رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«احتفظ بها فى مفكرته القديمة».. زكريا أحمد يحكى قصته مع أم كلثوم

زكريا أحمد وأم كلثوم
زكريا أحمد وأم كلثوم

زكريا أحمد، واحد ممن صنعوا أسطورة كوكب الشرق أم كلثوم، فقد قدم لها حوالي 60 أغنية، وفي عددها الصادر بتاريخ 1 أبريل 1949 نشرت مجلة الكواكب، مقال أحمد زكريا تحت عنوان «من مذكرتي .. كيف قابلت أم كلثوم؟».

وعن كواليس لقائه الأول بـ«أم كلثوم»، يقول زكريا أحمد: «عندما أعود بذاكرتي إلى الوراء، وأستعين بمفكرتي القديمة التي أحتفظ بها، أجد أنني لم أسمع أم كلثوم قبل عام 1920، ففي ذلك العام دعيت لإحياء شهر رمضان عند أحد تجار السنبلاوين، وكان يدعي "علي أبوالعنين"، وقد عرفني به المرحوم الشيخ "أبوالعلا محمد" الموسيقي المعروف، و"محمد عمر" عازف القانون.

وقد اتفق معي التاجر المذكور على أجر مناسب بشرط أن أغني بعد انتهائي من تلاوة القرآن، وذهبت إلى السنبلاوين، وبدأ شهر رمضان وسهرات رمضان، وقبل مضي أسبوع حضر المرحوم محمد عمر القانونجي في إحدي الليالي، وبدأنا في إحياء حفلات غنائية، أنا بصوتي، وهو يصاحبني بالقانون».

ويتابع زكريا أحمد: «وفي إحدى الليالي أخبروني بأنهم أعدوا لي مفاجأة عظيمة، فإنهم اكتشفوا في بلدة مجاورة أجمد صوت سمعوه، وانتظرت المفاجأة، فحضرت فتاة صغيرة تلبس العقال العربي وتتعثر في خطواتها الخجلة، ومعها أخوها وهو شاب يرتدي الجبة والقفطان والعمامة ولا أدري السر الذي جذبني نحو هذه الفتاة، وجعلني أؤمن بأنها لا بد صاحبة هذا الصوت العجيب، بالرغم من أن أخاها "الشيخ خالد"، كان يتقدمها في المشي، بل ويكاد يقود حركاتها».

ذكاء أم كلثوم يلفت انتباه زكريا أحمد

ويمضي زكريا أحمد في ذكرياته عن أم كلثوم: «بدأت أحادثها فراعني ذكاؤها الخارق بالنسبة لسنها التي لم تكن تتعدي الخامسة عشرة، وأعجبني منها أيضًا خفة دمها وروحها- وهي لم تكن تفارق أم كلثوم- وإن كانت وقتها تمتاز بسذاجة الفطرة الريفية، وأخيرًا طلبت منها أن تغني، فغنت وأبدعت، وروت وأشبعت كما يقول أهل الأدب.

ومنذ ليلتها وأنا أصم لا أسمع إلا صوتها، أبكم لا أتحدث إلا باسمها، فقد أصبحت مفتونًا بها، وأقول مفتونًا؛ لأنني أحببتها حب الفنان للحن خالد تمنى العثور عليه دهرًا طويلًا، وتشجعت وألحفت عليها في الرجاء بأن تزورني دائمًا طيلة شهر رمضان، فاستجابت لرغبتي، ولم تكن استجابتها حبًا في عيون العبد لله، بل كان لشغفها بالاستماع للقصائد والأغاني التي أغنيها كل ليلة، والتي كثيرًا ما كنت أحاول تحفيظها لها».

ويضيف زكريا أحمد عن مقابلته الأولي لـ«أم كلثوم»: «وتعود بي الذاكرة إلي تلك الأيام الجميلة، أيام الشباب، إذ كنت وقتها في الرابعة والعشرين، أنيقًا شديد العناية بملابسي وهندامي، حتى أن أخاها خالدًا لمح حقيبة سفري فشاهد فيها عددًا من الأحذية، ففضحني ليلتها بين أهل البلدة قائلًا: «هوه فيه صييت يسافر ويشيل معاه ست جزم؟!».

أم كلثوم تدعو زكريا أحمد لزيارتها

وهكذا توثقت علاقتي وصداقتي بأم كلثوم وأخيها الشيخ خالد، ودعتني لزيارتها بمنزلها بطماي الزهايرة، وهناك عرفتني بوالدها المرحوم الشيخ إبراهيم، وكان رجلًا في غاية التقوي والورع، فقضيت معهم أوقاتًا طيبة استعدت فيها نزوات الصبا ومرح الطفولة، إذ كنت أمص مع أم كلثوم القصب، وألاعبها الورق على الطبلية، وذلك لإرضائها، فقد كانت أم كلثوم وقتها فتاة طليقة غير مقيدة بالمسئولية التي تقيدها الآن، وكانت لا تحب سوى الموسيقى والمرح».

خطابات من أم كلثوم بالحبر الأخضر إلى زكريا أحمد

«وأخيرًا انتهى رمضان وافترقنا، فعدت أنا إلى القاهرة، وبقيت هي بطماي الزهايرة، عدت إلى القاهرة فغمرتني الحياة الصاخبة التي تغمر كل شيء حتى الذكريات السعيدة، ولكن أم كلثوم ظلت من جانبها تراسلني بخطابات تحمل عبارات ساذجة مكتوبة بحبر أخضر يذكرني بالخضرة والصوت الحسن، وكانت خطاباتها تدفعني دائمًا إلى القيام بالدعاية لها هنا من حيث لا أدري ولا تدري».

«وفي نهاية سنة 1920 زارني أحد أصدقائي من التجار وطلب مني إحياء فرح له فكتبت لها- وكان أول خطاب أكتبه إليها- وجاءني منها الرد بالقبول بعبارة مؤدبة، وكانت أجرة الليلة ثمانية جنيهات، زدتها بعد الحفلة إلى عشرة جنيهات، وقد دعوت في هذه السهرة المرحومين الشيخ علي محمود والشيخ أحمد ندا، وبعد أن سمعاها آمنا بها إيماني بها من قبل، وأخذت أم كلثوم تصعد درجات المجد مستندة إلى ذراع أستاذها الأول الشيخ أبوالعلا، وغنت لي بعدئذ أول مقطوعة لحنتها لها، وكانت "اللي حبك يا هناه"».