رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سنكسار الكنيسة: الأنبا صرابامون أبو طرحة كان يشفى مسلمين ومسيحيين

الكنيسة
الكنيسة

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة قداسة البابا الأنبا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، اليوم، بتذكار نياحة القديس صرابامون أبو طرحة.

وقال كتاب التاريخ الكنسي المعروف باسم "السنكسار"، الذي تُتلى فصوله على مسامع الأقباط خلال القداس الإلهي والذي يحتوى على كل الأحداث الكنسية إنه كان الطوباوي العظيم والقديس الكبير أنبا صرابامون مطران المنوفية الشهير بأبي طرحه من أشهر الأساقفة التي قام برسامتهم البابا بطرس السابع البطريرك الـ109، وقد منحه الله موهبة شفاء المرضى وإخراج الأرواح النجسة.

في أثناء وجوده في الأسقفية عمل عجائب كثيرة، منها إخراج الشياطين، وشفاء المرضى بكل بلدة يحل فيها، مسلمون ونصارى، وقد شاهده كثيرا القمص سيداروس روفائيل عم القمص سيداروس إسحق مؤسس كنيسة المطرانية بشبين الكوم فقال: "كان يؤتي إليه بالمصابين بالأرواح النجسة، ويضعونهم أمامه وخلفه، فكان يأخذ بيده قلة ماء، ويتلو على كل واحد منهم مزمور "خاصم يارب مخاصمي".

فلا يفرغ من قراءة ربعه، أو نصفه حتى يصرخ الروح النجس بحالة إزعاج شديد "في عرضك في عرضك"، فيقول بلغته الصعيدية "همله يا أبوي". ثم يصب جانبا من ماء القلة، ويرش به المصاب في وجهه ثلاث مرات، وفى كل مرة يقول إيسوس بي إخرستوس "يسوع المسيح".

 ففي الحال يخرج الروح النجس. وذات مرة كان بالبتانون في أيام القمص منصور فرج، وعند زيارة البلدة سأل القمص منصور فرج، وكان الأسقف لا يميل إلى خلفة البنات، "عندكش وليدات اليوم يا أبوي منصور"؟ فأجابه "عندي بنت" فقال: "بنت كبه". وقبل أن يفارق الأسقف البلدة ماتت البنت. وتكرر هذا في زيارة ثانية. ثم أعطاه الله بنتا ثالثة.

وعند ذهابه إلى مصر ذهب القمص منصور لزيارته، وكان يصلى في كنيسة حارة زويلة، فسأله الأسقف "عندكش وليدات فأجابه القمص بحزن وصعوبة" ما باقولش يا أخوي "قال الأسقف" ليه يا أبوي "أجابه" أقول تقولي كبه وأنا في احتياج لظفر بنت. الله يجيب وأنت تودي . قال له الأسقف  ما عدتش أقول يا أبوي" وأوقفه أمام الهيكل وقال "يا يسوع الناصري ولدين لأبوي منصور . وأجاب الله طلب الأسقف وخلف أربعة أولاد هم القمص منصور خليفته وفرج رئيس حسابات المديرية وتوما الذي توظف بالمديرية ومرقس . كما يذكر تاريخه عجائب وتصرفات حكيمة وقد كتبت هذه فقط علي سبيل المثال.

وقد أجرى الله عجائب كثيرة على يدي البابا بطرس السابع، أشهرها حادثة وفاء النيل فقد حدث أن النيل لم يف بمقداره المعتاد لإرواء البلاد في إحدى السنين، فخاف الناس من وطأة الغلاء وشدة الجوع إذا أجدبت الأرض، واستعانوا بالباشا طالبين منه أن يأمر برفع الأدعية والصلوات إلى الله تعالي لكي يبارك مياه النيل ويزيدها فيضانا حتى تروي الأراضي فتأتي بالثمار الطيبة ولا تقع المجاعة على الناس فاستدعي البابا بطرس السابع رجال الإكليروس وجماعة الأساقفة وخرج بهم إلى شاطئ النهر واحتفل بتقديم سر الشكر وبعد إتمام الصلاة غسل أواني الخدمة المقدسة من ماء النهر وطرح الماء مع قربانة البركة في النهر فعجت أمواجه واضطرب ماؤه وفاض فأسرع تلاميذ البابا إلى رفع أدوات الاحتفال خشية الغرق فعظمت منزلة البطريرك لدي الباشا وقربه إليه وكرم رجال أمته وزادهم حظوة ونعمة.

ومن هذه العجائب المدهشة أيضا حادثة النور في القدس الشريف، فقد حدث أن الأمير إبراهيم باشا نجل محمد علي باشا بعد أن فتح بيت المقدس والشام سنة 1832 م أنه دعا البابا بطرس السابع لزيارة القدس الشريف ومباشرة خدمة ظهور النور في يوم سبت الفرح من قبر السيد المسيح بأورشليم كما يفعل بطاركة الروم في كل سنة، فلبي البابا الدعوة ولما وصل فلسطين قوبل بكل حفاوة وإكرام ودخل مدينة القدس بموكب كبير واحتفال فخم اشترك فيه الوالي والحكام ورؤساء الطوائف المسيحية.

ولما رأي بحكمته أن انفراده بالخدمة على القبر المقدس يترتب عليه عداوة بين القبط والروم اعتذر للباشا لإعفائه من هذه الخدمة فطلب إليه أن يشترك مع بطريرك الروم- علي أن يكون هو ثالثهم؛ لأنه كان يرتاب في حقيقة النور. وفي يوم سبت النور غصت كنيسة القيامة بالجماهير حتى ضاقت بالمصلين فأمر الباشا بإخراج الشعب خارجا بالفناء الكبير. ولما حان وقت الصلاة دخل البطريركان مع الباشا إلى القبر المقدس وبدأت الصلاة المعتادة. وفي الوقت المعين انبثق النور من القبر بحالة ارتعب منها الباشا وصار في حالة ذهول فأسعفه البابا بطرس حتى أفاق. أما الشعب الذي في الخارج فكانوا أسعد حظا ممن كانوا بداخل الكنيسة فان أحد أعمدة باب القيامة الغربي انشق وظهر لهم منه النور، وقد زادت هذه الحادثة مركز البابا بطرس هيبة واحتراما لدي الباشا وقام قداسته بإصلاحات كبيرة في كنيسة القيامة.

وفي أيام هذا البابا أراد محمد علي باشا ضم الكنيسة القبطية إلى كنيسة روما بناء علي سعي أحد قادته البابويين، وذلك مقابل خدمات القادة والعلماء الفرنسيين الذين عاونوا محمد علي باشا في تنظيم المملكة المصرية. فاستدعي الباشا المعلم غالي وابنه وابنه باسيليوس وعرض عليهما الموضوع فأجابا الباشا بأنه سيترتب علي هذا الضم ثورات وقلاقل بين أفراد الآمة القبطية وحقنا للدماء وتشجيعا لأمر الضم. سيعتنق هو وأولاده المذهب البابوي بشرط ألا يكرهوا على تغيير طقوسهم وعوائدهم الشرقية فقبل الباشا منهما هذا الحل وأعلنا بناء على ذلك اعتناقهما المذهب البابوي. ولم ينضم إليهما سوي بعض الاتباع واستمروا جميعا مع ذلك يمارسون العبادة في الكنائس القبطية.

وفي أيامه نبغ بين رهبان القديس أنطونيوس الراهب داود وتولي رئاسة الدير فظهرت ثمرات أعماله في تنظيم الدير وترقية حال رهبانه فاختار البابا بطرس- لفرط ذكائه وحسن تدبيره- في مهمة كنيسة في بلاد إثيوبيا فأحسن القيام بها وكانت عودته لمصر بعد نياحة البابا بطرس.

ومما يخلد ذكر البابا بطرس أن إمبراطور روسيا أوفد إليه أحد أفراد عائلته ليعرض عليه وضع الكنيسة تحت حماية القيصر فرفض العرض بلباقة قائلا: أنه يفضل أن يكون حامي الكنيسة هو راعيها الحقيقي. الملك الذي لا يموت فأعجب الأمير بقوة إيمان البابا وقدم له كل إكرام وخضوع وتزود من بركته وأنصرف من حضرته مقرا بأنه حقيقة الخليفة الصالح للملك الأبدي المسيح الفادي.

ولما أتم هذا البابا رسالته وأكمل سعيه تنيح بسلام وصلوا عليه باحتفال عظيم في يوم إثنين البصخة اشترك فيه رؤساء الطوائف المسيحية بالكنيسة المرقسية بالأزبكية ودفن بها بجانب البابا مرقس سلفه ومعهما الأنبا صرابامون أسقف المنوفية في الجهة الشرقية القبلية من الكاتدرائية الكبرى بالأزبكية.

وأقام على الكرسي البطريركي 42 سنة و3 أشهر و12 يوما وخلي الكرسي بعده سنة واحدة و12 يومًا.