رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كتب عن الأزبكية ونجا من التماسيح.. قصة المؤرخ ليو الأفريقي

ليو الأفريقي
ليو الأفريقي

هناك شخصيات كان لها دور كبير فى تأريخ الحقبات الزمنية المختلفة والتي لا يعرف عنها الكثير من الناس شيئًا، ومن بين هؤلاء المؤرخين الذين لم يذكرهم التاريخ، المؤرخ ليو الأفريقي، الذي اهتم بأدب الرحلات مثل ابن بطوط وابن جبير.

"ليو" الأفريقي من مواليد غرناطة عام 1494، من عائلة عربية مسلمة، وقيل ولد قبل هذا التاريخ بعامين، فقد كان آخر سلاطين "بنو نصر" فى غرناطة، قد استسلم للجيوش الأسبانية وسمحوا له باللجوء إلى مدينة" فاس" بالمغرب مع بعض أتباعه، ثم لحقت بهم نباعًا مجموعات كبيرة من المسلمين الأسبان إلى فاس، ومنهم عائلة ليو الثرية "الوزان" التي استقرت في فاس في الجزء الذي يطلق عليه الربع الأندلسي، وهو بمحاذاة نهر "بو خارب" مقابل جامع ومدرسة القيروان الذي كان يعد آنذاك من أهم المراكز الدينية والفكرية فى العالم.

وبحسب ما جاء في كتاب"القاهرة وما فيها من حكايات" للكاتب سعيد مكاوي، فإن ليو قد درس في هذا المركز النحو والشعر والبلاغة والقبلانية "فلسفة يهودية" وبعض العلوم الأخرى، وكان ليو طالبًا فذًا لدرجة أنه نال لقب"قاضٍ" وهو في سن الـ 14، وكان ينفق على دراسته من العمل ككاتب عدل وكاتب حسابات فى المركز الطبي للحجاج المعوزين والمرضى بأمراض عقلية.

وأما عن مغامراته وسفرياته فقد بدأها في سن صغيرة وهو فى العاشرة من عمره، مرافقًا لوالده "الشيخ الوزان" إلى المزارات المختلفة بجبال أطلس فى الموسم ما بين شهر رمضان وعيد الأضحى حيث كان والده يكثر من تواجده فى المدينة الساحلية التجارية "صافى" يمارس عمله التجاري.

وفى سن الـ16 عامًا رافق عمه في رحلات دبلوماسية من فاس إلى تمبكتو وإلى جاوة، وقد أعجبت تقارير ومهاراته الدبلوماسية السلطان محمد، واعتبره من أهم سفرائه ةأرسله شرقًا وصولًا إلى اسطنبول، وهذا دليل على تفوقه وتميزه.

لأن هذه البعثات آنذاك كانت في غاية الأهمية والضرورة لضمان الاستقرار الاقتصادي والسياسي في "فاس" وكانت مهمة ليو المتابعة وتبادل القوى وإدارة التحالفات المفيدة لدولهم.

وتحرك “ليو” من تبمكتو إلى أرض الهوسة "شرق مالى وجنوب النيجر حاليًا" ثم بورنو ومنطقة كانم التي تقع في تشاد وليبيا ثم وصل إلى مصر وتنقل على امتداد النيل وصولًا إلى منطقة شانا "قنا حاليًا" وأسوانـ وقد نجا بمعجزة من التماسيح الشرسة والكريهة كما وصفها، التى تترصد حول ضفاف نهر النيل.

وخلال رحلته إلى مصر وصف جميع ما مر به من مواقف سيئة وجيدة وتعاملات الأشخاص أيضَا، وسافر "ليو"، من مصر عبر الصحراء إلى البحر الأحمر إلى مدينة جامبيو "ينبع" وزيدم "جدة" ولم يذكر أنه تابع رحلته إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، وغالبًا أنه أدى فريضة الحج إلا أنه صمت تحريريًا عنها.

وأثناء عودته من إحدى سفرياته الدبلوماسية عام 1514، هاجم القراصنة السفينة التي تقله بالقرب من ساحل"كريت" فى اليونان أو ساحل "جربة" فى تونس فقد اختلف حولها العلماء، وكان خاطفوه يعملون لدى فرسان القديس"يوحنا" آنذاك، وكانوا متخصصين في الاستيلاء على السفن الإسلامية، وبيع الأسرى في سوق العبيد إلا أنهم أكتشفوا أن ليو رجلا متعلمًا، وتوجهوا به إلى روما حيث سجن هناك.

وتم اختياره بين السجن المؤبد وبين اعتناقه المسيحية، إلا أنه اعتنقها وعمده البابا"ليو العاشر" بنفسه، واختار له اسم "يوهانس ليو دي" .

وقال العلماء أن ليو كان محبًا لديانته الأصلية ولكن تعامل بمبدأ التقية نبذ دينه ظاهريًا تحت الإكراه، وهذا ما ظهر في قصصه "الطائر الماكر الأعظم" .

ويعتقد البعض من المؤرخين أن  شكسبير بنى شخصية "عطيل" على مثال ليو الذي كان "جون بوري" قد ترجم كتاب " ليو" ونشره فى لندن عام 1600، بينما بدأت مسرحية "غطيل" أول عروضها في لندن عام 1604، والمسرحية تدور أحداثها فى البندقية وقبرص" وهى المنطقة التي مكث فيها ليو الأفريقي معظم سنوات عمره" .

وتوفى ليو عام 1556 بعد أن ترك كتابه" جغرافيا أفريقيا" الذي يشمل على وصف أفريقيا وآسيا في تلك الفترة، وجميع مخطوطاته بالعربية، وقد ترجم كتابه إلى اللغة الإيطالية فنجا.

وقد كتب عن بركة الأزبكية بمصر كتابًا ترجم إلى ثماني لغات في النصف الأول من القرن السادس، وقد ترجم إلى ثماني لغات منذ عام 1550، وتم نشر 33 طبعة منه.