رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف صاغ نيتشه تصورا لمواجهة التأثير السلبي للتكنولوجيا؟.. كتاب جديد يجيب

كيف صاغ نيتشه تصورًا
كيف صاغ نيتشه تصورًا لمواجهة التأثير السلبي للتكنولوجيا؟

إذا كنت قد قرأت الفيلسوف الألماني المتجهم، قد لا تُصدق أن نيتشه كان يريدك أن تكون سعيدًا، لكن المؤلف نيت أندرسون، مؤلف كتاب "شرطة الإنترنت"، فعل ما يفعله القليل منا ممن لا يعرفون سوى عبارة "مات الإله"، ولديه رسالة تبعث على الأمل من الفيلسوف الألماني قد تنقذ في الواقع من بعض العادات المدمرة.

في الحوار الذي أجراه موقع "صالون" الأمريكي، مع نيت أندرسون حول كتابه الجديد "نقطة تحول: ما يمكن أن يُعلمنا إياه نيتشه عن العيش المبهج في عالم مشبع بالتكنولوجيا"، يتحدث الكاتب عن تصورات نيتشه عن التكنولوجيا والسُبل التي ينتهجها في نقد تبعاتها السلبية.

لا يدافع أندرسون عن أسلوب حياة يسوده الحرمان. بدلاً من ذلك، يُسلّط الضوء على ما تعلمه عندما بدأ في استكشاف بعض أفكار نيتشه حول قوة الابتعاد عن التكنولوجيا في بعض الأحيان، ومتعة "القدرة على قول نعم لشيء ما في الحياة"، وما يمكننا معرفته عن الحياة والمتعة من رجل لم يكن لديه حتى قناة على اليوتيوب.

مؤلف الكتاب “نيت أندرسون"

المشكلات الرقمية

يشير المؤلف إلى أن نيتشه مفكر لديه القدرة على التعامل مع بعض المشكلات الرقمية الحديثة بطريقة مختلفة عن الكثير من الأشخاص، إذ يدعو إلى رؤية مختلفة للحياة، وفي هذه الحال يطرح الفرد على نفسه سؤال: هل استخدامي للتكنولوجيا يخدم رؤية الحياة هذه؟.

ويضيف: هناك الكثير من النصائح التقنية المتاحة. إذا كانت هذه الأشياء مهمة لك فهذا رائع. ولكن إن كنت بحاجة إلى شيء أعمق، فمن المحتمل أن تحتاج شخصًا يقول بعض الأشياء التي تجعلك منزعجا، من الصعب العثور على شخص يقول فقط الأشياء التي تجعلك غير مرتاح بطريقة جيدة حقًا. نيتشه هو أحد الشخصيات التي عليك أن تحكم عليها بنفسك وعليك الارتباط بها. لا يمكنك ببساطة قراءته وإنما تحتاج إلى أن تدرب عقلك أيضًا لتفهمه.

يقول المؤلف: أدرك نيتشه أننا لن نقف طويلًا ضد القوى التي بداخلنا، هناك شيء بداخلك يريد هذه الأشياء (التكنولوجيا)، ولن تقف في وجه تلك القوى الداخلية بمجرد قول لا. ما الذي سوف يزعجك؟ جوع، قلة النوم، كل الأشياء التي تقلل من مستويات سيطرتنا.

كانت رؤيته إنك بحاجة إلى أن تكون قادرًا على قول "نعم" لشيء ما في الحياة. أنت بحاجة إلى هدف، شيء يجذبك إلى الأمام، بدلاً من مجرد قول "لا" لشيء لا يعجبك. لا يتمتع نيتشه بسمعة طيبة كمفكر إيجابي، ولكن إن قرأته بعناية، ستجد أن هذا كله بحث عن فلسفة إيجابية تدفعك إلى الحياة، بدلاً من مجرد التخلي عنها. 

ويتابع: إذا كنت تقول فقط "أريد أن أقضي وقتًا أقل على وسائل التواصل الاجتماعي"، وكان هذا يناسبك، فهذا جيد. ولكن إذا وجدت أن مقاومتك تتآكل بسرعة كبيرة، وكل ما تفعله هو قول لا، فأنت بحاجة إلى إيجاد قيمة في استبدال وقت وسائل التواصل الاجتماعي، وهو شيء يقود إلى ما هو أكثر إبداعًا أو عمقًا، أما إن لم يكن لديك ذلك، فسيكون من الصعب الاستمرار في الرفض.

كيف يمكننا البحث عما هو إيجابي، عن القيم في الحياة؟ يلفت المؤلف إلى أن ما هو صعب في طرح نيتشه عدم منحه إجابة جاهزة لمثل هذا السؤال، سيقول إن هناك إجابات كثيرة بعدد الأفراد وأنه قرار فردي يجب أن تتوصل إليه بشأن حياتك الخاصة. لن يعطيك نيتشه إجابة مثل "هذا ما تدور حوله الحياة" أو "هذه هي الطريقة التي يجب أن تعيش بها". ما يقوله هو إنك بحاجة إلى نوع من النضال الإبداعي في الحياة نحو هدف إيجابي. 

غلاف الكتاب 

ثقافة القطيع

نظر نيتشه حوله إلى عالم تعم فيه التكنولوجيا بشكل متزايد. من الواضح أنه لا توجد هواتف ذكية، لكن الثورة الصناعية كانت قد ترسخت بالفعل. أصبح العمل في المصنع شائعًا. نظر إلى هذا ورأى أنه يوفر الراحة والأمان والترفيه للناس، تساءل عما إذا كان ذلك كافياً حقًا لجعل الحياة تستحق العيش، إنه يدعو الناس للنظر إلى ما هو أبعد من ذلك. 

إذا شعرت بعدم الرضا عن تلك القيم التي توفرها لنا التكنولوجيا في كثير من الأحيان، هذا الشعور بالسيطرة على الحياة، وتريد شيئًا ربما يكون أكثر جموحًا قليلاً، فنيتشه يساعدك في العثور على الأهداف التي تتطلب مجهودًا إبداعيًا.

إنها فلسفة عدم الراحة بطريقة ما، لكنه صراع بهيج. ليس الأمر وكأنه يريد أن تكون الحياة صعبة حقًا بالمعنى الأسوأ لهذا المصطلح، إنه يعارض أن تصبح ثمة أشياء في حياتك مخدرة مما يمنعك من الانخراط في الواقع بتعقيداته وصعوباته ومحاولة جعله مكانًا أفضل والسعي لجعل الإنسانية أفضل مما كانت عليه قبل مجيئك.

وردًا على سؤال: ماذا يعني أن نتحدى أنفسنا ضد قيم القطيع؟ يبين المؤلف أن نيتشه في مناقشته لهذه المسألة يبدو نخبويًا؛ إذا فعلت شيئًا شائعًا، أو يؤيده مجتمعك فأنت تستسلم له بطريقة ما.

ويضيف: لا أعتقد أن فلسفة نيتشه تأخذنا بالضرورة إلى جميع ما نحتاج إليه، فهو لم يستطع رؤية أهمية المجتمع والصداقة، إنه يميل كثيرًا نحو العزلة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى سيرته الذاتية والصعوبات التي مرّ بها في علاقاته. إن كان بإمكانك وضع ذلك في الاعتبار، فيمكنك سماع نقده لعقلية القطيع بطريقة مفيدة؛ بعدم ترك حياتك تنحرف عن طريق القيم التي يحددها لك أشخاص آخرون أو قوى أخرى.

الإدراك المُتجسد

يقول المؤلف: لقد رأينا أن التكنولوجيا كثيرًا ما تجعلنا، حتى في الوضع الجسدي، نجلس على كرسي أو أريكة أو في السرير مع جهاز كمبيوتر محمول. يبدو أنها تقيد نطاق حركتنا، لا سيما الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة. كان نيتشه ضد هذا بشدة. لقد أنتج معظم أفكاره عندما كان يتجول في الخارج، ووجد أن الطريقة التي تتحرك بها عبر العالم والتي تختبر بها نفسك فيه كانت جزءًا من الطريقة التي تفكر بها، فالتفكير ليس مجرد عملية برهانية ومنطقية وعقلانية.

ويتابع: كان نيتشه من المؤسسين الأوائل لما يمكن أن نسميه اليوم الإدراك المتجسد؛ أن حركة الجسد وأنشطتنا في العالم هي جزء من الطرق التي نفكر بها. فكر في التحول إلى ميتافيرس، أو هذه الأشياء التي تخرج من وادي السيليكون، حيث تنتقل التقنيات إلى الدماغ والوعي البشري كمنفصلين عن العالم. يمكننا إعادة إنشاء العالم في الواقع الافتراضي. 

ويتحدث الكاتب عن استفادته من أفكار نيتشه في حياته الخاصة قائلًا:  هذا العمل مع نيتشه، كتابة الكتاب، لم يدفعني للتخلي عن التكنولوجيا، لكنه قادني لأن أكون أكثر انتقادًا لها، لأن لدي إحساسًا أقوى بما أريد أن تكون عليه حياتي. لا أريد أن يقتصر الأمر على النقر على الشاشة أو مشاهدة التلفزيون.

أمدني نيتشه بأدوات جديدة للتفكير من خلالها. كان هذا هو أهم شيء. لقد رأيت ذلك يؤدي إلى تأثيرات عملية حقيقية في حياتي. أحب حقيقة أن نيتشه ليس خبيرًا يُصدِّر لك أفكارًا حول الطريقة التي تحتاجها للعيش، إنه شخص يخلق الأدوات العقلية التي عبرها يمكنك التفكير في حياتك الخاصة وعلاقتك بالتكنولوجيا، ويأمل في أن تأخذ هذه التكنولوجيا وتضعها في خدمة الحياة التي تريدها.