رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«العائدون.. الزاوية الخفية في ملف مكافحة الإرهاب» دراسة جديدة للمرصد المصري

مكافحة الإرهاب
مكافحة الإرهاب

أصدر المركز المصري، التابع للمركز المصري للفكر والدراسات السياسية والاستراتيجية، دراسة بعنوان، "العائدون.. الزاوية الخفية في ملف مكافحة الإرهاب"، للباحث محمد منصور، والتي تطرقت لعدة محاور، حول مصطلح "مكافحة الإرهاب” في أذهان الكثيرين، بالجهد الأمني والعسكري المباشر، الموجه ضد المجموعات والعناصر الإرهابية، فمكافحة الإرهاب لها زاوية مستترة لا تقل أهمية عن الزاوية المعلنة، ألا وهي التعامل مع ملف “العائدون” والذي يقصد به مواجهة خطر العناصر الإرهابية العائدة إلى بلدانها الأصلية، من المناطق والدول التي تشهد أنشطة إرهابية رئيسية وهي زاوية مهمة للغاية تصيدتها الأجهزة الأمنية المصرية بشكل ساهم بشكل فعال في تمكين الدولة المصرية من تنفيذ الاستراتيجية الشاملة لمكافحة الإرهاب، وتجنيب البلاد مخاطر أمنية وداخلية جمة.

وأوضحت الدراسة، أنه تم تسليط الأضواء عليها ضمن دراما رمضان لهذا العام، عبر مسلسل “العائدون”، الذي يتناول بشكل مركز ملف المقاتلين الأجانب الذين انضموا لتنظيم “داعش” الإرهابي، في مناطق سيطرته بالعراق وسوريا، خاصة في الفترة بين عامي 2018 و2020، وطبيعة أدوار ومهام هؤلاء بعد عودتهم إلى بلدانهم الأصلية، وكيفية تعامل الأجهزة الأمنية مع المخاطر التي يشكلها هؤلاء، وهو التعامل الذي اتخذ عدة أنساق منها ما كان على الأراضي المصرية، ومنها ما كان على شكل مهام خارجية خاصة.

وأشارت الدراسة، إلى أنه  شهد شهر رمضان الماضي بث مسلسل “القاهرة – كابول”، الذي عرض لمرحلة مهمة من مراحل مواجهة الدولة المصرية مع “العائدون” من المناطق والدول التي تشهد أنشطة إرهابية أو ميليشياوية، وهي مرحلة تم تأطيرها بعدة قضايا شهيرة عرفت إعلاميًا باسم “العائدون من أفغانستان” و”العائدون من ألبانيا” و”العائدون من السودان”. بشكل عام، تمت تحركات “العائدون” إلى مصر في فترة تسعينيات القرن الماضي، على مرحلتين رئيسيتين، الأولى أوائل التسعينيات، وفيها عاد إلى مصر بعض المقاتلين المنتمين عقائديًا لتنظيمات جهادية، بعد أن قاتلوا القوات السوفيتية في أفغانستان خلال حقبة الثمانينيات، وانتمى معظم هؤلاء لتنظيمي “الجهاد” و”الجماعة الإسلامية”، بجانب جماعة الإخوان. 

عقب عودة هؤلاء إلى مصر، انخرطوا في تنظيمات إرهابية استهدفت الدولة المصرية ومؤسساتها خلال حقبة التسعينيات، مستغلين في ذلك الخبرات القتالية التي تحصلوا عليها خلال القتال في أفغانستان.

وتطرقت الدراسة، إلى أبرز القيادات الإرهابية التي تولت قيادة أنشطة العناصر العائدة إلى مصر من أفغانستان، محمد شوقي الإسلامبولي ومصطفى حمزة ورفاعي أحمد طه وعثمان خالد إبراهيم، وجميعهم كانوا في الأصل من منتسبي تنظيم “الجهاد”، وكانوا ضمن المتهمين الرئيسيين في القضية المعروفة باسم “العائدون من أفغانستان”، خاصة رفاعي طه، الذي كان مسؤولًا عن تشكيل “مجلس شورى الجماعة الإسلامية” في أفغانستان، وظل مسؤولًا عن أنشطة الجماعة في الخارج، إلى أن تم القبض عليه في سوريا، عبر تعاون استخباراتي مشترك بين القاهرة ودمشق والخرطوم، ومن ثم تم تحييد أدوار عدد كبير من العائدين من أفغانستان، عام 1993، بعد اعتقال مئات منهم ضمن القضية المعروفة باسم “تنظيم طلائع الفتح”.

وجاءت المرحلة الثانية من مراحل انتقال العائدون إلى مصر كانت في الفترة بين منتصف وأواخر التسعينيات، وتضمنت عودة بعض المقاتلين من البلقان والسودان وألبانيا. 

فخلال الحرب في البوسنة والهرسك، قاتل في البوسنة عشرات المقاتلين المنتمين للتنظيمات الجهادية المصرية المختلفة، وعادوا بعد انتهاء المعارك هناك إلى مصر، وانضم إليهم هناك أعداد أخرى من المتطرفين المنتمين للفكر الجهادي، كانوا يتواجدون ضمن عدة دول عربية وآسيوية، مثل الشيشان والمملكة العربية السعودية واليمن والكويت، بجانب ألبانيا، التي تم فيها عام 1998 اعتقال أحمد إبراهيم السيد النجار أحد أبرز المتورطين في هذه القضية، والذي تولى الإشراف على محطة تنظيم الجهاد في اليمن وكذلك إحدى لجان التنظيم وهي لجنة “التنظيم المدني”.

وأشارت الدراسة إلي أنه حقبة أواخر الثمانينيات وبداية ومنتصف التسعينيات الأقسى على مصر فيما يتعلق بالأنشطة الإرهابية التي نفذتها العناصر العائدة من الخارج، والتي أطلقت موجة أساسية من الموجات الإرهابية، شملت محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري زكى بدر عام 1989، واغتيال رئيس مجلس الشعب الدكتور رفعت المحجوب عام 1990 ومحاولة اغتيال وزيري الداخلية حسن الألفي والإعلام صفوت الشريف عام 1993، ومحاولة اغتيال رئيس الوزراء عاطف صدقي عام 1993، واغتيال اللواء رؤوف خيرت مساعد مدير مباحث أمن الدولة عام 1994، بجانب عدة عمليات إرهابية تمت عام 1995، منها اغتيال الملحق الدبلوماسي المصري في سويسرا أحمد علاء نظمي، ومحاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسني مبارك في إثيوبيا، وتفجير السفارة المصرية بإسلام آباد.

وأوضحت الدراسة أنه انتهت هذه السلسلة من العمليات الإرهابية بشكل شبه كامل عقب الهجوم الإرهابي على السائحين في مدينة الأقصر عام 1997، حيث أجبرت الضربات الأمنية المتلاحقة، والتي شملت القيادات الرئيسة للتنظيمات الجهادية المصرية، في إجبار تلك التنظيمات على إعلان “مبادرة وقف العنف”، التي تلتها مجموعة من المراجعات الفقهية، قامت بها تلك القيادات داخل السجون وأعلنت عنها عام 2002، وهنا لابد من الإشارة، إلى أن عددًا من قيادات الجماعات الجهادية المصرية التي انخرطت في هذه المرحلة السالف ذكرها بعد عودتها من الخارج، تم الإفراج عنهم من السجون عام 2012 بموجب عفو رئاسي أصدره الرئيس المعزول محمد مرسي، من بينهم مصطفى حمزة، مسؤول الجناح المسلح في الجماعة الإسلامية، والذي تولى إدارة معسكرات التدريب التابعة للجماعة في أفغانستان.

 

العودة من العراق وسوريا.. الحقبة الجديدة للعائدين

وأشارت الدراسة إلي أنه شهد العقد الأول من الألفية الجديدة، مرحلة جديدة لظاهرة “العائدون”، كان بطلها المقاتلين الجهاديين الذين قاتلوا القوات الأمريكية في العراق، ضمن تشكيلات تنظيم “القاعدة” وتنظيم “التوحيد والجهاد”. عاد بعض هؤلاء إلى مصر منذ أوائل عام 2004، وشكلوا خلايا عنقودية محدودة العدد، نفذت على مدار الفترة بين شهر أكتوبر 2004 وفبراير 2009، سلسلة من التفجيرات التي استهدفت القطاع السياحي في مصر، وهذه المرحلة شملت أيضًا عودة بعض أعضاء تنظيم القاعدة إلى مصر من دول مثل اليمن، لكن تمكنت أجهزة الأمن بحلول عام 2009، من إنهاء المخاطر التي مثلها هؤلاء على الداخل المصري، وتمكنت أيضًا من تغيير فكر وتوجهات بعض قيادات التنظيمات التكفيرية، مثل مفتي تنظيم القاعدة “سيد إمام”، الذي بدأ في نفس العام، بعد ترحيله من اليمن، مراجعات فقهية وفكرية.

وتطرقت إلى العقد الثاني من الألفية الجديدة، شهد تطورا لافتا في طبيعة وتشكيل تدفقات العائدين من التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، بظهور تنظيم “داعش” وسيطرته عام 2014 على مساحات كبيرة من سوريا والعراق، فقد استقطب هذا التنظيم كل من يعتنق الأفكار الجهادية، وأسس خلايا “الأجانب والمهاجرين”، والتي يتم فيها تجميع المقاتلين القادمين من خارج سوريا والعراق، ضمن مسؤولية ما يعرف بـ “إدارة الوافدين”. 

وأكدت الدراسة أن الوعي الأمني المصري بالمخاطر التي تشكلها العناصر الإرهابية العائدة إلى مصر، كان حصيلة الخبرة المصرية في التعامل مع هذا الخطر الأمني خلال تسعينيات القرن الماضي، لذا بدأت الأجهزة الأمنية المصرية في اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة هذا الخطر، فمنذ عام 2014، الذي شددت مصر فيه إجراءات السفر للخارج، لوقف محاولات بعض العناصر المتطرفة السفر للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، وفرضت على المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 40 سنة الحصولَ على موافقات أمنية مسبقة قبل السفر إلى دول مثل تركيا والعراق وسوريا، وتم تعزيز هذه الإجراءات عام 2017، عبر فرض إجراءات جديدة على دخول المواطنين إلى سيناء، تشترط وجود إثباتات أمنية أكبر حول الشخص الداخل إلى سيناء، ما يساعد على سرعة تحديد هوية الوافدين لسيناء، وتحجيم محاولات العناصر الإرهابية الوافدة من الخارج الدخول إلى سيناء لتنفيذ عمليات إرهابية هناك. هذه الإجراءات ترافقت مع دفع وزارتي الداخلية والدفاع، لمزيد من التعزيزات العسكرية إلى النطاقات الحدودية كافة، مدعمة بوسائط المراقبة الإلكترونية، وزيادة عدد الطلعات الجوية لتأمين الحدود ومراقبتها، ما ساهم بشكل فعال في إنهاء أية مخاطر قد تشكلها العناصر الإرهابية الوافدة من الخارج.

واختتمت الدراسة.. أنه بالعودة إلى مسلسل “العائدون”، يمكن القول، إن أحداث الحلقات التي تم بثها منه حتى الآن، أشارت إلى جوانب متعددة في الاستراتيجية الأمنية المصرية لمكافحة الإرهاب ومخاطر العناصر الإرهابية العائدة من الخارج، والتي تشمل تكتيكات استباقية تتضمن اختراق التنظيمات الإرهابية في مواقع نفوذها في العراق وسوريا، سواء عبر عناصر متعاونة مع الأجهزة الأمنية المصرية، أو إدامة التواصل والتعاون الأمني والاستخباراتي مع أجهزة الأمن الوطنية في الدول العربية الشقيقة، مما يساهم في تطوير القدرة الذاتية المصرية على المستوى المعلوماتي واللوجيستي، على تتبع تحركات العناصر الإرهابية المصرية الجنسية في هذه الدول، وترقب وصولها إلى الأراضي المصرية، ومحاصرة أية محاولات من جانب هذه العناصر لنشر أفكارها المتطرفة أو استئناف أنشطتها الإرهابية، وهي استراتيجية أدت – بجانب استراتيجيات أخرى ضمن التجربة المصرية لمكافحة الإرهاب – إلى تمكن الدولة المصرية خلال سنوات قليلة، من تحجيم وإنهاء مخاطر الإرهاب التكفيري، ومن ضمنها ما يمكن أن تمثله العناصر العائدة من الخارج من تهديدات أمنية ومجتمعية.