رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خبير الطاقة سيريل ويدرسهوفن: مصر مركزًا رئيسيًا لتصدير الغاز (حوار)

الطاقة
الطاقة

قال سيريل ويدرسهوفن، الخبير المتخصص فى قطاع النفط والغاز ومؤسس شركة «فيروسى» لإدارة الاستثمارات والاستشارات المالية فى هولندا، إن مصر من أهم المصادر التى ستعتمد عليها أوروبا لتعويض نقص إمدادات الغاز الطبيعى من روسيا، بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية.

وأضاف، فى حواره مع «الدستور»، أن مصر تمتلك الكثير من المقومات التى تؤهلها لتصبح مركزًا رئيسيًا وقوة هائلة على صعيد إنتاج الغاز والهيدروجين الأخضر وتصدير الطاقة لمختلف دول العالم، وجميعها أمور تسهم فى تعزيز قوة مصر الاقتصادية، مشيرًا إلى أن الوقف الفورى للاعتماد على الفحم والبترول فى الصناعة والحياة بشكل عام، والتحول للاعتماد على مصادر الطاقة الجديدة، يبقى مجرد فكرة مطروحة لكنها غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع فى الوقت الحالى، وربما يبدأ تنفيذها بشكل جدى بحلول عام ٢٠٥٠.

■ كيف يمكن لمصر تلبية احتياجات أوروبا من الغاز خاصة مع توقف الإمدادات الروسية؟

- كما رأينا، فإن إنتاج الغاز الطبيعى المسال فى مصر آخذ فى الارتفاع وسيزداد أكثر، وتتجه معظم الصادرات المصرية الحالية إلى الأسواق الأوروبية، خاصة أن أسعار الغاز المصرى مناسبة ومغرية للمستوردين الأوروبيين.

والتعاون المتزايد بين مصر وإسرائيل والاكتشافات الجديدة التى جرى العثور عليها فى قبرص، تَعد بإنتاج المزيد من الغاز قريبًا جدًا، ولهذا فإن الغاز المصرى سيخفف من آثار مشكلة نقص إمدادات الغاز الروسى فى أوروبا.

■ ما أهم المؤهلات التى تمتلكها مصر برأيك لتكون وجهة رئيسية لتصدير الغاز إلى أوروبا؟

- يتميز إنتاج الغاز الطبيعى المسال فى مصر بالقرب من الأسواق الأوروبية، وبالتالى فإن مصر لديها ميزة سهولة وسرعة توصيل الغاز الطبيعى إلى الموانئ الأوروبية، إضافة إلى أن منتجى النفط والغاز الأوروبيين الرئيسيين باتوا يشكلون جزءًا من طفرة مصر فى مجال إنتاج وتصدير الغاز الطبيعى، وهو أمر له تأثير إيجابى.

ومصر تلعب دورًا مركزيًا متناميًا فى إنتاج الغاز من الحقول المنتشرة فى البحر الأبيض المتوسط، ولذا فإن القرارات التى اتخذت فى نهاية تسعينيات القرن الماضى بإنشاء مصانع تسييل الغاز الطبيعى فى إدكو ودمياط تؤتى ثمارها الآن.

والتعاون بين مصر وأوروبا مفيد للجانبين وشركائهما فى شرق المتوسط، وهو يدعم الاستقرار والنمو فى أكبر دولة فى شمال إفريقيا وأكثرها قوة.

■ وقّعت مصر اتفاقية مع الاتحاد الأوروبى وإسرائيل بشأن تصدير الغاز، ما أهميتها فى سياق التحول لمركز عالمى لإنتاج الطاقة؟

- الاتفاقية مهمة للغاية وكان يجب توقيعها قبل سنوات، ومع ذلك، فهى خطوة كبيرة إلى الأمام تسمح بتعزيز التعاون بين الجميع، حيث ستكون هناك حاجة للطاقة فى أوروبا، فى حين أن مصر وإسرائيل يمكن أن تستفيدا من الاتحاد الأوروبى بتعزيز التعاون أو الاستثمارات فى قطاعات أخرى، وهذا الاتفاق بمثابة نعمة كبيرة لأوروبا.

■ سبق أن قلت إن مصر ستبقى على رأس قائمة مصدرى الغاز إلى أوروبا فى المستقبل، ما تفسيرك؟

- سيزداد الطلب الأوروبى على الغاز فى العقود المقبلة، لأن مصادر الطاقة المتجددة لن تكون قادرة على التحول لبديل قوى لمصادر الطاقة التقليدية، مثل الغاز والبترول، وهذا يعنى أن مصر ستكتسب أهمية استراتيجية كبيرة مع التوسع فى اكتشافات الغاز بشرق البحر المتوسط، لذا يتوجب على القاهرة التركيز على هذا الأمر والاستعداد الجيد له.

■ وما مستقبل منتدى غاز شرق المتوسط والدور العالمى المرجح أن يلعبه من وجهة نظرك؟

- سيزداد الدور العالمى الإجمالى للمنتدى، ولن يكون منتدى غاز شرق المتوسط كيانًا قائمًا على فكرة إنتاج الغاز فحسب، لكنه سيشمل الأمن والجغرافيا السياسية والاقتصاد، لأنه دون الاستقرار فى المنطقة لن تتدفق الاستثمارات.

والتعاون بين اليونان ومصر وقبرص مهم لزيادة صادرات الغاز الطبيعى، وستكون احتياطيات قبرص دفعة إضافية لمستقبل مصر فى إنتاج وتصدير الغاز، كما أن التعاون مع اليونان يعد تحالفًا جيوسياسيًا اقتصاديًا وعسكريًا وهو ضرورى لتعزيز الاستقرار فى المنطقة، مع الأخذ فى الاعتبار أن إسرائيل تلعب أيضًا دورًا رئيسيًا فى المنتدى، وهى طرف قوى فى هذا الأمر.

■ هل ستسهم صادرات الغاز فى إنعاش الاقتصاد المصرى؟

- إيرادات الغاز الطبيعى المسال ستكون دفعة قوية للاقتصاد، لكنها لن تكون كافية للتعامل مع كل مشكلات الاقتصاد فى الوقت الحالى، ومع ذلك فإن عائدات الغاز الطبيعى ستنعش خزينة البنك المركزى وتوفر مصدرًا مهمًا للعملة الصعبة وستساعد فى استقرار الاقتصاد، كما أنها ستكون بمثابة عامل جذب لمزيد من الاستثمارات فى قطاعات رئيسية أخرى.

■ إلى أى مدى تأثر قطاع إنتاج وتصدير الغاز بتداعيات العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا؟

- هناك تداعيات جسيمة بالتأكيد لأن السوق العالمية طردت روسيا، أحد أكبر مصدرى الغاز فى العالم، وهذه القطيعة ستستمر لمدة تتراوح بين ٣ و٥ سنوات أو أكثر.

لا توجد حلول قصيرة الأجل لتصريف الغاز الروسى إلى أسواق أخرى بحجم ١٧٠ مليار متر مكعب سنويًا، حتى لو فكرت موسكو فى التعاون مع الصين أو الهند أو غيرهما فهى خطط طويلة الأجل ولن تكتمل قبل يوليو ٢٠٢٦.

ويتعين على الأسواق العالمية، خاصة أوروبا، إعادة النظر فى خياراتها المتاحة، والاستثمار أكثر فى مناطق أخرى وتوسيع تعاونها الحالى أو روابطها مع مصدرى الغاز الرئيسيين، فى الوقت نفسه سيركز الأوروبيون على استخراج المزيد من الغاز الطبيعى من داخل أوروبا، خاصة فى هولندا، أحد أكبر منتجى الغاز فى العالم.

■ أعلنت عدة دول أوروبية عن إجراءات لترشيد استهلاك الغاز، فهل يمكن لهذه الخطوة إعادة الاستقرار للأسواق العالمية؟

- ستعمل الإجراءات الحالية فقط على تخفيف حدة الخسارة الحالية للغاز القادم من روسيا، لكنها لن تكون كافية أبدًا حتى لإحداث تأثير حقيقى دون اتخاذ المزيد من الإجراءات الصارمة.

وفى الوقت نفسه، فإن جدوى الاستمرار فى استيراد الغاز الطبيعى المسال من الولايات المتحدة تتعرض أيضًا لضغوط، حيث تؤثر أسعار الغاز فى الولايات المتحدة على الأسواق المحلية والسياسة أيضًا.

■ متى تنتهى أزمة الغاز فى أوروبا، وكيف تؤثر على حياة المواطنين؟

- إذا لم يتغير شىء بشكل كبير، فلن تنتهى الأزمة قبل ٢٠٢٥/٢٠٢٦، وإذا لم يتم العثور على موارد إضافية من الغاز، فسيتم التفكير فى مشروعات استثمارية جديدة فى الوقت الحالى.

وسيبقى الغاز الروسى بعيد المنال لفترة طويلة جدًا، والتعاون السياسى والعسكرى مع روسيا هو منطقة محظورة تمامًا الآن.

وفى الوقت الحالى فإن الآثار معتدلة إلى حد معقول، لكن فواتير الطاقة الإجمالية تزداد بشدة، والمنتجات الغذائية، والتضخم يضرب الاقتصادات، ومع ذلك لا توجد أزمة اقتصادية حقيقية، ولكن هذا سيتغير فى نهاية عام ٢٠٢٢ أو بداية عام ٢٠٢٣. 

سيتراجع النمو الاقتصادى وستتضرر الصناعة، وربما يفشل المواطنون فى دفع فواتير الطاقة والغذاء، وهذا سيكون سببًا محتملًا لاضطرابات مجتمعية قد تسهم فى تكرار سيناريو ثورات الربيع العربى بسبب نقص الغذاء.

■ هل يستطيع العالم التخلص من الوقود الأحفورى والاعتماد على الطاقة المتجددة؟

- فكرة أننا قادرون على الانتقال من الهيدروكربونات إلى مصادر الطاقة المتجددة الخالصة هى فكرة مطروحة، لكنها ليست واقعية فى الوقت الحالى، فلا يزال الطلب على مصادر الطاقة التقليدية ينمو بقوة، وسوف يزداد أكثر إذا كانت الهند وغيرها تنمو بسرعة أعلى.

الاقتصاد العالمى الحالى يعتمد على الهيدروكربون، ولا يستخدم النفط والفحم لإنتاج الطاقة فقط، فمكونات الوقود الكربونى تدخل فى صناعات أخرى مثل المواد الكيميائية والبلاستيك والأسمدة.

ثم إن مصادر الطاقة المتجددة تحتاج إلى شبكة كهرباء قائمة وقابلة للتوسيع، وإذا لم هذا يكن متوفرًا، كما هو الحال فى أجزاء كبيرة من العالم، فإن إنتاج الكهرباء أو الهيدروجين/ الأمونيا الخضراء لا يزال حلًا غير عملى، حيث سنحتاج إلى جميع المصادر لفترة طويلة جدًا، على الأقل حتى بعد عام ٢٠٥٠.

ما البدائل المتاحة لأوروبا لحل أزمة نقص إمدادات الغاز خاصة مع اقتراب فصل الشتاء؟

- تتمثل الخيارات الرئيسية المتاحة فى توسيع الإنتاج فى مصر وباقى دول منتدى شرق المتوسط، إضافة إلى أذربيجان، وربما الجزائر، واحتمالات أخرى صغيرة جدًا لوصول بعض الشحنات من قطر أو ربما من الإمارات العربية المتحدة أو حتى نيجيريا أو موزمبيق. مع ذلك فإن حلول فصل الشتاء سيخلق حالة كبيرة من الطلب على الغاز، وستبدأ أسواق آسيا، خاصة الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، أيضًا، فى عرض أسعار أعلى لاستيراد الغاز وبالتأكيد النتيجة الإجمالية لن تكون سعيدة.