رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كتاب الفلورز ظاهرة مصنوعة وليست أصيلة

سيد الوكيل: أغلب النقاد الأكاديميين سجناء طبيعة مهنتهم

الروائي والناقد سيد
الروائي والناقد سيد الوكيل

يساهم الروائي والقاص سيد الوكيل بشكل عملي في توطيد العلاقة بين النقاد والمبدعين في المشهد الثقافي المصري وأمتد الأمر بخطوات جادة لمسافات ابعد وخارج حدود المشهد الإبداعي ليشكل ما يمكن أن نسميه  بدايات لحركة نقدية تضم عددا من النقاد المصريين والعرب، وبالإشتباك النقدي المستمرمع نصوص لمختلف الإجيال عبر "مدونته “صدى.. ذاكرة القصة المصرية”،  يحدثنا عن الكتب والمكتبة وقراءته، والنقد، وسر غياب حركة نقدية مصرية، الظواهر المصنوعة في الكتابة العربية في الحوار التالي :

ماأهم الكتب التي لا تفارق مكتبتك ؟

عادة استغني عن جزء من مكتبتي كل عام، كتب أعرف أنني انتهيت منها ولن احتاجها، ولأن العمر لم يبق فيه سوى القليل، أتبرع بها، أصبحت هذه الممارسة ضرورية بسبب إمكانية القراءة من خلال الإنترنت، لهذا فإن ما احتفظ به من كتب لا يعني قيمتها المعرفية فحسب، ولكن هناك بعض الكتب ارتبطتُ بها نفسيا أو عاطفيا، مثلا كتاب من صديق عزيز توفاه الله، كتاب ترك أثرا في وعيي وتطوري فأشعر بالإمتنان له.. أو رواية "لا تولد قبيحا" لرجاء عليش الذي كان موته حدثا أثار ضجيجا في الوسط الأدبي.

 عادة احتفظ بكل أعمال نجيب محفوظ، وبشكل خاص احتفظ بنسخة من رواية "فضيحة في القاهرة" ،  وهي نسخة نادرة لرواية "القاهرة الجديدة " وترتبط بحكاية بين  يوسف السباعي ومحفوظ  الذي لم يرض عن فضيحة في القاهرة، ورواية البومة العمياء لصادق هدايت

أهم 5 أعمال روائية وشعرية وقصصية ترجع إليها من وقت لاخر؟

هناك كتب ذات طابع موسوعي أرجع إليها كثيرا عندما ابدأ في كتابة موضوع نقدى منها ( نظرية الأدب لرينيه ويليك،  الفن المصري القديم لثروت عكاشة، واسترتيجية المكان لمصطفى الضبع ) الرجوع لهذه الكتب مرتبط بالكتات النقدية، لكنى اتجنب الرجوع إلى أعمال إبداعية عند كتابة السرد، فهذا لن يفيدني لأن لي طريقت الخاصة في السرد. ومع ذلك لا مفر من الرجوع إلى أعمال إبداعية لكتاب اتناولهم نقديا، ففي كتابي الأخير ( السرد وأسرارة ) أعدت قراءة إبراهيم أصلان، وأمين ريان، وبهاءطاهرـ ومحمد المخزنجي، وخيري عبد الجواد، وسعيد الكفراوي، وصبري موسى.بل وسيد البحراوي.

من كاتبك الروائي المفضل من جيل الشباب ، ومن الكبار والراحلين ؟

نجيب محفوظ، ومن الجيل الوسط : ضحى عاصي، أشرف عبد الشافي، محمد صالح البحر، عزت القمحاوي، أما الشباب فمن الصعب المفاضلة بينهم، فهم كثر، وتجاربهم لم تكتمل بعد، لكني ألاحظ شبابا مميزين منهم: على قطب، أشرف التعلبي، أشرف الخضري، محمد حسني عليوة.

ماذا عن قراءتك  في أدب الرعب الحديث ؟

أنا من جيل تربي على الواقعية، وأحدثنا نقلة مهمة لننأى بالواقعية عن وجهات النظر المؤدلجة، وأفادنا من عنصر الخيال جيدا، ولكننا لم نحلق به بعيداـ فالواقع هو موضوع الإنسان. وقد قرأت بعض روايات الرعب ولكنها لم تسكن ذائقتي، فأكثرها متشابه، وتتشابه مع أفلام الأكشن الأمريكية. لكن أسلم بأنه هذا الصنف من الروايات ضرورة في مراحل نمونا الأولى، فله فضل في تنمية الخيال، وفي صباي، قرأت الكثير من أدجار آلان بو، وأجاثا كريستي ، وأرثر كونان دويل وغيرهم من كتاب روايات اللغز المفعمة بالخيال، ومازالت تعلق بذاكرتي رواية شبح الأوبرا.

متى تلجأ إلى قراءة البي دي اف ؟

أنا قاريء نهم.. فقد فاتنا كثير من الأعمال العظيمة نتيجة لنقص الترجمة،  أو انعدام القدرة المالية على شراء مجمل أعمال مهمة مثل الصخب والعنف والزمن المفقود، وعوليس جيمس جويس.. الإنترنت يتيح لنا الآن فرصة  للأفمام بتاريخ الأدب العالمي. والطريقة المثلي لاختيار كتاب للقراءة، بأن اختار كاتبا لم اقرأ لهم قبل، الكثير منها يجعلني لا اقرأ له ثانية، فعندما قرات لبابلو كويلهو، أليف شفاق قررت ألا اقرأ لهما مرة أخرى.. 

هل النشر أصبح للكتاب "ذوي الفولورز"؟

الفلورزمثل الترند ظاهرة تسويقية مصنوعة وليست أصيلة،  تحقق انتشارا سريعا، تماما مثل البراند في الملابس أو الأحذية وتنتهي سريعا أيضا بظهور كاتب يحظى بلفلور آخر، تستبدل الأثر التاريخي لكتاب ما بآخر عابر وافتراضي. وظني لو اتبعت الفلورز واقتنيت كتبها فأول ما سأحرقة من مكتبتي ستكون هي. 

هل هناك فجوة بين النقد والإبداع؟

الموقف النقدي يتداعى، ويتحول إلى متابعات يتنافس فيها الكتاب من باب أكل العيش. وحينما ننظر إلى المشهد النقدي نجده يتحرك في اتجاهين وهما اتجاه صحفي وإعلامي ملتزم بشروط المهنة، ليبدو مجرد عرض أو تعريف أو تلميع لكاتب ما،  ولا ألوم الصحفي في ذلك فليس لدية وقت لقراءة المشهد الأدبي في مجمله للوقوف على مناطق الاختلاف والتمايز فيه، ومن ثم تكون كل المتابعات الصحفية متشابهة .

 

الاتجاه الثاني مهني أيضا، فأغلب النقاد الأكايميين سجناء طبيعة مهنتهم كأساتذة يدرسون الأدب ولا يخرجون من تلاميذ أدباء، فقط يدرسون القواعد المعتمدة للأدب وفق نظريا تآكلت أصلا.. هناك قلة محدودة جدا من النقاد أفلتت من هذين المأزقين، ولكن لكونها لا تملك صفحة في جريدة، ولا وظيفة في أكاديمية، فهي غير مطلوبة في سوق العمل النقدي، ولا حتى في لجان تحكيم الجوائز التي يسيطر عليها نقاد الاتجاهين الصحفي والأكاديمي. لك مثالا أدهشني، فاثناء حفل توريع جائزة كبرى في القصة القصيرة، وجدت محكميها ( صحفيان، وأكاديميان ) لم يكتب أحدهما قصة واحدة في حياته...وربما لم يقرأ سوى نظرة يوسف إدريس في المرحلة الثانوية.

 

هل تقرأ كتب معنية بالفلسفة وعلم النفس والأقتصاد؟

في المستقبل لا مجال للإبداع بعيدا عن المعرفة والمعلوماتية، لذا اقرأ في الفلسفة وعلم النفس، بوصفها معارف، وفي علوم حديثة مثل الفيزياء والفضاء، الأيكولوجيا، بوصفها معلومات توقفنا على طبيعة وجودنا البشري،  فضلا عن متابعاتي لنظريات الأدب الحديث، الذي يغازال الكتابة الرقمية على استحياء الآن، ولكن سيكون جزءا منها،واعتقد أن الفن السابع (السينما ) ستلتهم كل الفنون القديمة، كما أن الثقافة الشعبية ستلتهم ثقافات النخب .

ماهي أبرز كتب السيرة الذاتية والغيرية التي قرأتها في الفترة الأخيرة ؟

أبرز أعمال السيرة الذاتية هي تقرير لجريكو لنيكوس كازانتزاكيس، والغيرية فهما روايتي ( فوق الحياة قليلا والحالة دايت )

ما فيلمك المفضل ولماذا؟

فيلم فورست جامب لتوم هانكس. من أفضل الأفلام التي علقت بذاكرتي، إنه لا يحمل حبكة جاهزة، ولا حكاية مشوقة، ومع ذلك فهو متنوع في رسائلة السياسية والإنسانية والجمالية بين الكوميديا والتراجيديا بشكل مدهش. إنه لا يمهلك لحظة أن تفكر بعيدا عنه. ولا سيما ذلك المشهد الذي جرى فيه فورست بعد وفاة أمه ليبدو صرخة اجتجاج ضد القدر.       

 

كيف ترى الأجيال الجديدة من الكتاب الشباب ؟ 

بسب سطوة التكنولجيا، فالأدب يمر بمرحلة انتقالية من الصعب التكهن بمستقبلها، لكني أراه منذرا بنهاية الأدب بوصفه آخر فنون الكتابة بما ينذر بأنها ستصبح ماضيا تراثيا شأن الفنون الشفوية قبل ابتكار الكتابة من سير شعبية،وأساطير وملاحم. ومع ذلك، فقد نجح الشعر في أن ينتقل من عصر الشفاهة إلى عصر التدوين فتعاظمت قيمته، ولكن هل يمكنه أن يدخل عصر الرقمية وهيمنة الصورة عليه؟ وكيف ستكون ماهيته لو حدث؟ لاحظ أن الشعر بدأ في الانسحاب من المشهد الأدبي بعد أن كان في صدارته. باختصار.. أنا غير مطمئن لمستقبل الأدب المكتوب، وأرى أن السينما تضعه في مأزق. لاحظ -مثلا - في بدايات القرن العشرين كانت الروايات العالمية تتحول إلى أفلام، والآن بدأنا بتحويل الأفلام إلى روايات.. تلك ظاهرة تحتاج تأمل وتفسير قبل أن تصبح واقعا. 

هل المشهد الثقافي به وجوه يمكن أن نراهن عليها؟

ثمة أدباء شباب واعدين، بفضل موهبتهم ودرجة حساسيتهم في تشكيل النص، وخبراتهم الكتابية والقرائية. لكنهم قلة، أما الغالبية العظمى من النصوص الشابة تكتفي بوصفات من ورش الكتابة، فالكم الهائل من الرواية التاريخية مثلا، يتشابه ويكرر في موضوعاته ( المماليك - المورسكيين ) خضوعا للموضة ( الترند ) وهوس الجوائز. ونفس الأمر نجده في روايات الخيال العلمي، والرعب، بدعوى الفانتازيا. وكلاهما مستعار من السينما الأمريكية. لكن الملاحظة التي أراقبها، هي أن الأنثى أكثر اقترابا من الواقع في نصوصها، وتمثل مشاعرها، وتعكس هويتها، بمنأي عن كتابات الموضة. الأدب يدخل في نفق المحاكاة، وليس الخلق، لكن ليس محاكاة الواقع بل محاكاة أعمال حظيت بالشهرة، مثل قواعد العشق الأربعين، و1984 لحورج أورويل ... وهكذا 

 الإبداع طاقة داخلية اقرب إلى جين وراثي، وليس علما، بدليل أن كليات الآداب وأقسام الفلسفة تخرج كل عام آلاف الطلبة، ولا تجد بينهم فليسوفا واحدا، ولا أديبا. ولكن أن تكون مبدعا مشهورا حلم قطاع كبير من الشباب. تماما مثل أن تكون لاعب كرة قدم، أو ممثلا.. إنه هوس النجومية التي يحققونها على الواقع الافتراضي ولا يكون لها أي صدى في الواقع المعيش، لهذا فتظل كتاباتهم محصورة في أنماط مستعارة.

 وماذا عن النقد ومستقبله في مصر ولماذا لا يمكن الإشاره إلى حركة نقديه مصرية؟

النقد هو الوجه الآخر للإبداع، متأثر بتطوره وحركيته. إنه موهبة أخرى تحتاج قدرة على التحليل والاستنباط، ذائقة متميزة في قراءة  العلامات، وما بين السطور، والمسكوت عنه في النص. المتخرجين من أقسام النقد، يمكنهم أن يكونوا مدرسين جيدين لتلاميذهم، ويملكون أدوات نقدية ونظرية تمكنهم من النقد الوصفي.