رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحرب الإعلامية الأمريكية على الصين: فوبيا الإسلام الصينى بين الواقع والخيال!

إن استمرار الحرب الإعلامية الأمريكية على الصين من خلال الآلة الإعلامية الأمريكية من شأنه الحرص الدائم على تصوير جانب من جوانب الحقيقة في الوقت الذي تتجاهل فيه الجانب الآخر الذي من الحري به أن يعمل على إيضاح الصورة وتقديمها بشكل جلي، وهذا الشكل من أشكال التغطية الإعلامية غير الأمينة، أو الموجهة من أجل غرض ما، معروف في العمل الإعلامي في حال إذا ما كان الإعلام موجها، أو غير موضوعي مُفتقدا للأمانة والدقة.

إذا ما كنا قد اتفقنا- فيما قبل- على أن الصين بتقدمها التكنولوجي، والاقتصادي، والعسكري اللافت في السنوات الأخيرة قد باتت تُشكل خطرا لا يمكن تجاهله على الولايات المُتحدة الأمريكية، وإذا ما كان قد بات مفهوما بشكل يقيني أن الولايات المُتحدة لا يمكن لها أن تدخل حربا مُباشرة مع الصين- فالحروب المُباشرة قد باتت شديدة الاستنزاف للجميع، فضلا عن كونها كلاسيكية- فالسبيل الوحيد أمام الولايات المُتحدة من أجل تعطيل الصين أو محاولة تقويض تقدمها هو الحرب الإلكترونية، فضلا عن الحرب الإعلامية، ولعل الحروب الإعلامية لها من التأثير ما من شأنه تقويض أي دولة أيا كانت من خلال المعلومات والصور المغلوطة- استخدام الصور للإيحاء بغير الحقيقة.

لكن، لِمَ تركز الولايات المُتحدة من خلال إعلامها واستخباراتها على مسألة الاضطهاد الديني لمُسلمي الإيجور في منطقة شينجيانغ الإيجورية ذاتية الحُكم؟

إن حديث الولايات المُتحدة عن اضطهاد الصين لمُسلمي الإيجور من شأنه إثارة العصبيات الدينية في منطقة الشرق الأوسط، وبما أن الصين لها الكثير من المصالح السياسية والاقتصادية والعلاقات الدبلوماسية مع هذه المنطقة ذات الأغلبية المُسلمة، فالحديث عن اضطهاد للمُسلمين في الصين لا بد أن يؤدي بالضرورة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين هذه الدول المُسلمة وبين الصين، أو عدم استقرار هذه العلاقات على كافة النواحي الاقتصادية، والسياسية، والدبلوماسية، أي أن الإعلام الأمريكي هنا سيؤدي إلى الكثير من الخسارة للنظام الصيني بسبب افتراءاته التي يعمل على تكريسها في العالم باسم حقوق الإنسان.

لكن، كيف تتم هذه الحرب غير العادلة؟ 

تعتمد الولايات المُتحدة في حربها على ما يُسمى بالتقارير الانتقائية، وهي تقارير تعمل على تغطية ما يُسمى بالنتائج فقط من دون تغطية سبب أو ظروف الحادث. وقد قال "كوربان جيانغ"- أحد سُكان المنطقة- لجريدة "غلوبال تايمز الصينية": إن وسائل الإعلام الغربية نادرًا ما تذكر ظروف سياسات إدارة الصين لشينجيانغ، وبالتحديد حقيقة أن شينجيانغ تعاني من التطرف مُنذ سنوات.. "في هوتيان، كان على جميع النساء من حولي ارتداء الحجاب والبرقع المنغولي حيث نشأت هناك، وكانت هناك ضغوط مفروضة على النساء اللاتي يرغبن في الحصول على التعليم من قبل المُتطرفين. وبما أن أمي وأختي هما الوحيدتان في المنطقة اللتان لا تريدان قبول هذه الضغوط فقد تعرضت أسرتي للعزل عن المُجتمع المحلي بأسره لمُدة 20 عامًا، لكن وسائل الإعلام الغربية لن تخبركم بكل ذلك أبدًا".

إن ما سبق قوله من قبل أحد سُكان شينجيانغ في الفقرة الماضية يؤكد لنا الوضع في منطقة مُسلمي الإيجور، حيث يسود التطرف والعنف هناك حتى على السُكان المحليين الذين لا يرغبون في الانصياع لهؤلاء المُسلمين ذوي النزعة الانفصالية عن الصين!

على سبيل المثال، كثيرًا ما تولي وسائل الإعلام الغربية اهتمامًا للحفاظ على ثقافة الإيجور في شينجيانغ، إلا أنها نادرًا ما تذكر في تقاريرها الظروف التاريخية والواقعية للتعايش بين مُختلف المجموعات العرقية والثقافات في شينجيانغ. وفي هذه الاختيارات أحادية الجانب، كثيرًا ما تُصور التأثيرات الطبيعية والتغيرات والتفاعلات بين الثقافات المُختلفة على أنها "ثقافة تتعرض للعدوان أو التدمير".

كما تكررت هذه التغطية الانتقائية في استخدام الصور، حيث تحرص وسائل الإعلام مثل هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، و"سي إن إن"، وصحيفة "نيويورك تايمز"، وغيرها من وسائل الإعلام الغربية على التقاط صور لرجال الشرطة وسيارات الشرطة في شوارع شينجيانغ، في محاولة منها لسرد قصة "القمع والرقابة الصارمة"، لكنهم أغفلوا أن هذه هي الإجراءات الأمنية المُتخذة في شينجيانغ، والتي تم اتخاذها بعد الهجمات الإرهابية العنيفة المُتكررة. كما أن هذه التدابير هي التي أبقت الأوضاع هادئة في السنوات الأخيرة في هذه المنطقة، فهم يحبون تصوير المُشاة الذين يسيرون في الشوارع وقد أخفضوا رءوسهم كوسيلة لخلق جو من الكآبة، ولكن صور شوارع وساحات شينجيانغ المليئة بالناس الذين تظهر عليهم ملامح الراحة حيث يعيشون حياة طبيعية، لا يروق لوسائل الإعلام الغربية أن تدخل في عدسات كاميراتهم!

إنهم يحاولون بناء تخيلات ببضع كلمات مُعدة بعناية وبضع صور للشرطة أو المُسلمين. قال إياركن، أحد شهود العيان لصحيفة «غلوبال تايمز» الصينية: "إنها الطريقة الشائعة التي تستخدمها وسائل الإعلام الغربية في تغطية أخبار شينجيانغ"، وفي الواقع، لقد استخدمت وسائل الإعلام الأمريكية هذا النمط دائما للتغطية الإخبارية من قبل، على سبيل المثال كانت تغطي حوادث منطقة التبت قبل عقد من الزمان: ففي أثناء اندلاع حادث العنف الشديد من الضرب والنهب والكسر والحرق في لاسا في شهر مارس عام 2008م، نشرت شبكة "سي إن إن" صوراً لسيارات عسكرية تتحرك في الشوارع وراء أشخاص يركضون. لكن عثر زائرو الإنترنت على الصورة الأصلية ووجدوا على الجانب الأيمن من الصورة أشخاصاً كانوا متورطين في الضرب والتحطيم والنهب وإلقاء الحجارة على السيارات العسكرية، وكانت الحجارة المُتطايرة في الهواء واضحة للعيان. فعلى ما يبدو أن "سي إن إن" قد عالجت الصور "بطريقة مُبتكرة".

إن هذا الأسلوب في الحرب الإعلامية غير العادلة ضد الصين من شأنه تشويه صورة السياسات الصينية باتجاه أبنائها من المواطنين، ورغم أن الصين تعترف بالإيجور باعتبارهم من الأقليات الموجودة على أرضها، وهو ما يُدلل بقوة على أنها لا يمكن لها اضطهادهم، وإلا ما اعترفت بوجودهم كأقليات صينية إلا أن الإعلام الغربي مُنكب على تصوير عكس هذه الحقيقة، ولعل شهادة "ناثان"- أحد أبناء منطقة شينجيانغ- هى ما تؤكد لنا ذلك.. من وجهة نظر ناثان، فإن ذلك محاولة مُتعمدة لتجاهل الحقائق والكيل بمعايير مزدوجة وصرح ناثان لصحيفة "غلوبال تايمز" بالقول: «إنه حتى أولئك الذين لم يذهبوا أبدًا إلى شينجيانغ يمكنهم رؤية الكثيرين من المُسلمين فى المُدن الداخلية مثل بكين وشيآن، لم يُعانِ أي واحد منهم هذه المُعاناة»، وأضاف أن حُكم الصين فى شينجيانغ "لا يتعلق بكراهية المُسلمين، وإنما يتعلق بكراهية الإرهاب"، كما أن "الولايات المُتحدة نفسها قد بدأت الحرب العالمية ضد الإرهاب وقادتها في هذه السنوات بالتحديد".

من السمات البارزة الأخرى في تقارير الإعلام الغربية عن شئون شينجيانغ هيمنة الخطاب المُطلق، أي أنها هي وحدها التي تقف على قمة ما يسمى "بحقوق الإنسان"، ولا تسمح لأي صوت بالتشكيك فيها أو انتقادها. صرحت العديد من المصادر الأجنبية لأحد المُراسلين في مُقابلة أجرتها صحيفة "غلوبال تايمز" بأنها تخشى الإدلاء بأي تعليقات إيجابية حول حُكم الصين فى شينجيانغ بأسمائها الحقيقية، لأن هذا من شأنه أن يثير الشكوك فيها والهجوم عليها.

كما صرح "إياركن" لصحيفة "غلوبال تايمز" بأنه حاول عدة مرات مُناقشة قضية شينجيانغ مع بعض الصحفيين الغربيين، لكن هذه المحاولات كلها باءت بالفشل لأن الإجابات كانت دائمًا واحدة. «سألت ذات مرة صحفيًا غربيًا زعم أن الصين تقتل الإيجور في مُعسكرات الاعتقال إذا ما كان لديه أي دليل على ذلك. فكان رده وحجته: إن الصين تفعل ذلك سرًا، وبالتالي لا يمكن إثبات ذلك، لكن هذا ما سمعته من الأخبار المُتناقلة، ماذا يمكنني أن أقول عن هذه الحجة غير المنطقية تمامًا؟!».

يعتقد "إياركن" أن الغرب كان يستخدم دومًا عبارة "الصين دولة مُغلقة" للرد على أي تشكيك خارجي في أن تقاريره عن شينجيانغ لا تتفق مع أخلاقيات مهنة الصحافة وموضوعيتها. إن هدفهم هو محاولة استغلال هذه الادعاءات وخلق حالة لا يمكن التشكيك فيها وينبغي التصديق بها، وطبقًا لتحليل "إياركن" فإنه يقول: "هذا يجعلني أكثر اقتناعًا بأنهم في تقاريرهم لا يهتمون حقًا بالمُسلمين الذين يعيشون في الصين، بل هم جزء من الهجمات الغربية على سياسة الصين".

في بعض الأحيان، تتجاوز هذه الهيمنة مستوى التقارير إلى الهجوم على الشخص نفسه. فقد تم مُطاردة "كوربان جيانغ" وتهديد سلامته الشخصية أثناء التصوير في الخارج. يقول كوربان: "في إحدى المرات في الولايات المُتحدة، وعندما انتهيت للتو من مُقابلة شخص ما في أحد المقاهي، اقترب مني ثلاثة أشخاص يشبهون التلاميذ وهم يحملون مضارب البيسبول وسألوني: "لماذا تخون قوميتك"، وصرح "كوربان جيانغ" لصحيفة "غلوبال تايمز": «إن العديد من طلبة الإيجور والصينيين الذين أعرفهم فى الولايات المُتحدة قد تعرضوا لسوء المُعاملة والتهديد على شبكة الإنترنت على أيدي عناصر من جماعة (تركستان الشرقية) في الولايات المُتحدة لمُجرد حضورهم حدثًا أو مُناسبة تقيمها السفارة الصينية».

ظهر "إياركن" في تركيا على "تويتر" وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي لفترة طويلة للتصدي للهجوم عليه وتشويه سُمعته، حيث تم اتهامه بأنه "جاسوس صيني"، ووصف بعض الناس أنشطة التغطية الإخبارية العادية له بأنها تجعله "على صلة بوكالات الاستخبارات الصينية"، ويقول أحدهم: إن الحكومة الصينية هي من أعطته اسمه، وترك الآخر رسالة تهديد له تنص على: "يوما ما سيتم إعدامك وقطع رأسك". وقال "إياركن": إنه لا يستطيع مُطاردة المجموعة التي ينتمي إليها من يهددونه، كما أن هذه الهجمات تزداد كلما قام بتعقب الأنشطة التي تقوم بها "تركستان الشرقية" في تركيا. وبطبيعة الحال، فإن وسائل الإعلام الغربية لن تقوم بتغطية هذه التهديدات.

ربما من خلال الوقائع سالفة الذكر ما يُدلل على أن الحرب الإعلامية الأمريكية على الصين حريصة كل الحرص على تغطية بعض الجوانب/ النتائج فقط من دون الاهتمام بالمُقدمات أو بالتفاصيل التي أدت إلى مثل هذه النتائج، وهو الأمر الذي سيبدو لمُتلقي هذه التقارير الإعلامية بأن الصين تمارس حربا شديدة العنف ضد مُسلمي الإيجور ممن يسكنون مُقاطعة شينجيانغ ذاتية الحُكم، ذات النزعة الانفصالية، رغم أن الحقيقة تؤكد لنا أن الصين تحاول الحفاظ على وحدة أراضيها، وترابها الوطني من التفتت والانفصال، وهو ما ترغبه الولايات المُتحدة وتشجعه من أجل إضعافها بمثل هذا التقسيم والنزعات الانفصالية المُتزايدة من قبل الإيجور.