رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حمدى عبد الحميد.. «الرمزية السياسية» كتاب يناقش الرمز ووظيفته فى الفكر السياسى

 الرمزية السياسية
"الرمزية السياسية "

صدر حديثًا عن دار نشر الوفاء للطباعة والنشر كتاب "الرمزية السياسية.. مفهوم الرمز ووظيفته في الفكر السياسي" للكاتب والأكاديمي الدكتور حمدي عبد الحميد الشريف.

وأشار الكاتب الدكتور بهاء مزيد، عبر تصديره للكتاب إلى أن: "أمامنا عمل مهمّ عن (الرمزيّة السياسيّة) لمؤلّفه الدكتور حمدي الشريف، وفي (لسان العرب) لابن منظور، مادة "رمز": "الرَّمْزُ تصويت خفيّ باللسان كالهَمْس، ويكون تحريكَ الشفتين بكلام غير مفهوم باللفظ من غير إِبانة بصوت إِنما هو إِشارة بالشفتين، وقيل الرَّمْزُ: إِشارة وإِيماء بالعينين والحاجبين والشفتين والفم. والرَّمْزُ في اللغة كل ما أَشرت إِليه مما يُبانُ بلفظ بأَي شيءٍ أَشرت إِليه بيد أَو بعين، ورَمَزَ يَرْمُزُ ويَرْمِزُ رَمْزًا. 

وتابع مزيد في توضيح تعريفات الرمز في اللغة فيقول: "والرَّمز اصطلاحا هو كلّ علامة – أي كلّ كلمة أو صورة أو لون أو حركة أو صوت أو إيماءة أو غير ذلك- تتجاوز دلالاتها معناها القريب المباشر إلى ما لا حصر له من دلالات ترتبط بسياقها النّصي وبمنتج العلامة أو منتجيها (مؤلّف النّص) ومستقبلها أو مستقبليها (القارئ أو المتلقّي). قد لا يتطابق تأويل المتلقي مع ما أراد الكاتب أو المؤلّف أو منتج النّصّ، على أنّ كلّ معنى محتمل يليق به أن يكون معنى مقصودًا ما دام ينسجم مع الدلالات الكبرى للنّصّ.

وأشار مزيد إلى أن الترميز هو شحن العلامة بالإيحاءات النفسيّة والثقافيّة والسياسيّة من خلال توظيفها في سياق يستدعي تلك الإيحاءات ويبرّرها. بهذا التعريف المبسّط، تصبح كلُّ علامة رمزًا، أو مهيّأة للترميز، من ذلك اللحية وهي شعر ينبت على الذقن، لكنّها تشير في سياقاتنا العربيّة إلى التيارات الإسلاميّة الأصولية وإلى التديّن إجمالاً، والحجاب، وهو غطاء لشعر المرأة، لكنّه يتجاوز ذلك إلى الإشارة إلى تلك التيارات وإلى الإسلام إجمالاً في كثير من دول الغرب.

وأضاف مزيد، أن “الكلام بالرمز عن السياسة أو تعبير السياسة وأهلها بالرمز هو الرمزيّة السياسيّة أو الترميز السياسي، وكلاهما يشير في تعريف سطحي إلى التعبير عن موقف أو توجّه حزبي بالرمز، ومن ذلك التعبير بالأعلام واللافتات والصور والشعارات، لكنّ الرمزيّة السياسيّة تتجاوز ذلك– لكنّها تدور في الفلك نفسه– إلى التعبير عن المفاهيم والأفكار والمعتقدات”.

وأكد "مزيد" على أن "هذه بعض انشغالات كتاب (الرمزيّة السياسيّة: مفهوم الرمز ووظيفته في الفكر السياسي) حيث تلتقي البلاغة وعلم العلامات والسياسة والفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والدين والأدب، ويؤسّس المؤلّف تناوله على معرفة ووعي عميقين بأصول الترميز السياسي، وموقع الرمز من علم العلامات ومن نظريّات المعرفة، ليقدّم لنا إطارًا مفاهيميًا محددًا للرمز من داخل الأدبيات التي تتناوله وفي ضوء الأبحاث والدراسات السيميوطيقية الحديثة لدى "بيرس" و"سوسير" و"كاسيرر" و"سوزان لانجر" و"بول ريكور" وغيرهم، وينطلق في بحث دلالات الرمز وأبعاده الدلاليّة والتفاعليّة والوظيفيّة مع إشارات ونماذج تطبيقيّة تكشف عن انحراف و"سوء استغلال أنظمة الرموز والعلامات اللغوية" في بعض الاستعمالات السياسيّة. ثُم يَطُوفُ بنا المؤلّف في رحلةٍ ثريّة حول أهمية الرمز في الحياة الحضاريّة الإنسانيّة ودلالاته "في تمثُّلات عالم الفكر والمعنى"، وكذلك دور الرمز في بناء النّظريّة السياسيّة انطلاقًا من تحليلاته النقدية في أفكار ومذاهب الفلاسفة بدءًا من أفلاطون وأرسطو، وهوبز في العصر الحديث وغيرهم وصولا إلى المواقف المختلفة من الرمزيّة السياسيّة في الفكر الفلسفي المعاصر.

واختمم "مزيد": “لا يكتفي المؤلّف بذلك، بل يمضي ليصل الرمزيّة السياسيّة بالرمزيّة الدينيّة والفنّيّة والأدبيّة، ويربط المؤلّف الرمز كذلك بالأسطورة التي كانت من مصادر المعرفة الإنسانيّة لقرون وحقب متعاقبة”.

من جانبه أشار الكاتب الدكتور حمدي عبد الحميد الشريف إلى أن “يمثل الرمز منذ أقدم العصور جزءًا من البناء الثقافي الذي يشكل هوية الأفراد والجماعات، كما أنه مكون أصيل في بناء معارف الإنسان وتجسيد خبراته وتأطير نظراته وتصوراته للحياة؛ فلم تكن الإلهة «ماعت» في نظر الإنسان المصري القديم سوى رمز الحق والعدل، الذي يسترشد به في الحياة، وقد اتخذت بعض الجامعات الأوروبية صورةَ الإلهة «منيرفا» Minerva رمزًا لها بوصفها راعية العلوم والفنون. وكذلك اتخذت حضارات الشرق من صورة طائر ”البومة" رمزًا للخراب والدمار، وبالتالي للنحس والتشاؤم، بسبب ميله الى العزلة والبعد عن دنيا الناس، والعيش في أماكن مهجورة، في حين اتخذ منه الغرب رمزًا للحكمة لأن البعد عن الحياة والنفور من الضجيج، والميل الى التفكير الهادئ هو من شيمة الحكماء وحدهم.

ولفت الشريف، إلى أن: "وقد تنوعت مجالات الاهتمام الأكاديمي بدراسة "الرمزية" Symbolism، واختلفت اتجاهات الدراسة حولها حيث تخطت نطاق الفلسفة إلى علم الاجتماع، والفن والأدب، والأنثروبولوجيا، وعلم النفس، وعلوم اللغة والبلاغة، والدين واللاهوت، والتاريخ. وفي ضوء هذا يمكن القول: إن الرمزَ كلمةٌ حيرتِ الفلاسفةَ والعلماءَ والأدباء والمؤرخين منذ أقدم العصور؛ فهو ليس مجرد وسيط لتجسيد الأشياء أو نقلها أو التعبير عنها، وإنما هو بالأحرى وسيلة لفهمها وتمثلها، ويحوي في طياته معاني حيّة ومتنوّعة يصعب الوقوف عليها على نحو كامل، وبالتالي يؤدي التأويلُ فيه الدورَ الرئيس، وإذا سلمنا بأن الإنسانَ «حيوانٌ رامزٌ»، على حدِّ تعبير «كاسّيرر» (1874-1945)، ويسبح في بحرِ الرموز، فإن رمزيته تقتضي تأويله "وجوديًّا"، و"حضاريًّا".

وأشار الكاتب إلى أن “رغم اهتمام الفلسفة بدراسة الرمز، فإن آراء الفلاسفة ووجهات نظرهم اختلفت حول تعريفه، وأبعاده، وجوهره، كما اختلفت آراؤهم كثيرًا حول دوره في بناء المعرفة الإنسانية والحضارية عمومًا، ناهيك عن انعكاساته السياسية والأيديولوجية، وتجلياته في مجال الاجتماع الإنساني”. 

وهكذا وانطلاقًا من كون الرموز عناصر فاعلة في الخطابات الفكرية والسياسية، نتناول في هذا هذا الكتاب الأسس الفلسفية والمرجعيات الأيديولوجية التي تُشكل الأُطر والأبعاد الأساسية لمفهوم الرمز السياسي.

ويأتي الكتاب في 7 فصول هي:

الفصل الأول: سيميوطيقا الرمز بين مجالات الصيغ المجازية: ويتضمن لمحة عن الرمزية، وأهم روادها، وتعريف السيميوطيقا، وأهم التعريفات الفلسفية للرمز، وماهيته والخصائص والسمات المشتركة لهذا اللون من التعبير الإنساني وذلك في ضوء كتابات «سوسير»، و«تشارلز س. بيرس»، و«كاسيرر»، و«ليفي شتراوس»، و«سوزان لانجر»، و«بول ريكور»، و«أمبرتو إيكو» وغيرهم.

الفصل الثاني: دلالات الرمز وأبعاده التفاعلية والوظيفية: ونكشف فيه عن دلالات الرمزية في ضوء النظرية التفاعلية في دراسة الرموز والاستعارات، كما نتناول الصلة بين الرمزية السياسية والأشكال الأخرى من الرمزية، وفيه أيضًا نتناول سيميولوجيا العلامات والرموز وإمكانية توظيفها سياسيًا، كما نتناول التوظيف الأيديولوجي للرمز مع نماذج تطبيقية لسوء استغلال أنظمة الرموز والعلامات.

الفصل الثالث: أهمية الرمز ودوره في بناء النظرية السياسية: ونوضح من خلاله ضرورة الرمز في الحياة الحضارية الإنسانية، وعلاقة الرمز ببناء النظرية السياسية من خلال الكشف عن ويته الحيوية وقوته التوجيهية في الفكر السياسي، كما يبين المواقف الرئيسية الكبرى من الرمز، بداية من أفلاطون وأرسطو، كمحاولة لاستكشاف أفق الرمزية في الفكر السياسي الحديث والمعاصر.

الفصل الرابع: الرمزية الأسطورية (من الأبعاد الإبستمولوجية إلى نقد المرجعيات الأيديولوجية): وينقسم إلى مبحثين: نتناول في الأول الأبعاد الإبستمولوجية والجوانب الحضارية للرمزية الأسطورية بوصفها أدوات للمعرفة الحضارية الإنسانية، في ضوء من فلسفة أرنست كاسّيرر وهانز بلومنبرج. أما في المبحث الثاني فنستكشف مدى خطورة التوظيف السياسي للأساطير لتدعيم الأنظمة السياسية الشمولية.

الفصل الخامس: المرجعيات الأيديولوجية للرمزية السياسية: وينقسم أيضًا إلى مبحثين أساسيين: في الأول نتناول طبيعة العلاقة بين الأيديولوجيا والرمز عند الماركسيين في ضوء نظرتهم للأيديولوجيا بوصفها أداة رمزية لتشويه واقع الصراع الطبقي وتبرير سيطرة الطبقة الحاكمة. أما المبحث الثاني فيحلل تشكلات الرمز في كتابات بعض الفلاسفة الليبراليين، من أمثال: حنا آرندت، وليو شتراوس، وجون رولز، وخاصة الدلالات التي تكمن وراء استخدامهم للأبعاد الرمزية في فلسفاتهم.

الفصل السادس: التداخل بين الرمزية السياسية والرمزية اللاهوتية: وفيه نحاول أن نستكشف أفق التوظيف الأيديولوجي والتكييف النفعي للرمزية الإنسانية، وفيه أيضًا نلتقي بالتقاطعات التي تجمع بين الرمزية السياسية والرمزية اللاهوتية، في ظل قيام الأنظمة الشمولية في القرن العشرين، وذلك في ضوء من أفكار كارل شميت التي تجمع بين الدين والسياسة في قالب واحد.

الفصل السابع: جوانب تطبيقية للرمزية السياسية في ثقافتنا العربية: ونحاول من خلال القيام بعملية من التلامس بين الثقافتين: الغربية والعربية، كمحاولة للاستفادة من تراث الفكر الغربي، والوقوف على دلالات الرمزية في أفق التفكير السياسي في الثقافة العربية، وقد أخترنا بعض النماذج الفكرية والأدبية، التي ركّز أصحابها على وظيفة الرمز ودلالاته السياسية، سواء في النصوص الفلسفية، أو في النصوص الأدبية، وهي نماذج تمثل جوهر تقاطع النزعة الرمزية بين السياسة والأدب.