رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحيل مقيم

يحتاج رافع للانتقال لمستشفى، تواصلت مع مستشفى الشرطة، ومن موبايله حصلت على رقم ابنه، مهما كانت الخلافات عميقة، فساعة الجد لن يكون لك سوى أهلك لحمك ودمك. 

أنتهز هذه الفرصة كى أجتمع أنا الآخر بأسرتى وأخبرهم بنيتى دعوتهم لعشاء كبير، الخميس القادم، وقبل هذا علىّ أن أجلس مع أروى، ولأعرف حقيقة ما سمعته من سلوى عن خلافات بينها وبين زوجها، وأنها تريد الانفصال عنه، ولم أصدق.. بهذه البساطة.

علىّ أن أجلس معها، أريد أن أعرف فيمَ تفكر وماذا تريد؟

كتبت لها على الواتس: 

- مساء الخير. 

- مساء الفل يا حبوب. 

- صحيح اللى أنا سمعته؟ 

- سمعت إيه؟

- يا بنت أبوك، جوزك فين؟ 

- عنده زيارة مع طنط.

- إنت بايتة لوحدك؟ 

- أيوه يا جدى.

- وصحيح اللى ماما قالته؟

- يعنى.

- وإيه السبب؟

- بدون سبب 

- لا يوجد شىء بدون سبب. 

- أبدًا، لا أرغب فى الاستمرار معه.

- هل بدر منه ما يهينك؟ 

- الموضوع خاص بى وأنا ظلمته. 

- ما الذى يحدث الكل يريد الانفصال، الطلاق، وهل أخبرت فادى؟

- لا. 

- وماذا ستفعلين؟ خطوتك التالية؟

- أفكر فى القيام بجولة فى إفريقيا لإنتاج أفلام تسجيلية.. أنا المنتج المنفذ، قد تستغرق الجولة ستة أشهر، سنة.

- لماذا لا تؤجلين القرار لحين عودتك؟ 

- أريد أن تكون الأمور واضحة.. لا أريد ثقلًا على كتفى. 

- هل هناك شخص آخر فى حياتك؟ 

- نعم، ولا.

- يعنى إيه؟ لا تتصرفى، أو تخبرى أحدًا بشىء قبل أن أجلس معك. 

بطريقة غير واعية كنت أدعم زواج أروى من فادى، أروى من نبهتنى للشبه الكبير بين جدتها نجاة وفيوليت والدة مدام يولند، لم أعر الأمر اهتمامًا كبيرًا فى الظاهر، لكن شيئًا ما كان يذكرنى بها، أردت التحقق. 

عدت لمذكرات نجاة التى كانت تكتبها ولا تسمح لى بالاطلاع عليها وقد احترمت رغبتها فى حياتها.

- أنت تكتبين قصصًا؟ 

- الفيض قليل.

أغلقت «الأجندة»، وضمتها لصدرها. 

- هل هذه مذكرات؟

- لا مجرد خواطر، أحاسيس، أنا أكتب كى لا أنسى، كى أعرفنى. 

بعد وفاتها، فتحتها، بعدما قرأتها ازداد غموض زوجتى، غموض أبعد من السر الذى أخفيته عن والدتى وعائلتى، أبعد من الحكاية التى حكاها حماى مأمور مغاغة، عندما وجد نجاة فى إحدى قنوات الرى فاقدة للوعى، وعندما عاد لها وعيها كانت فاقدة للذاكرة، وفاقدة للنطق لفترة، فقام المأمور بتبنيها، وتقدمت لخطبتها، ولم تعرف والدتى وجدتى عن نجاة سوى ما أردتهما معرفته، خاصة بعد عودة مأمور مغاغة إلى قسم حلوان. 

عرفت من أروى أنهما سيحضران عيد ميلاد زميلها فادى، عرفت أن عيد الميلاد مقام فى النادى الأهلى.. ذهبت إلى النادى دون علمهما، أخبرت سلوى أن لدىّ موعدًا مع أحد العملاء ويمكن أن أوصلهما معى وأن أنتظرهما لحين انتهائهما من الحفل. رحبت سلوى وأروى بالفكرة. 

فى المساء دخلت حجرة أروى وسألتها عن الهدية التى اشترتها «لزميلها»، سألتها: - اسمه إيه زميلك؟ 

- فادى يا جدو. 

- اشتريتى له هدية إيه؟

- إنت قديم قوى يا جدو.       

- يا غلسة ماما اشترت إيه؟ 

- يا جدو بتدفع لمحل مبلغ والواحد يروح يشترى اللى هو عايزه، بقيمة الكارت أو تزود. 

- هو بيحب القراءة؟

- جدًا، ده دحيح، موس. 

- من أين تأتين بهذه الألفاظ، ماما تعرف إنك بتتكلمى كده؟!

- لا طبعًا خليك فرفوش يا جدو.

فكرت ماذا أشترى له، لم يكن هدفى الولد، التعرف على جدته هو غرضى، فاشتريت له مجموعة قصص العهد الجديد بالفرنسية. 

رأيت جدة فادى، رأيت نجاة تجلس وسط المائدة، غيرت تسريحة شعرها وقصرته، كانت تشبهها تمامًا، وعندما تصافحنا لم أستطع ترك يدها بشكل اضطررت للاعتذار عنه، لكنها لم تكن مثلها، وإلا ما أكملت حياتها، حكت عن عملها فى الميردى ديو، سألت عن أصولها، قالت من الظاهر، تمت بصلة قرابة للأب «حبيب جرجس»، مؤسس مدارس الأحد. 

سأسافر غدًا للقاهرة، أطمئن على رافع فى مستشفى الشرطة، وأسلم الأوراق للنيابة، طلب النائب العام شهادة كل من لديه معلومات وأوراق عن قضية الهروب من وادى النطرون.. آه، ما هذا؟ شىء اصطدم بخدى، إنه سائل لزج، أفلت الدريكسيون، أنظر لكفى.. لون أحمر.. تنحرف السيارة تقترب من الجبل، يطبق ظل على السيارة، أندفع نحو قلبه، تبتلعنى دوامات ألوانه النحاسية والزرقاء والخضراء، أتوه فى المرج الأخضر، وحمامة بيضاء تجلس على مقدمة السيارة المقلوبة.