رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمود الشريف صاحب مدرسة خلصت التلحين من الطابع المشايخى العتيق

محمود الشريف
محمود الشريف

محمود الشريف، الموسيقار السكندري الكبير، والذي ولد في مثل هذا اليوم من العام 1912، هو صاحب أول أوبرا في الإذاعة المصرية، وهو أيضا القاسم المشترك بين نجوم الطرب والفن والغناء في النصف الأول من القرن العشرين وحتى السبعينيات منه.

فقد قدم محمود الشريف لأقطاب الغناء الطرب العديد من الألحان، وساهم في بزوغ نجمهم وتألقهم في دنيا الفن، من بينهم: نجاة الصغيرة، محمد عبد المطلب، ليلى مراد، أحلام، فايزة أحمد، محمد قنديل، صباح، سعاد محمد، عبدالحليم حافظ، كارم محمود، نور الهدي، وغيرهم.

يصف الروائي خيري شلبي، الموسيقار محمود الشريف بأنه كان الوحيد من بين تلاميذ سيد درويش الذي يمتلك نفس قدرته على استكمال مشواره في تطوير المسرح الغنائي بنفس حداثة سيد درويش التي أمسكت بإيقاع العصر الحديث وخلصت التلحين من الطابع المشايخي العتيق الذي لم يفلح الكثيرون من أساطير ذلك الزمان في التخلص منه، ومن الترهل العاطفي الميلودرامي، ومن الإمعان في التطريب، ومن الفضول والتكرار الممل، بحيث يجيئ اللحن ممشوق القوام رشيقا.

ــ كيف كان بيت محمود الشريف صورة من شخصيته

ويضيف شلبي في كتابه "برج البلابل"، عن الموسيقار محمود الشريف، والذي تحل اليوم الذكرى العاشرة بعد المائة على مولده: كان بيت محمود الشريف صورة طبق الأصل من شخصيته، ترى في أركانه وعلى جدرانه وفي أدراجه صور ورموز من تاريخ حياته الحافلة، يحدثك عن هذه الصورة المعلقة في برواز، صورة أبيه الشيخ حسن الشريف البقال وإمام المسجد في نفس الوقت، الذي مات وترك الأسرة في مهب الريح، يحدثك عن أخيه الكبير "إسماعيل" الموسيقي الذي كان قائدا لفرقة موسيقى الأمير عمر طوسون ويملأ حياتهم بالأنغام والتقاسيم والآلات، عن كتاب الشيخ عبدالفتاح الذي حفظ فيه القرآن الكريم، عن مدرسة على كامل الابتدائية بالإسكندرية، عن أيام الأسرت التي باتت كحقيبة سفر يحملونها كل يوم للبحث عن مسكن، عن انضمامه إلى الفرقة المسرحية الجوالة، "فرقة المسيري" وفوزي منيب وخميس سكر وحمامه العطار، عن أدوار الفتي الأول التي كان يلعبها في هذه الفرقة الجوالة تمثيلا وغناء على مدى عشر سنوات إلى أن استقر به المقام في القاهرة عضوا بفرقة بديعة مصابني.

ــ محمود الشريف صاحب أهم مدارس التلحين المصرية

ويشدد شلبي على أن محمود الشريف، كان ولا يزال من أهم مدارس التلحين في تاريخ الأغنية المصرية التي استحدثها سيد درويش، حيث الأغنية تشخيص لحالة شعورية ناضجة قادرة على استقطاب جميع مشاعر المستمعين بلا استثناء حتى وإن كانوا أجانب لا يعرفون معاني كلماتها.

وكان محمود الشريف خبيرا بمناطق الشجن العذب والعميق في الوجدان المصري على اختلاف بيئاته الاجتماعية والفئوية، من أغاني البحر والصيادين والبمبوطية في الإسكندرية ومدن القناة ودمياط ورشيد، إلى أغاني البدار والري والحصاد والتخمير والأعراس وتهنين الأطفال في المهود في قلب الدلتا وأطرافها، إلى إيقاعات الألوان المبهجة المنعكسة علي أغنيات بلاد النوبة المصرية.

ومحمود الشريف من القلائل الذين فهموا واستوعبوا كل التأثيرات الموسيقية التي جاءت مع الغزاة الفاتحين وخربشت في الوجدان المصري، من الفرانكو آراب الإنجليزي والفرنسي واليوناني المحملة بأطياف من شخصيات تلك الشعوب، إلى البشارق التركية التي تجلت عبقرية الموسيقي التركية فيها كما تجلت سخونتها الشرقية الحراقة في ألحان تصدح بوجع الأنثى المقهورة في مجتمعاتنا الشرقية بوجه عام، إلى الألحان الفارسية ذات الطابع الصوفي الممسوس بلمسة عقلانية.

إلى جانب كل ذلك كان محمود الشريف من أهم من استوعبوا ثورة سيد درويش وهضموا منجزه الفني الكبير إلا أنه تميز عنهم جميعا باستقلالية شخصيته الفنية، فكانت له أرضه الخاصة التي زرعها بنباتاته الخاصة وأقام فوقها أبنيته الخاصة.