رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحاكم بأمر الله.. مسجد يحمل لغز صاحبه

مسجد الحاكم بأمر
مسجد الحاكم بأمر الله

ما أن تسير في شوارع القاهرة الفاطمية، تجد نفسك قد عدت بالتاريخ لأكثر من ألف عام، ما بين مساجد متقاربة المسافات وقبب شيدت في عصور مختلفة، تجده واقفًا يخطف الأبصار بمجرد أن تقترب منه، مئذنتاه من أشهر معالم شارع المعز، يبلغ من العمر أكثر من 1000 عام، مساحته تصل لقرابة 13 ألف متر مربع، هو مسجد الحاكم بأمر الله الفاطمي، واحد من 4 أقدم مساجد جامعة في مصر القديمة.

 يعرف مسجد الحاكم بأمر الله بهذا الاسم نسبة إلى سادس حكام الدولة الفاطمية، المنصور بن العزيز بالله نزار معد بن المنصور إسماعيل بن عبيد الله المهدي، والذي أكمل البناء بعد والده ونسب المسجد إليه. في العام 379 هجرية /989 ميلادية، رأى العزيز بالله خامس خلفاء الدولة الفاطمية، أن هناك ضرورة لإنشاء مسجد جامع جديد لسببين الاول هو تخليد ذكراه ضمن بناة المساجد الجامعة في مصر، والثاني أن الثلاث مساجد الجامعة في مصر وهي جامع عمرو بن العاص في الفسطاط، وجامع أحمد بن طولون في القطائع، والجامع الأزهر، لم تعد كافية وأن زيادة عدد السكان يحتاج لمسجد جامع لتخفيف الضغط على الثلاث الآخرين، لكنه توفى قبل أن يكتمل بناؤه.

واستكمل نجله الحاكم بأمر الله بناء المسجد، عقب توليه الحكم خلفًا لأبيه، لينتهي البناء في عام 403 هجرية/1013 ميلادية، ويقترب المسجد من باب الفتوح ووكالة قايتباي من ناحية، ويطل على شارع المعز من ناحية أخرى، وأمر الحاكم بأمر الله بتحويل المسجد إلى جامع يدرس فيه الفقه، ليساعد الجامع الأزهر على استيعاب طلاب علوم الفقه والمصلين. 

أمر الحاكم بأمر الله المنصور بن العزيز بالله بأن يسمي المسجد باسمه رغم أن بداية تأسيسه في عهد والده، وهي من بين أمور أخرى غريبة كانت تحدث في عهده مثل تحريم أكل الملوخية، وأمره أن يعمل الناس في الليل و يلزمون منازلهم في النهار. 

يعد مسجد الحاكم بأمر الله أحد أهم المزارات التي يقصدها الشيعة القادمين من خارج مصر خلال زياراتهم للقاهرة، خاصة طائفة البهرة الهندية، التي أنفقت عشرات الملايين لتجديد المسجد، وهي طائفة من طوائف الشيعة الاسماعيلية التي تعترف بالإمام أحمد المستعلي، ضد اخيه نزار المصطفى لدين الله، وذلك بعد وفاة والدهما الخليفة المستنصر بالله الفاطمي، والذي أعطى الولاية لنجله المستعلي لخلافته، ونشب الخلاف بين الأخوين، وانتهى الأمر بهزيمة الدولة الفاطمية من خلال صلاح الدين الأيوبي، لينتشر البهرة في عدد من دول العالم منها الهند واليمن، وهي كلمة مأخوذة من بهرة، والتي تعني باللغة الهندية التجار، فقد انشغلوا بالتجارة تاركين أمور السياسة خلفهم. 

وفي عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات تكفلت طائفة البهرة بترميم مسجد الحاكم بأمر الله بالكامل، ويرجع اهتمام البهرة بمسجد الحاكم بأمر الله تحديدًا لاعتقادهم بأن المهدي المنتظر سيظهر من داخل أحد آبار مسجد الحاكم بأمر الله. 

ويعتبر بعض ابناء ذات الطائفة الحاكم بأمر الله أنه هو المهدي المنتظر، وأنه لم يختفي في جبل المقطم كما يشاع عنه في عام 411 هجرية /1021 ميلادية، فقد خرج في تلك الليلة، راكبًا حماره كما كان يعتاد الذهاب إلى خلوته التي بنيت له خصيصًا في جبل المقطم، لكنه لم يعد ولم يعثر على جثمانه، وإنما عاد حماره فقط، ولذلك فيعتقد قطاع من طائفة البهرة، أنه اختفى في آبار مسجد الحاكم بأمر الله، وأنه هو المهدي المنتظر وسيعود من آبار المسجد. 

ويقيم بعض أبناء الطائفة الموجودين في مصر بفنادق قريبة من المسجد، بمنطقة الجمالية، ويجتمعون بصحن المسجد بين صلاتي المغرب والعشاء كل خميس للذكر والتعبد، ويتميز زيهم بالجلباب الأبيض قصير الطول أسفله بنطال أبيض، وكذلك طاقية بيضاء.