رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كريمة وسعيد مهران».. حكايات المجرمين في روايات نجيب محفوظ

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

نقل نجيب محفوظ في أشهر روايته «اللص والكلاب»، قصة حياة السفاح محمود أمين سليمان، الذي روَّعَ القاهرة والإسكندرية بجرائمه.

وتناول الأمر، عبد المنعم الجداوي، في مقاله «الجريمة في قصص نجيب محفوظ»، والذي كتبه عام 1976، والذي أشار خلاله إلى أن نجيب محفوظ له قدرة أصيلة على توظيف الجريمة في كتاباته؛ لخدمة الأهداف التي يسددها أو الأفكار التي يحلو له أن يبثها في القراء.

«سعيد مهران» و«رؤوف علوان»

واستشهد بشخصية «سعيد مهران» الذي قتل «رؤوف علوان» ذلك الانتهازي الذي حقد عليه «سعيد» بعد ما كان يدين له بالطاعة والولاء؛ لأنه تنكر لمبادئه قبل أن يتنكر له، ولقنه «محفوظ» مبادئ رفض الواقع والثورة عليه، ودفع به في الرواية إلى القلق والبحث عن التغيير، وانتهى به الحال إلى السجن، وبعد خروجه وجده يعانق الواقع في شرعية بررتها أنانيته وانتهازيته، فلا قلق ولا رفض للواقع ولا ثورة ولا حرب، وإنما حياة ناعمة دفع ثمنها «سعيد مهران» عدة سنوات في السجن، ومع ذلك تلقاه «رؤوف» في تجهم وعامله كمتسول، ولذلك جاء ليقلته كعقاب.

وأوضح أنه يمكن وضع «سعيد مهران» في مكانه بين المجرمين، وضياع الجريمة بالاسترشاد بنظرية «علم الإجرام والجريمة»، فيمكن وصفه بأنه ليس مجرمًا كالفئة التي عناها «لمبروزو»، إذ لم يرث الإجرام في دمه، بل كان والده صالحًا وتكوينه الفطري لم يكن به انحطاط، يجعل قابليته للجريمة سريعة التجاوب، فقد كان نظيف اليد، كما كان له قدراته الذهنية ليست سيئة إلى حد عدم قدرته على التمييز بين الخطأ والصواب.

لكن ميول «سعيد مهران» العدوانية والنرجسية، التي كانت واضحة في تصرفاته المتخبطة بين الخير والشر وضعف الرقابة على ضميره وظهوره أحيانًا بأنه في قمة العقل، وأحيانًا في قمة الجنون، كل هذه الصفات وضعته في مصاف المجرمين السيكوباتيين.

انحياز إلى «سعيد مهران»

أما العالم الإنجليزي سيرل بيرت، فقد انحاز إلى «سعيد مهران»؛ لأنه رأى أن الخروج عن القانون سلوك بشري، يمارسه البعض؛ استجابة للغرائز، مُضيفًا: «لو أننا كنا لا نزال نعيش في المجتمع البدائي لكان ذلك السلوك طبيعيًا، إلا أن الحضارة المعقدة بقوانينها وتشريعاتها هي التي جردت بعض السلوكيات، وأباحت بعضها، وتغافلت عن الصراع القاسي والمرير بين الأفراد، وصراعهم من أجل التفوق، في ظل هذا الصراع يخرج البعض على القانون تحت وطأة الغريزة الذي تطيح به».

محمود سليمان

والتقى عبد المنعم الجداوي بالذين خالطوا شخصية محمود سليمان وعاشروه، فهو صاحب الشخصية الأصلية، وقالوا، إنه كان ذكيا للغاية، وقدراته غير محدودة، وهو ما نجح فيه نقله نجيب محفوظ، من السمات النفسية المميزة لذلك النمط الإنساني، الذي يمارس الجريمة في استعراضية لاعب السيرك الذي يمشي على الحبل. 

الطريق

أما رواية «الطريق» فدارت حول «صابر» صاحب اللوكاندة التي يسكنها وزوج عشيقته الشابة، حيث لم يكن «صابر» سوى أداة تنفيذ في يدها، أما العقل الذي دبر وخطط للجريمة، وفكر في طريقة تنفيذها فهي «كريمة» وهي قد فكرت وتحملت كل هذه المشقة؛ لأنها تريد «صابر»، الذي لا يريدها بالقدر الذي يجعله يفكر للجريمة، ورغم أن كل المعايير الإجرامية تؤكد أن الجريمة كاملة، إلا أنها فاقدة العنصر الذي لا يمكن أن تتم بدونه ألا وهو المجرم.

وحملت «كريمة» صفات «سعيد مهران» فالبرغم من أنها زوجة تمارس الحياة المُستقرة، إلا أنها ضائعة تعيش في خواء لا يشعر به أحد سواها، فالزوج عجوز لا تجد فيه ما يحقق أحلامها أو يحقق رغباتها، وهي التي تؤكد بها ذاتها، وعندما وجدت «كريمة» – حسب أحدث الرواية-  «صابر» لا يعصي لها أمرًا، أقدمت على الكشف عن خطتها له وحرضته وشجعته على قتل زوجها، فكلما حاول أن يفتح ثغرة في الخطة التي دبرتها سدتها له بافتراضاتها التي كانت تبدو معقولة لها وله.

كان «صابر» لديه ما يبحث عنه وما يشغله عنها، وصية والدته وعاطفته القوية نحو «إلهام» الفتاة الأخرى، التي كانت تتجاذبه الرواية وتلح عليه أن ينسى الماضي وينسى والده، وأن يبدأ حياة جديدة تقف فيها إلى جواره، أي كان يعيش على أرض من الواقع رغم ضبابية أهدافه.

ويؤكد «الجداوي» أن بدوافع «كريمة» تكون هي الفاعلة الأصيلة وليست شريكة، ويكون «صابر» مجنيا عليه من «كريمة» وليس جانيًا، وتبقى جريمة «الطريق» تبحث عن مجرم، كما ظل «سعيد مهران» في «اللص والكلاب» مجرما يبحث عن جريمة.