أحمد أمين.. «عرفات» الذى أخرج «عفريت الموهبة»
الموهبة كالفضيحة لا يمكن إخفاؤها، ما بالك لو كان الإنسان متعدد المواهب؟، مؤلف وشاعر وصحفى، ومغنى وملحن ورسام وممثل، إنها قمة الموهبة، بل معجزة استثنائية فى عالم الفن، وقد يكون ما نقوله مبالغًا، لكن الذين رأوا أحمد أمين أُعجبوا به، والذين عرفوا مواهبه اندهشوا، أما الذين اقتربوا وعرفوا أخلاقه، أحبوه واحترموه وقدروه.
وربما أفضل تقدير يحصل عليه الإنسان هو أن يحقق ما يريده وما يسعى إليه، مهما حصل على إشادات أو جوائز، وفى حالة أحمد أمين فالذى أراده وسعى إليه طوال حياته أن يكون ممثلًا فقط، هو نفسه يقول بلسانه: «بحب الكتابة فكتبت شعر وكتبت سيناريوهات واشتغلت رئيس تحرير مجلة أطفال، بحب المزيكا فاشتغلت ملحن، كنت خريج فنون جميلة فاشتغلت رسام، وخدت جوايز كتير، لكن مكنتش مبسوط أبدًا».
رغم نجاحه فى مجالات أخرى وتميزه وتفرده بها، فإن الحب الأول كان يراوده عن نفسه طوال الوقت؛ حب المسرح، وحلم التمثيل الذى لازمه منذ الطفولة، ولم تسمح له الفرصة ولا الأيام أن يحققه.
وما لا يعرفه كثيرون عنه أنه أخرج مسرحية وعمره ١٥ سنة، والمتأمل لسيرته وحياته، أو شاهد مقطعه الشهير فى طفولته مع المونولوجست علاء الحريرى، سيرى ذكاءً حادًا، ولباقة مدهشة، فأنت أمام طفل لا يتعدى السبع سنوات، تسأله عن حلمه فيقول نصًا: «أنا حلمى هو التمثيل وممارسته، وأتمنى إنى أفضل أمثل لحد ما أموت، أنا عاشق حقيقى للمسرح».
ولا دهشة ولا استغراب ولا تعجب، فقد تربى فى بيت يحترم الفن، وكانت أسرته حين تذهب للمسرح، ترتدى بدلة كاملة، وكان هو لا يعرف شيئًا فى الدنيا سوى التمثيل، فكما يقولون: الفن يجرى فى دمه.
أما هو، فبسبب شغفه وهوسه بالتمثيل، كان يستخدم أغلفة السرير والوسادات ويضعها على كتفه ويتلون بصوته ويقدم لأسرته أشهر الشخصيات التاريخية التى يقرأ عنها.
لذا قرر أخوه الأكبر الذى كان يدرس فى كلية الفنون الجميلة أن يصحبه معه، ليعرّفه على فريق المسرح بالكلية، وقال لهم: «هذا أخى الأصغر، آخر العنقود، شقى ومهووس بالتمثيل»، أما فريق المسرح فكان أهم أعضائه، الطالبين ماجد الكدوانى وبيومى فؤاد، وعندما شاهدا هذا الطفل العبقرى وقعا فى حبه وأغرما به، وكذلك هو، لذلك حين كبر الطفل الصغير، التحق بكلية الفنون الجميلة أيضًا.
ظل «أمين» بعد التخرج حائرًا، لم يجد حظه فى التمثيل، فعمل بصحافة الأطفال سنوات طويلة، حتى ترأس تحرير مجلة «الطفل»، وعمره ٢٧ عامًا، ثم كتب عددًا من أعمال الرسوم المتحركة الشهيرة مثل «بسنت ودياسطى»، و«القبطان عزوز» الذى كان من تأليفه وإنتاجه، ورغم حصوله على العديد من الجوائز فى مجال الكتابة، كان يشعر بأن شيئًا ضخمًا ينقصه، وهو التمثيل.
وفى لحظة حاسمة ومصيرية، قرر أحمد أمين أن يستقيل من عمله، ويتفرغ لحلمه الأول، فأحضر كاميرا ووضعها أمامه، وقدم اسكتشاته الشهيرة التى عرفه الجمهور لأول مرة بها على مواقع التواصل الاجتماعى: «إزاى تعمل كذا فى ٣٠ ثانية»، فانتشرت المقاطع وحققت ملايين المشاهدات، دون أى عناء أو مجهود منه، لأن الناس شاهدت فضيحة مدوية لا يمكن أن يكذبها أحد، ألا وهى «الموهبة».
جاءت الفرصة أخيرًا لأحمد أمين، وهى برنامج «البلاتوه» الذى حقق فيه نجاحًا ملحوظًا، وأحبه الناس لخفة دمه، والكوميديا المختلفة التى يقدمها دون افتعال أو استظراف، فضلًا عن أنها من قلب الحياة التى نعيشها، والحقيقة حين كان يشاهدها الناس، كانوا لا يضحكون على مجرد إفيه، ولكن يضحكون على أنفسهم وهو يسخر منهم، فمن اللحظة الأولى لم يكن أحمد أمين مهرجًا، بل يحمل فى داخله فنانًا عميقًا وكبيرًا مثقلًا بطاقات إبداعية مهولة لم يتعرف الجمهور على ربعها، لذا كانت صدمة الجميع حين قدم شخصية رفعت إسماعيل فى مسلسل «ما وراء الطبيعة»، فتساءل الكل فى استنكار: «كيف لهذا أن يفعل ذلك؟!».
وفى الحقيقة ما يقدمه هذا العام فى دور «عرفات» الزاهد، لم يكن مفاجأة، لمن يعرف حجم هذا الممثل القدير، الذى نؤكد أن المستقبل سيكون له، وسيكون واحدًا من أهم الممثلين الذين عرفتهم مصر، لأنه يخطو كل خطواته بتأنٍّ وتروٍّ وذكاء، ويعرف ماذا يفعل وماذا يقدم، وكيف سيبهر الناس، وكيف سيغلب الأيام التى حاولت أن تهزمه وتوئد حلمه، سيفاجئها ويفاجئنا، فانتظروه.
