوف السينما المصرية من الخيال العلمي له تأثيره

أحمد الصادق

يقول الروائي أحمد الصادق، الفائز بجائزة الدولة التشجيعية عن روايته "هيدرا.. أوديسا الفناء والخلود": "الخيال العلمي نوع أدبي يتأثر بالمحيط الثقافي، شأنه كأي نوع أدبي آخر؛ ففي مصر تجلى أدب الرعب وأصبح ظاهرة بدأت بسلسلة "ما وراء الطبيعة" للدكتور أحمد خالد توفيق، ووصل التأثير مداه بعد صدور رواية "الفيل الأزرق" للكاتب أحمد مراد، فأصبحت كتابة أدب الرعب موضة بين الكتاب، ولذلك اتخذ منحنى يسعى إلى "البوب آرت" بينما يتجاهل أدب النوع الرفيع الذي نشأ على يد إدجار ألان بو، وتطور بقلم ستيفن كينج.

ويضيف:" لو كانت، مثلًا، سلسلة "ملف المستقبل" للدكتور نبيل فاروق، أخذت صيت "ما وراء الطبيعة"، وأصبح فاروق هو العراب بدلًا من توفيق، وباتت "الفيل الأزرق" رواية خيال علمي.. لكنا نشهد اليوم في مصر تجليًا أدبيًا لهذا النوع، وقبل كل هؤلاء كان هناك الكاتب نهاد شريف، الذي كرس حياته من أجل أدب الخيال العلمي، ولكنه لم يأخذ صيتًا ككتاب الأدب الواقعي في زمنه، وعدم ظهور كُتاب خيال علمي لهم تأثير سبب رئيسي في عدم انتشار هذا النوع بين الكتاب في مصر.

ويواصل:" كذلك تخوف السينما المصرية من خوض تجارب الخيال العلمي، رغم أنه نوع لا يشترط إمكانيات إنتاجية فائقة، فتيمة مثل "آلة الزمن" بشكل عام من أسهل التيمات التي يمكن استغلالها، ولكنا نعتمد على الأفلام الغربية في التلقي.

 ويكمل:" لا أعلم لماذا لا نرى أنفسنا جديرين بإنتاج أمثالها؟ ولو فعلنا فلماذا ينبغي أن يكون فيلمًا هزليًا؟ أو رواية تختلط فيها الفانتازيا بالخيال العلمي، أو فانتازيا خالصة وتُصَنَّف كأدب خيال علمي، وهذه ظاهرة غريبة لا أعلم إن كانت تنبع من عدم إدراك للفرق بين النوعين، أم تقرب من نوع يصعب سبر أغواره؛ فكتابة فكرة رواية خيال علمي تحدٍ كبير، وإمكانية خلق فكرة جديدة في هذا الحقل محدودة جدًا، أما الفانتازيا، فعالم لا ينتهي من الأفكار الجديدة.

ويتابع:" اعتماد تلقي الخيال العلمي على الأفلام الغربية أحد الأسباب الأولية لتفكير الكاتب في منح شخصياته الروائية أسماء أجنبية، ولكن الكاتب لا ينبغي أن يفكر هكذا، إلا إن كانت روايته تناقش مسألة عالمية كونية، وبالتالي فمن المنطقي أن نجد شخصيات من جميع أنحاء العالم. 

ويختتم:" أخيرًا، العقلية العربية بشكل عام لا تتخيل أن التكنولوجيا وتطورها في المستقبل سيكون في مكان ما في مصر، وهذه رؤية واقعية للأسف، وإن اشتعل لدى الكاتب حس وطني فاختار شخصية مصرية، ففي الأغلب ستسير الأحداث في مكان ما من العالم حيث يمكننا استساغة أن كل هذه الخيالات العلمية تحدث فيه.

أحمد فريد: استخدام الأسماء الاجنبية في الروايات العربية يرجع لتقدم الغرب 

أحمد فريد

ويرى الدكتور أحمد فريد، الحائز على عدة جوائز في أدب الخيال العلمي والذي قدمه الدكتور محمد المخزنجي، أن تأخر المجال في مصر والوطن العربي يرجع إلى عدم الاهتمام بالعلم بالأساس، مُشيرًا إلى أن بعض أفكار الخيال العلمي تحتاج إلى مرجعية علمية لدي الكاتب والقارئ.. فلدينا في مصر أزمة قراءة وهي تتفاقم للأسف (وهو اتجاه عالمي) بعد انتشار سبل التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي وسهولة وصول المعلومات في صورة مرئية (العلم بالملعقة).

وتابع : “الشبه الأساسي بين الخيال العلمي والفانتازيا هو الفكرة الخيالية. بينما الاختلاف في عدم استناد الفانتازيا لفكرة علمية وعدم اعتمادها على أرضية علمية.. ولذلك يقع الخلط بين ما هو خيال علمي وخيال (لا علمي)”..

ويضيف:" كثرة استخدام الأسماء الغربية في قصص الخيال العربية يرجع للرصيد الكبير للغرب في تطور أدب الخيال العلمي وتأثر أغلب الكتاب العرب بهم.. ولكنني لا أرى مشكلة في ذلك فالخيال العلمي أدب عالمي بالأساس هدفه هو طرح رؤية الكاتب للإنسان والعالم في ظل التطور التقني المخيف .. 

واختتم:" أنا أرى أن الخيال العلمي في العقود الأخيرة هو ضمير العلم الإنساني ولابد أن يستمر في دق ناقوس الخطر وعرض أثر التطور العلمي في تغيير المجتمعات وتشويهها.

ياسين أحمد سعيد: الخيال العلمي والفانتازيا ينطلقان من أرضية واحدة

ياسين أحمد سعيد

وبدوره، يرى ياسين أحمد سعيد، كاتب خيال علمي، أنه لون أدبي قابل للازدهار أكثر في الدول المتقدمة، إذ يصعب أن يندمج قارئ مع أحداث رواية تتنبأ بأخطار خروج الذكاء الصناعي عن السيطرة، بينما هو أصلًا يعيش في دولة تعاني من تأخر بطء سرعة النت لهذه الدرجة، مما يرجح هذه النظرية أن الخيال العلمي المعاصر ظهر إلى الوجود بقوة إبان الثورة الصناعية في الغرب، ومع ذلك.. أنا مؤمن بأن هناك ألوان وثيمات من الخيال العلمي قابلة لأن تثير اهتمام أي قارئ في أي مكان، لو أن المؤلف فقط اجتهد بالدرجة الكافية، ووضع هذا الهدف في اعتباره.

وعن الخلط بين الفانتازيا والخيال العلمي يقول"سعيد": "لأن كلاهما في النهاية ينطلقان من أرضية واحدة، فكلاهما يعتمد على بناء واقع موازي تحكمه قوانين تختلف عن التي تسود عالمنا، ومع ذلك تظل الفروق بينهما واضحة، فإذا كان بطل الرواية يستطيع الطيران بسبب تعويذة سحرية، فهذا يعني أننا أمام رواية فانتازية، أما لو كان يفعل ذلك بواسطة أحذية مضادة للجاذبية، فهي إذن رواية خيال علمي.

وعن استخدام الأسماء الغربية في الروايات العربية يقول:" لنلاحظ أننا نتحدث غالبًا عن مؤلف يحب الخيال العلمي منذ الصغر، فنشأ على حب الروايات والأفلام التي تنتمي إلى هذا اللون الأدبي، وبالطبع معظمها أجنبي المصدر باستثناء روايات الجيب ومؤلفين قلائل آخرين، فمن الطبيعي أنه عندما يفكر في بناء عالمه الخاص، فإن أول ما سيخطر في باله من أسماء وملامح، ستكون مستقاة من الأعمال التي نشأ عليها.

الأمر يشبه طالب مصري التحق بتعليم لغات، ستجد أنه من الطبيعي عندما يكبر ويريد حل عملية حسابية، سيفكر في الأرقام ويتذكرها بالإنجليزية وليس العربية.

ويكمل:" لو سألت أي قارئ عادي، سيخبرك أنه لا يوجد خيال علمي في مصر باستثناء روايات الجيب الذين تربينا على أعمالهم، بالإضافة إلى بعض المؤلفين هنا وهناك، أما لو توجهت بالحديث للقراء المتخصصين أو الذواقة، سيقولون أن الخيال العلمي يعاني من الندرة بالفعل، لكن هناك بالفعل تجارب فردية مدهشة هنا وهناك، لكنها للأسف ستظل فردية طالما لا يوجد جائزة متخصصة مثلًا، أو اهتمام حكومي، أو جهات داعمة توفر ميزانيات كافية.

ويضيف:" قد لا يعلم الكثيرون أن هناك مجلة خيال علمي متخصصة يصدرها شباب بإمكانيات ذاتية 100%، تحمل اسم (علم وخيال)، تجاوزت الثلاثين عددًا، بالإضافة لمجهود متواضع في مجلتنا (ومضات) وموقع (لأبعد مدى) الإلكتروني، كما يوجد مؤلفين متخصصين أخلصوا للمجال، مثل ياسر أبو الحسب وأحمد فريد وإبراهيم السعيد وإبراهيم المغاوري وهبة الله محمد، لكن للأسف يندر أن تجد أحد يتحدث عنهم أو أن تتبنى مشروعاتهم أحد دور النشر الكبرى.

ويختتم:" المسألة تتعلق بأن مجال النشر يسير بطريقة (الموضة)، فإذا صادف النجاح أحد أعمال الرعب، تجد عشرات دور النشر تتحمس للرعب، أما إذا صار الموضة هي (الأدب الساخر)، تنحسر أعمال الرعب ويحل بدلًا منها الكتب الساخر التي تعتمد على العامية.

محمد الدواخلي: مابين الفانتازيا والخيال العلمي منطقة رمادية واسعة 

الدواخلي

وللوقوف على علاقة الفانتازيا بأدب الخيال العلمي والتفرقة بينهما يقول الدكتور محمد الدواخلي:" نسبيا أدب الخيال العلمي ليس متأخرا، هناك حركة تتابع الادب والنقد العالمي متقدمة عن ألوان اخرى من الخيال. مقارنة بما ينقل أو يكتب في النقد الجدي للرعب مثلا 

وعن الخلط بينهما يقول:" هناك مناطق رمادية واسعة بين اللونين الادبيين. فمثلا سوبرمان هل قدراته التي تتحدى الفزياء تنتمي للفانتازيا أم لأنه ابن حضارة فضائية فهو خيال علمي؟، لا ينفي هذا الخلط خارج المنطقة الرمادية، قابلت قراء في المعرض يبحثون عن  خيال علمي: سحر مثل هاري بوتر. ايضا ظهر استخدام  لعلوم زائفة وخرافات  كخلفية لاعمال ادبية تتناول الارض المسطحة والارض الجوفاء وتقدم نفسها على أنها خيال علمي يستند لحقائق يتم اخفائها!

ويكمل:"هذا يفتح جدلًا قديمًا عن قصدية الكاتب والقارئ. هل يمكن تكذيب كاتب يصنف نصه؟ هل الراوي العربي القديم حينما تحدث في كتاب العظمة عن عوالم الارضين السبع كان خيالا علميا قائما على حقائق يصدقها أم هو فانتازيا خالصة لأننا اليوم نعرف أنه غير حقيقي؟ هل ١٩٨٤ رواية خيال علمي تنبؤي لانها استشرفت مستقبل للمؤلف ام هي تاريخ بديل تتناول زمنا مضى الآن؟

وعن الأسماء يقول:"  الاستعانة بأسماء غربية لها اسباب بعضها وجيه، النظريات العلمية أغلبها بمسميات انجليزية ثم لاتينية. العلماء المعروفين لجمهور القراء اجانب. الاعمال المرجعية الشهيرة لقراء الخيال العلمي ابطالها من الثقافة الغربية. يحدث هذا لدى الكاتب نوع من الغربة، اعتقاد ان المسميات العربية لن يصدقها القارئ، لكن اعمال رؤوف وصفي تضمنت تعريبا لاعمال أجنبية هامة باسلوب واسماء عربية وتلقت قبولا عاليا لدى القراء. من الجيل الحالي اجد د. احمد فريد يوازن في استخدام المسميات والمصطلحات بدون الحاجة للتغريب المبالغ فيه، طبعا لا اقصد ظاهرة اطلاق اسماء غريبة غير مفهومة على الروايات.  من يختار اسماء اجنبية لحالات او أمراض  اسماؤها العربية مشهورة، او الفاظ مخترعة تماما بلا معنى ولكن ذات بناء لاتيني. قرات ذات مرة رواية لم يذكر الاسم العجيب الذي سميت به في كامل النص هذا فقر في القدرة على الابتكار اللفظي. 

وعن رؤيته لأدب الخيال العلمي يقول:" الوضع الحالي يشهد ازدهارً في الكيف (اهتمام مؤسسات وجوائز وكتابة جادة) وانحسار في الكم، فليس هناك النجم الذي يجذب الشباب لمغامرات علمية. نحتاج للنمو في كلا الجانبين لكن اظل متفائلا.

محمد صلاح زيد:" مستقبل الخيال العلمي سيكون افضل

محمد صلاح زيد

وفي الأخير، يعقب الناقد والاكاديمي محمد صلاح زيد:" الخيال العلمي هو جنس أدبي يتناول ما يمكن أن يحدث مستقبلًا، عن طريق تطور النظريات العلمية عبر الزمن، وهنا نعي أن العلم معادل موضوعي وأساسي في الأمر، والفكرة كلها تدور حول تطوره مستقبلًا، أما الفانتازيا فهي ذلك الجنس الأدبي الذي يناقش مفردات الحياة والأحياء بطريقة غرائبية وعجائبية غير قابلة للتحقق، ولا تستند إلى العلم والمنطق، وإنما تستند للميتافيزيقا والماورائيات، فهي تخضع لقوانين فيزيائية مغايرة لعالمنا ومناقضة لواقعنا، فهي تحوي بداخلها الأساطير والملاحم القديمة، والميثولوجيا، ولا تعترف بقوانين العلم، وتناقض أهم قوانين الحياة على الأرض وهو قانون الموت.

ويواصل:" أما عن الفارق بينهما، فهو جلي، حيث الخيال العلمي يعتمد على التطور المنطقي والطبيعي للفرضيات والنظريات العلمية قابلة التحقق استنادًا إلى جهود وتجارب علمية متحققة سابقًا، بينما الفانتازيا قد تعتمد على الميتافيزيقا والماورائيات والأشياء الخارقة غير القابلة للتحقق بوصفها عنصرًا أساسيًا للحبكة الدرامية بها.

ويكثر استخدام المصطلحات والكلمات الأجنبية في هذه الأنواع الأدبية؛ لشيوعها لدى الغرب بشكل أكبر في العصر الحديث، حيث تطورت وشاعت لديهم في النصف الثاني من القرن العشرين في الأدب والسينما.

ويختتم:" أما أدب الخيال العلمي فهو أدب متطور بالفعل، ويعتمد في كتابته على معطيات النظرية العلمية وتطورها، ويسعى كتابه إلى سباق الزمن، فهو الآن بات الجنس الأدبي المتطور ذات المقروئية الكبيرة خاصة في أوساط الشباب، كما تسعى السينما العالمية إلى إنتاجه بغزارة وتقديمه إلى محبيه، ومستقبله سيكون أفضل من حاضره بفعل التطور العلمي، وثورة المعلومات الحاصلة في العالم، والتي تشجع على هذا النوع من الأدب الروائي والقصصي المستند إلى الخيال العلمي.