رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كن إنسانًا.. "جدعنة" العرب مع العالقين فى الحرب الروسية الأوكرانية

"ربما تعجز عن نقل الصورة كاملة لكنك لن تعجز أن تكون إنسانًا"... منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية ونحن نرصد باهتمام أوضاع المصريين والعرب العالقين في الأراضى الأوكرانية.. الذين لم تسنح لهم الفرصة للفرار بعيدًا عن الحرب أو أولئك الذين وجدوا في مدن تحت الحصار الروسي وتتأرجح أفكارهم بين هل سيحصلون على حريتهم أم سيكونون هدفًا ويودَى بحياتهم؟.. أو أولئك العرب العالقون الذين أصروا على البقاء مع أسرهم وزوجاتهم الأوكرانيات- تحت مسئوليتهم الشخصية- ويملكون إقامات دائمة ويتنقلون من المدن الساخنة إلى الهادئة حتى يحدث تغيير.

هؤلاء جميعًا- وقليل جدًا منهم مصريون- اضطرتهم ظروف الحرب لأن يكونوا في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية.. في وقت لا تنفع فيه الأموال كثيرًا بسبب نفاد السلع الغذائية من المحلات.. هنا رصدنا دور المراكز الإسلامية الكبير في توفير أماكن إيواء للاجئين والفارين خارج أوكرانيا إلى أوروبا وغيرها..  ففتحت المراكز أبوابها ومساجدها فى لفيف ومدن أخرى وتحولت لمراكز إيواء توفر الوجبات الغذائية للعالقين والفارين وتوفر المسكن والحماية.. وأصبحت خط إغاثة لهؤلاء العالقين تتواصل معهم وتفحص معهم تفاصيل الموقف وكيفية المساعدة.

هنا تجد نفسك كصحفى- بحكم عملك وكونك تملك بيانات لحالات فى مدن عدة تحت القصف قمت برصدها مسبقًا- تترك قلمك قليلًا وتتحول من ناقل للأحداث إلى فرد مشارك فى المساعدة بين هذه الحالات وفرق الإغاثة.. وخلال نهاية شهر فبراير الماضى وشهر مارس كاملًا رصدنا حالات كثيرة لعرب عالقين في مدن تحت خط النيران.. قامت هذه المراكز بدور كبير بعد التنسيق مع الصليب الدولى والقوات الروسية لإخراج العالقين من هذه المدن وتوفير أتوبيسات في نقطة قريبة منهم لنقلهم إلى الحدود الآمنة.

لكن كانت أصعب المناطق التى تصل منها استغاثات وعجزنا أمام تقديم المساعدة لها هى في جنوب شرق أوكرانيا.. خاصة في دونيتسك ولوجانسك اللتين تقعان تحت سيطرة الانفصاليين.. أصعبها لرجل تونسي- وهو متزوج من أوكرانية وأب لطفلين- يختبئ مع أسرته ونفد منهم الطعام والشراب.. وفي هاتين المنطقتين كان الوصول إليهم في غاية الصعوبة بل من المستحيل.. حتى إن جاليتهم لم تستطع مساعدتهم- على حد قوله- حيث أغلق الانفصاليون أبواب المنطقتين على سكانهما فلا يدخل إليهما ولا يخرج منهما أحد..  فكانت الوسيلة الوحيدة لمساعدتهم من خلال تحويل الأموال.. لكن بمَ تفيد وهناك شح في السلع؟!.. بالإضافة إلى مدينة ماريوبول فكان دخول المساعدات إليها غاية في الصعوبة والوصول إلى الحالات بداخلها صعب جدًا أيضًا في ظل انقطاع الكهرباء المتواصل عنها لساعات طويلة من اليوم واستمرار القصف عليها.

لم تقف المراكز الإسلامية على خط الإغاثة وحدها.. ففى الوقت الذى كانت توفر المراكز وجبات غذائية بمتوسط ٥٠٠ وجبة غذائية تقريبًا يوميًا.. رصدنا أيضًا جهودًا لأفراد أوكرانيين من أصول عربية "سوريين، أردنيين، فلسطينيين" تكاتفوا معًا كمجموعة وجمعوا تبرعات من أقاربهم ومعارفهم في الدول الأخرى وأيضًا من الذين تمت مساعدتهم وخرجوا سالمين.. وتحولت كل هذه التبرعات لعمل وجبات غذائية أيضًا أو لتوفير وسائل نقل للعالقين إلى أقرب نقطة آمنة للحدود أو تحويل أموال لهم في أحيان أخرى.. كما رصدنا جهودًا فردية لأفراد مصريين يعملون حتى الآن على المساعدة من خلال توفير الأدوية أو الغذاء مثل الطبيب حازم الذى عُرف بين الطلاب المصريين والجالية المصرية في خاركوف بجدعنته وإيصاله المساعدات الطبية للمحتاجين ومازال الخير لم ينتهِ من بين يديه.

من السلبيات التى سجلناها في ذلك الوقت ورصدتها فرق المساعدة أيضًا وجود استغاثات من أفراد ليسوا في حاجة للمساعدة ولكن يستغلون الأوضاع المضطربة حولهم للحصول على الأموال لشراء المخدرات أو الخمور.. هنا كان دور رجال المساعدات وجهودهم للتأكد من صدق الإغاثة أولًا.

فى النهاية؛ عندما تنتهي من كل هذه التفاصيل تدرك ما معنى أن تعيش في دولة آمنة وقوية.. دولة لم تتأخر على طلابها ولا أبنائها المصريين في أوكرانيا فكانت مصر من أولى الدول التى أرسلت طائرات لجلب أبنائها من كل هذا الدمار.