رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين رخاوة السلطة والأيدى المرتعشة


لقد ظل شم النسيم عيداً للطبيعة والربيع منذ العصر الفرعونى حتى وقتنا هذا، وصار عيداً قومياً يحتفل به جميع المصريين مسلمين وأقباطاً. إنه العيد الذى أوحت به طبيعة بلادنا الزراعية أنه عيد الزراعة.. عيد بعث الحياة.. عيد أول الزمان.. عيد الجمال. هيا بنا نفرح ونتهلل ونستقبل يومنا برجاء فى مستقبل أفضل لوطن يُعد من أفضل الأوطان.

لا أستطيع إلا أن أعبر عن قلقى مما ألاحظه فى تصرفات السلطات فى مصر وإن كنت أعلم أنه انعكاس لموقف المجتمع فى الداخل، فالانفجار الأمنى الناجم عن تزايد الأعمال الإرهابية تجاوز حدودالانفلات الأمنى وما أعتقده من تدخلات أجنبية وراء الإرهاب يضع المجتمع والدولة فى وضع ضعيف أمام العوامل الخارجية، وإذا كان هذا ليس دعوة للتهاون مع عناصر الإرهاب، فهو فى نفس الوقت يشرح بعض تصرفات السلطات.

كان مما لفت نظرى فى الفترة السابقة أن المجلس الأعلى للجامعات قد قرر دخول الشرطة إلى داخل الجامعة، لأجد فى اليوم التالى خبرا عن بقاء الشرطة خارج الجامعة على استعداد للتدخل حين طلبها. حاولت أن أسأل نفسى عن السبب فى التناقض بين القرارين وبهذه السرعة، ولا أستطع أن أبرره إلا بأن المسئولين عن الجامعات قد تراجعوا خوفا من أن يقال عنهم إنهم سمحوا للشرطة بالدخول إلى حرم الجامعة وبعودة الحرس الجامعى، وهنا فإن الواقع قد أثبت أن قرار إلغاء الحرس الجامعى كان قراراً متسرعاً ولا يتناسب مع الواقع الذى يقوم فيه طلاب وأعضاء لهيئة التدريس بتهريب متفجرات إلى داخل الجامعة، والذى تقوم فيه طالبات بتخريب بوابات الجامعة. إن أى قانون لا يتجاوب مع هذا الواقع ولا يتخذ من الإجراءات ما يمكن أن يواجه به هذه الأخطار يجب أن يعدل فوراً وبقرار له قوة القانون، بل حتى إذا تطلب تعديلاً دستورياً، فأمن الوطن له أسبقية على كل شىء.

زاد من شعورى بالأسف وبرخاوة السلطة أننا لم نعرف ماذا جرى للطلبة وأعضاء هيئة التدريس الذين ضبطوا متلبسين بحمل المتفجرات، كما أن كثيراً من الذين جرى ضبطهم وإحضارهم بصدور الأمر بحبسهم لم يعرف الشعب كثيراً عما جرى لهم، بل إن من صدر بحقهم حكم تعرض الحكم لانتقادات من وسائل الإعلام إذ كان صدور الحكم بصورة غير معتادة، وهنا ينتهز البعض الفرصة للتشكيك فى القضاء المصرى ويتهمه بتسييس الأحكام.

يزيد من شعورى برخاوة الدولة والسلطة زيارة كل من كاترين آشتون من الاتحاد الأوروبى، وعمر كونارى من الاتحاد الأفريقى واتصالهما بشخصيات ومندوبين من القوى السياسية، وكانت آشتون قد سبقت وزارت الدكتور محمد مرسى فى محبسه على خلاف القانون الذى ينظم زيارة المحبوسين، كما أن زيارة وفد الاتحاد الأفريقى ليست هى الأولى لهم ولا الثانية بل الثالثة لوفد أفريقى، ومهما قيل عما ورد على لسان هذه أو ذاك فإن مصر تكاد تبدو وسط هذه التحركات متهمة بالخروج عن الشرعية، وأن هذه الزيارات إنما تتم إما لنفى ذلك وتأكيد أن ما حدث فى مصر ليس انقلاباً عسكرياً ولكنه ثورة شعبية انضم لها الجيش والقوات المسلحة والشرطة. وتبدو السلطات االمصرية على نحو يذكرنى بمسرحية المفتش العام، أو أوضاع مدارسنا حينما كنا طلبة حينما كان يحضر إلى المدرسة مفتش من الوزارة لمراجعة سير العملية التعليمية.

فى ظل ما سبق تتعرض مصر لتصرفات غريبة حيث تتعرض لعقوبات من الولايات المتحدة، أو انتقادات من الاتحاد الأوروبى وتعليق النشاط من الاتحاد الأوروبى، بينما تنتقدها دول مثل تركيا وقطر وأحيانا إيران، وهو أمر جديد بالنسبة لمصر منذ اغتيال السير لى ستاك سردار الجيش المصرى فى عشرينيات القرن العشرين، ويبدو أن الضغوط على مصر كبيرة لدرجة أن السلطات تبدى مرونة فى التعامل معها، وأظن أن الضغوط الاقتصادية هى أكثر العوامل الملحة على صاحب القرار فى مصر الآن، ولكن العامل الأمنى ليس أقل أثراً فى صاحب القرار، فلابد من الاعتراف بأن قوات الأمن والشرطة تعانى نقص الإمكانيات، وهى إمكانيات متنوعة بعضها فنى تكنولوجى، وبعضها بشرى وهى تنقسم بدورها إلى إمكانيات عددية بشرية والبعض الآخر بشرى نوعى فهناك نقص فى قوات الشرطة من حيث العدد فى مواجهة انتشار وازدياد أعداد الإرهابيين، فأعداد الشرطة والجيش قليلة وهناك نقص واضح فى اللياقة البدنية والذهنية بما يتسبب فى زيادة فى الخسائر البشرية، والنقص فى العدد يقلل من فرص تدريب الأفراد بحيث يواجهون بعض عناصر الإرهاب من ذوى اللياقة والخبرة. زاد من درجة رخاوة الدولة الحساسية حيال نزاهة الانتخابات، وطبيعى أن ندعو إلى نزاهة وشفافية الانتخاب، لكنى أخشى الحساسية المفرطة التى تتجاوز القانون والتى جاءت استقالة محافظ الوادى الجديد انعكاسا لها، فالمؤكد أن القانون لا يحرم على المحافظ ونوابه ومساعديه أن يكون لهم رأى سياسى وهم مثلهم مثل الوزراء ووكلاء الوزارات ومديرى العموم، بينما يحرم على رجال الشرطة والقوات المسلحة ورجال القضاء أن يشاركوا فى الانتخابات، لذا فإن لوم موظفى الدولة على مشاركتهم فى الحياة السياسية فى غير محله ويمثل ضعفا للسلطة.

■ خبير سياسى واستراتيجى