رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الرافعي وشوقى» أبرزهم.. معارك الغيرة بين الأدباء

الرافعي وشوقي
الرافعي وشوقي

لعبت الغيرة دورا كبيرا في إثارة الصراع بين كبار الأدباء والشعراء وتحديدا في الماضي، الذي تحول فيما بعد إلى معارك وحرب، استمر بعضها لسنوات طويلة، فهناك من كان يرى نفسه الأهم، وأن كل من عداه "أقزام" أو يحتلون مراتب دنيا، وآخرون جاهروا بتفوقهم على زملائهم.

خلال السطور التالية؛ نرصد أبرز معارك الغيرة بين الأدباء..

الرافعي وأحمد شوقي

عرف الأديب الراحل مصطفى صادق الرافعي بأنه كثير المعارك مع عدد من الأدباء، وأبرزهم الشاعر أحمد شوقي، ففي شهر يوليو 1920 أعلن عن إنشاء لجنة باسم "لجنة ترقي الأغاني"، التي فتحت الباب أمام الشعراء لكي يتقدموا بأناشيد من نظمهم في مسابقة رصدت لها جائزة قدرها مئة جنيه، وكانت للرافعي سوابق مشهورة في نظم الأناشيد، ولهذا بادر بإرسال نشيده إلى لجنة التحكيم التي أعلنت أن باب التسابق مفتوح إلى شهر سبتمبر من نفس العام وانتهى الأجل المحدد، وعوضا عن أن تشرع لجنة التحكيم في عملها قررت مد أجل المسابقة لغرض في نفس يعقوب، هو إتاحة الفرصة أمام شوقي لكي يبعث بنشيده، وهو ما أغاظ الرافعي لإدراكه أن هذه "اللعبة" مقصودة لكي تذهب الجائزة إلى شوقي، وهو في نظره لا يستحقها ثم إنه في غير حاجة إليها بسبب يساره، وأعلنت لجنة التحكيم فوز شوقي بالجنيهات المئة، فبادر بالتبرع بها إلى إحدى الجمعيات الخيرية، في حين أن الرافعي الذي كان يعمل كاتبا في محكمة المنصورة ويتقاضى راتبا من بضعة جنيهات كان يحلم بهذه الثروة تهبط عليه دون منازع.

فثار الرافعي وأصدر كتابا سجل فيه قصة هذه المسابقة الملفقة وانتقد نشيد شوقي، موضحا أن لجنة التحكيم جاملته لا لشاعريته بل لمنزلته الاجتماعية بالقرب من السراي.

الرافعي والعقاد

كان الأديب عباس العقاد هو الغريم الثاني لمصطفى صادق الرافعي بعد أحمد شوقي، وكانت قد نشبت الخصومة بين العقاد والرافعي، منذ صدور كتاب "الديوان" للعقاد والمازني عام ١٩٢١، والذي وجه فيه العقاد للرافعي نقدا واسعا.

وعادت المعركة من جديد مع صدور كتاب "إعجاز القرآن" للرافعي، الذي سبق وأن امتدحه سعد باشا زغلول في "مسجد وصيف"، قائلا عنه: "كأنه تنزيل من التنزيل، أو قبس من نور الذكر الحكيم"، ولا شك أن هذا القول قد أشعل النار في قلب العقاد تجاه الرافعي لا سيما وأنه كاتب الوفد الأول، وله على سعد مكارم كثيرة.

وفي مقر المقتطف التقى الرافعي العقاد صدفة، وكان الأخير على غير طبيعته، متجهم الوجه عبوسا، ولم يلبث الرافعي أن ينهي سؤاله عن رأيه في الكتاب، حتى فتح العقاد نارا على الرافعي أشعلت بينهما الصراع الدائم، وشكك العقاد في الكتاب وامتد حديثه ليطول القرآن ذاته وإعجازه، حيث دار جزء من الموقف على هذا النحو كما يرويه العريان في كتابه "حياة الرّافعي"، حيث قال الرافعي للعقاد، وكان الحديث يدور بينهما على الورق لأن الرافعي ضعيف السمع: "أنت تجحد فضل كتابي، فهل تراك أحسن رأيًا من سعد؟"، قال العقاد: "وما سعد وما رأي سعد؟" قال الرافعي، وقد قبض يده على ورقة العقاد: "أفتراك تصرح برأيك هذا في سعد، وأنت تأكل الخبز في مدحه، والتعلق بذكراه!"، رد العقاد: "ما لك أنت وسعد! إن سعدًا لم يكتب هذا الخطاب، ولكنك أنت كاتبه، ومزوره، ثم نحلته إياه لتصدر به كتابك فيروج عند الشعب"، ومن هنا ثارت نفس الرافعي التي لم تكن ترضخ لمثل هذا، إذ يقول الرافعي عن نفسه: "إنه يُخيل إلي دائمًا أني رسول لغوي بعثت للدفاع عن القرآن ولغته وبيانه، فأنا أبدًا في موقف الجيش تحت السلاح".

كما أطلق العقاد رأيه في الرافعي فقال في الجزء الثاني من كتابه الديوان: "مصطفى أفندي الرافعي، رجلٌ ضيق الفكر، مُدرع الوجه، يركب رأسه مراكبًا يتريث دونها الحصفاء أحيانًا، وكثيرون ما يُخطئون السداد بتريثهم وطول أناتهم".

وتابع أيضا: "إيه يا خفافيش الأدب: أغثيتم نفوسنا أغثى الله نفوسكم الضئيلة، لا هوادة بعد اليوم، السوط في اليد وجلودكم لمثل هذا الصوت خُلقت، وسنفرغ لكم أيها الثقلان"، فكان ذلك أدعى أن يجعل الرافعي يقرر وضع العقاد على السفود، إضافة إلى ذلك اقتراب العقاد من مي زيادة مُلهمة الرافعي الأولى.

مي زيادة

عرف أن الكاتبة الراحلة مي زيادة أسرت قلوب عدد من الشعراء والأدباء الكبار، وهم أحمد شوقي والرافعي والعقاد وجبران خليل جبران، وكان العقاد من الذين باحوا بحبهم لها من خلال رسائله وكتاباته حينها التي كانت مليئة بعبارات الشوق والحنان والحب والأمل، فضلا عن أنه كان خروجها لأول مرة بصحبة صديق لها بقضاء وقت في السينما برفقة العقاد، وباعتراف العقاد نفسه أن مي زيادة لم تحب جانب السياسة والعنف في شخصيته، فهي أحبت العقاد الأديب، الكاتب، الشاعر، ولم تكن تحب العقاد السياسي، وحاولت أن تقنعه بترك الكتابة في السياسة خشية عواقب عنف حملاته على الحكومة وخصومه وأن يجره هذا للسجن.

وكان ذلك السبب وراء تفضيل مي زيادة لجبران خليل جبران، فقد كان رومانسيا وهادئ الطباع، بعكس شخصية العقاد العنيفة الثائرة مما أعاق علاقتهما، هذا بخلاف رغبتها في أن تحيط نفسها بالمعجبين والعشاق، ليحوموا حولها كالكواكب حول الشمس، فمي زيادة لم تكن في عجلة من أمرها للارتباط الأبدي برجل واحد قد يقيدها أو يخيب ظنها، وسط كل هؤلاء العشاق، وكان هذا سببا في اعتراف نادر لها بتعمدها إثارة غيرة من حولها بثقافتها وأدبها ورقتها، وكان العقاد من بين المتأثرين بهذا وأثرت في نفس العقاد أيضا ولم تخدم علاقته بها.

لم تكن مي تجهل أن العقاد يحترق غيرة عليها، ولطالما استمتعت بذلك مثلما أكدت له في إحدى رسائلها وهي في ألمانيا 30 أغسطس 1925: "لا تحسب أنني اتهمك بالغيرة من جبران، فإنه في نيويورك لم يرني، ولعله لن يراني، كما أني لم أره إلا في تلك الصور التي تنشرها الصحف"، مستطردة: "ولكن طبيعة الأنثى يلذ لها أن يتغاير فيها الرجال وتشعر بالازدهاء حين تراهم يتنافسون عليها! أليس كذلك؟! معذرة، فقد أردت أن أحتفي بهذه الغيرة، لا لأضايقك، ولكن لأزداد شعورا بأن لي مكانة في نفسك، أهنئ بها نفسي، وأمتع بها وجداني".