رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكراه.. هكذا قدم يوسف إدريس الشخصية المصرية الحقيقية فى قًصصه

يوسف إدريس
يوسف إدريس

هو صاحب الحرام وبيت من لحم، جمهورية فرحات وملك القطن، أرخص ليالي والعيب، المخططين والجنس الثالث، النداهة، وغيرها. إنه الكاتب الكبير يوسف إدريس، والذي تحل اليوم ذكرى ميلاده الــ 95 حيث ولد في مثل هذا اليوم من العام 1927 بقرية البيروم بمحافظة الشرقية. 

 

أطلق علي يوسف إدريس العديد من الألقاب، من بينها “تشيخوف العرب”، و"أبو القصة العربية"، على أن أهم لقب هو الذي أطلقه عليه الدكتور لويس عوض، عراب القصة. 

 

هجر الدكتور يوسف إدريس الطب من أجل عيون الأدب، ولكن بواكير حياته التي عمل فيها طبيبًا، كانت الزاد والتجربة الحياتية الحية التي منها استمد قصصه وحكاياته، فجاءت رائعته "الحرام" تعبيرًا حيًا عن الشقاء والبؤس الذي عاشه الفلاح قبل ثورة يوليو.

 

لم يكن يوسف إدريس يعد نفسه منذ الطفولة ليكن كاتبا، بل لم يكن ليخطر علي باله أن يحترف الكتابة ذات يوم. صحيح أنه قرأ في طفولته وصباه أعدادا هائلة من الروايات البوليسية والكتب الأدبية، إلا أن القراءة آنذاك كانت سلوكا عاما، الكتاب كان صديقا صدوقا لجميع الشباب.

 

ــ هل كان جد يوسف إدريس وراء "شقاوته"

ويمضي الروائي “خيري شلبي”، راسما “بورتريه” لــ  يوسف إدريس مشيرا إلي أنه: فرضت الظروف يوسف إدريس الخاصة عليه أن يغترب بعيدا عن أمه وأبيه من أجل التعليم الأولي والابتدائي والثانوي، فعاش في كنف جده الذي كان شيخا حكيما محنكا، فلاحا، ذكيا، يمتلئ صدره بآلاف الحكايا والطرف والأمثال والأقوال المأثورة، استطاع أن يستحوذ على خيال الطفل، وأن يصادقه.

 

ومن المؤكد أن ذلك الجد هو أصل بذرة “الشقاوة” التي نمت في قلب يوسف إدريس وخياله، حتى أصبح أكبر من سنه دائما، فمنذ وقت مبكر جدا وهو علي درجة كبيرة من الوعي، كان طفلا “أروبا” يدرك ما لا يدركه أنداده من الأمور، ويعرف ما لا يعرفونه، ويفهم ما يرى وما يسمع، ويتوقف عندما يفهمه ليقلب فيه ويستوضح ما غمض عليه، ويهتم بأن يفهم وأن يري المزيد ويعرف المزيد، ويدخر الكثير، فتزداد ملامح وجهه نضجا وبلاغة، وينشط خياله فيسرح به إلي آفاق لا يقتحمها سوي الكبار.

 

ورغم أنه في طفولته وصباه كان يفكر كما يفكر الكبار، وفي شبابه يفكر كما يفكر الشيوخ، وفي شيخوخته التي لم يكن لها وجود إلا في شهادة الميلاد، كان يفكر كما يفكر الفلاسفة والحكماء، وحاملوا هموم البشر، فإن الطفل الشقي الذكي اللماح الممراح المكار ظل منتصبا في أعماقه حتي آخر لحظة في حياته. كان يفكر بعقل فيلسوف ويعيش بقلب طفل شديد المرح شديد التفتح للحياة.    

 

ــ يوسف إدريس يبعث روحا جديدة في القصة 

ويلفت خيري شلبي إلي أن يوسف إدريس، كان مذاقا جديدا تماما، وكان المنشئ الحقيقي لفن القصة القصيرة المصرية الخالصة قلبا وقالبا، الحداثية المتفردة في البناء والأسلوب واللغة والرؤية الفنية. فأنت من أول سطر تقرأه  ليوسف إدريس تشعر أنك تقرأ أدبا مصريا صرفا، لكاتب مصري، حكاء مصري، موهبة الحكي عنده نابعة من القريحة المصرية، من مخيلة مصرية، هي مزيج فذ من راوي ألف ليلة والسيرة الشعبية والمواويل الدرامية وشاعر الربابة وفرفور السامر، وكتب التراث الأدبي العربي المعنية بالقص مثل كتاب الأغاني للأصفهاني، وكتب الجاحظ وأب حيان وابن قتيبة وأبي علي القالي، والمؤرخين القدماء، أمثال المسعودي وابن خلدون والقرطبي والطبري والمقري، علي خلفية مستنيرة من فنون الحكي عند الشعوب الأوروبية والشرقية التي سبقتنا في ابتداع قصصها الخاصة ورواياتها الخاصة.  

 

ــ الروح المصرية في قصص يوسف إدريس 

ويشدد خيري شلبي علي أنه: في قصص يوسف إدريس يبدو لنا الواقع المصري وكأنه جديد علينا، كأننا لم نعشه من قبل، لم نره، لم نلمسه، ومن هنا تنشأ لذة الاكتشاف عند القارئ، اكتشاف واقعه الذي لم يكن يعيه جيدا كما يعيه من خلال هذه القصص، تصل لذة الاكتشاف إلي حد النشوة  بتعاظم الوعي. هذا أدب يوسع المدارك ويفتح العيون، ينير الأفئدة يشحن القلوب والصدور بتجربة إنسانية حية تسهم في دفع الإنسان إلي الأمام في تغييره إلي الأفضل، في قيادته إلي المشاركة الإيجابية في معترك الحياة، في بناء نفسه وتأسيس شخصيته، في تقوية روح المقاومة عنده، وتنمية غريزة الإرادة في نفسه. قدم يوسف إدريس الشخصية المصرية الحقيقية في قصصه لأول مرة، وفيما سبق كانت مجرد شبح لا يتعرف عليه القارئ جيدا.