رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر تقود جهود مواجهة تغير المناخ

رغم أن مصر لا تقبل أى إملاءات من خارجها فيما يخص سياستها فى الداخل كما فى الخارج.. فإنها تعرف جيدًا ما الذى يجب أن تمد يديها فيه للعالم بكل قوة وتقف فيه مع دوله كتفًا بكتف وساعدًا بساعد.. ما تتعاون فيه مصر مع العالم هو مواجهة الأخطار المشتركة التى تهدد الجميع بغض النظر عن المتسبب فيها.. لقد أدرك العالم بعد كثير من الوقت أن مصيرنا جميعًا مشترك وأنه لا أحد سينجو من أثر ما أحدثه الإنسان فى الطبيعة وعلى رأسه «التغيرات المناخية».. وهى تغيرات كنا ننظر لها منذ سنوات على أنها شىء بعيد.. لن نرى له أثرًا ملموسًا خلال حياتنا.. لكن الأحداث تسارعت بفعل زيادة انبعاثات الحرارة لنرى جفافًا فى أنهار أوروبا وتغيرات فى مناخ الصين وانهيارًا فى كتل الجليد فى القطب الشمالى جراء الحرارة العالية.. وتوقعات بآثار سلبية على دلتا مصر بعد عقود.. ومع كثير من تدقيق النظر.. اكتشفنا أننا ندفع ثمن أخطاء الكبار صناعيًا.. وأن عشرين دولة صناعية فقط تتسبب فى ٨٠٪ من الانبعاثات الحرارية فى العالم.. أو أنها بمعنى أصح تجعل العالم أكثر حرارة مما يجب.. وكانت الفكرة أن إفريقيا التى لا تتسبب إلا بالنذر اليسير من تلك الانبعاثات هى الأكثر تأثرًا بما تسبب به الكبار.. ومنذ طرحت القضية نفسها على أجندة العالم منذ عامين.. لعبت مصر دورًا رئيسيًا فى الحديث باسم إفريقيا والعالم الثالث المضار من هذه الانبعاثات أكثر من غيره.. وكانت نتيجة هذا الدور الحيوى أن تقرر عقد مؤتمر المناخ «كوب ٢٧» فى شرم الشيخ فى شهر نوفمبر المقبل.. وبدا وكأن «منتدى مصر الثانى للتعاون الدولى والتمويل الإنمائى» بمثابة بروفة تحضيرية لـ«كوب ٢٧»، ولا شك أن حضور الرئيس السيسى المنتدى أضفى عليه ثقلًا استثنائيًا أسهم فيه حضور عدد من كبار المسئولين الأمميين على رأسهم نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، وجون كيرى المبعوث الخاص للمناخ ووزير خارجية أمريكا الأسبق.. لقد وضع الرئيس السيسى الدول الكبرى فى العالم أمام مسئوليتها حين قال إن الدول الصناعية الكبرى تتحمل مسئولية ٨٠٪ من الانبعاثات الحرارية، وإن تكلفة مواجهة التغيرات المناخية تصل إلى ٨٠٠ مليار دولار خلال الفترة المقبلة.. وعن الوضع فى مصر شرح الرئيس خطة مصر فى دمج استراتيجيات مواجهة تغيرات المناخ فى استراتيجية التنمية المستدامة.. فمشاريع مصر المستقبلية فى الطاقة لا ترتبط بالوقود الأحفورى ولكن بالطاقة الشمسية، وخير مثال لها محطة بنبان الضخمة فى أسوان لإنتاج الطاقة الشمسية.. فضلًا عن أن ٤٠٪ من مشاريع الاقتصاد فى مصر مرتبطة بالطاقة الخضراء أو غير المسببة للتلوث وهى فى طريقها لأن تصبح خمسين فى المائة خلال عام أو عامين.. وفى مشروع مثل حياة كريمة سنجد أن هناك جهودًا كبيرة لتوفير مياه نقية لستين مليون مواطن مصرى ولإدخال خدمات الصرف الصحى والرعاية الطبية ومصادر الطاقة النظيفة، وهذه كلها تفاصيل تشرح معنى ربط التنمية المستدامة بجهود مكافحة الانبعاث الحرارى تمضى فيها مصر بحكم وعيها بدورها فى العالم وبخطورة الموضوع أيضًا.. لقد لفت نظرى أن المسئولين الأمميين الذين تحدثوا كانوا واعين بما يجب على الدول الكبرى أن تفعله إزاء هذه الأزمة التى تسببت هى فيها.. فقد تحدث البعض عن ضرورة تخفيف أعباء الديون عن الدول الإفريقية التى تعانى من آثار هذه الانبعاثات.. وهذا مطلب عادل ومنطقى وضرورى.. وتحدث آخرون عن دور القطاع الخاص فى الدول الكبرى فى تمويل ما يجب تمويله للتخفيف من هذه الآثار.. أو للاستثمار فى إنتاج طاقة نظيفة وهذا أيضًا مطلب عادل ومنطقى.. ولا شك أن قضية الانبعاثات قضية كبيرة تحتاج لجهود متواصلة للتخفيف من آثارها.. ثم الحد من أضرارها.. لكن الأكيد أن مصر فى هذه القضية وغيرها تثبت أنها فى قلب العالم وأن دورها أساسى فى قضاياه كلها.. وهى حقيقة قديمة تغافل البعض عنها وأثبتها المصريون بقوة خلال السنوات الأخيرة.