رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عماد على عبدالحافظ يكتب: الإخوان وشهادتهم المجروحة فى قضايا الوطن

عماد علي عبدالحافظ
عماد علي عبدالحافظ

يواجه المجتمع اليوم عددًا من التحديات والمشكلات على المستوى الداخلي والخارجي والتي يساعد تجاوزها على انتقاله إلى حالة أكثر استقرارًا وإنجازًا، وفي مثل هذه الظروف يكون المجتمع في أشد الحاجة إلى التكاتف من جميع مكوناته وإلى الاستفادة من كل الطاقات الموجودة، كما يحتاج إلى جميع الأصوات المتعددة التي تعبر عن أطياف المجتمع وتياراته الفكرية وفئاته الاجتماعية وتنطلق من منطلقات وطنية وتعمل على تحقيق المصلحة العامة، فهذا الأمر يخلق حالة من الثراء والتوازن الذي يصب في النهاية في صالح المجموع، ولذلك فالمعارضة الوطنية هي الصوت الآخر الذي يجب ألا يغيب أبدًا.

ومن بين التيارات التي تبدو من الناحية الظاهرية أنها تؤدي دور المعارضة الوطنية هي جماعة الإخوان الإرهابية، التي يراها البعض على أنها تمثل رأيًا مختلفًا ووجهة نظر معارضة تعمل على إبراز السلبيات الموجودة داخل المجتمع وتقوم بنقد الأداء السياسي للنظام بدافع من الخوف على الوطن وبهدف تحقيق الصالح العام وأملًا في مجتمع أفضل، ومن ثم يتابع هذا البعض منافذ الجماعة الإعلامية التي تتواصل من خلالها مع الناس وتحاول عبرها نشر رؤيتها وتقييمها للأحداث والقضايا المختلفة، ويتأثر البعض لا شك بخطاب الجماعة وبطرحها قناعة منهم بأن هذا الطرح هو طرح وطني وأن الجماعة تمثل معارضة وطنية، فهل ما تقوم به الجماعة يدخل في إطار المعارضة الوطنية أم أن له توصيفا آخر؟

لقد اختلف الدور الذي تؤديه الجماعة بشكل كبير في الوقت الحالي بعد سقوطها من الحكم عن دورها في السابق قبل ثورة يناير، فهي وإن كانت في السابق تطرح نفسها كبديل للأنظمة الحاكمة وللتيارات الفكرية والسياسية الأخرى باعتبار أنها تملك مشروعًا، من وجهة نظرها، هو الأفضل للمجتمع وذلك تحت شعارها "الإسلام هو الحل"، إلا أنها كانت تمارس دورًا يدخل في إطار المعارضة بشكل أو بآخر، فكانت تشارك في العملية السياسية، وكانت تتفاعل مع قضايا الوطن وتحدياته وأزماته بصور ودرجات متنوعة، لكن في السنوات الماضية وبعد سقوط الجماعة من الحكم تحولت وانتقلت من إطار المعارضة إلى الخصومة والعداء ليس مع النظام فحسب ولكن مع المجتمع.

يظهر ذلك كثيرًا من خلال تناول الجماعة لكل ما يخص الشأن المصري عبر منصاتها الإعلامية المختلفة، سواء كانت قنوات فضائية أو من خلال ما يكتبه أعضاؤها على وسائل التواصل الاجتماعي، والذي تظهر من خلاله نبرة الشماتة والتشفي في كل أزمة يواجهها الوطن، وفي العمل الدءوب على إبراز كل سلبية وتحويل الإيجابيات إلى سلبيات، وفي تعمد نشر العديد من الشائعات التي تهدف إلى بث الخوف والقلق في نفوس المصريين بهدف إفقادهم الثقة في كل شيء، إلى غير ذلك من الأساليب التي يتضح من خلالها حرص الجماعة ليس على مصلحة المجتمع واستقراره كما هو المفترض، ولكن على تأزم أوضاعه وزيادة مشكلاته، وقد رأينا ذلك بوضوح فيما يتعلق ببعض الأزمات كأزمة كورونا ومشكلة سد النهضة، لكن كل ذلك يتم بشكل غير صريح بدرجة كبيرة، حيث يكون الشكل الظاهري له يوحي بأن الجماعة إنما تغضب وتحزن لما يتعرض له الوطن وما يواجهه من صعاب وتحديات، لكن النظرة المتأملة تستطيع أن تميز ذلك بوضوح، فهو كما يقول المثل "ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة" فرغم أنهما يقومان بنفس الفعل، إلا أن بكاء الثكلى التي فقدت عزيز لها لا يمكن أن يكون كالأخرى المستأجرة التي توهم الناس بأنها حزينة ومكلومة، بينما هي تقوم بذلك بدوافع وأغراض أخرى.

وقد حكى لي أحد أعضاء الجماعة السابقين، والذي كان سجينًا من قبل في إحدى القضايا المرتبطة بالجماعة عن حالة الشماتة والتشفي التي لاحظها في السجن لدى الإخوان عند حدوث أي أزمة أو كارثة في المجتمع مثل ارتفاع أسعار أو حوادث للأقباط أوحتى حوادث عادية، أو أي أزمه إقتصادية أو سياسية، لدرجة أنه كان يسمع من البعض تمنيات بألاّ يجد الناس الماء الذي يشربونه ولا الطعام الذي يأكلونه.

نستخلص مما سبق نتيجة مفادها أن تناول الجماعة لقضايا الوطن المختلفة وللأحداث المتعلقة به هو تناول غير أمين لا يتسم بالموضوعية ولا ينبغي الاطمئنان إليه، بما يعني أنه يساهم في تضليل المخاطب به ولا يؤدي إلى تحقيق الصالح العام كما يظن بعض متلقي ذلك الخطاب، وهناك عدة أسباب تفسر هذه النتيجة التي تجعل رأي الإخوان غير موضوعي وتجعل شهادتهم مجروحة في قضايا الوطن، وهذه الأسباب تتعلق بطبيعة الصراع الذي تعد الجماعة طرفًا فيه، وذلك من عدة جوانب:

أولًا: توصيف الصراع: لدى الجماعة اعتقاد يظهر في العديد من أدبياتها وخطاباتها وممارساتها بأنها تملك الفهم الصحيح للدين وأنها تحوز الحق المطلق، ولذلك فإنها تفسر أي خلاف معها أو اختلاف مع أفكارها أو نقد لها على أنه معاداة للدين؛ وقد ترتب على ذلك أن الجماعة قامت بتوصيف الاعتراض على حكمها والمطالبة بإسقاطها وصراعها مع النظام فيما بعد على أنه صراع بين الحق والباطل وحرب على الإسلام ومشروعه الذي تمثله الجماعة، كل ذلك يؤدي إلى صعوبة أن تعترف أو ترى الجماعة أي جانب إيجابي في حق النظام الحاكم اليوم، لأن اعترافها بذلك معناه وفق رؤيتها انتصار للباطل، وهذا أمر لا يمكن التسليم به من جانبها.

ثانيًا: صفرية الصراع: كنتيجة لتوصيف الجماعة للصراع كما سبق فإنها اعتبرت منذ اليوم الأول أن صراعها مع النظام صراع صفري لا بد أن ينتهي بانتصار طرف على الآخر، ولم تعتبر أنها في إطار أزمة سياسية من الممكن أن يتم حلها بالعديد من الحلول الوسط، وعلى الجانب الآخر اعتبر النظام فيما بعد أن الصراع صفري خاصة بعد لجوء جزء من الجماعة لاستخدام القوة بشكل صريح كوسيلة لحل الصراع، يترتب على ذلك إدراك الجماعة إلى أنه لا وجود لها في ظل النظام القائم، وبالتالي فإن أي نجاح يحققه النظام معناه استمرار لأزمة الجماعة وفقد لفرصتها في إمكانية العودة مرة أخرى، ولذلك لا يمكن للجماعة أن ترى أو تقيم أي موقف أو حدث أو إنجاز بشكل موضوعي.

ثالثًا: تبعات الصراع: نتج عن الصراع القائم تعرض الجماعة للعديد من الإجراءات من سجن وتضييق..إلخ، الأمر الذي خلق حالة من السخط والبغض داخل أفرادها، وهذه الحالة النفسية كفيلة بأن تجعل قراءة الفرد للواقع وتقييمه للأمور ومن ثم حكمه عليها بعيدة عن الموضوعية، ويذكرنا هذا الأمر بالحديث النبوي القائل "لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان"، وقد قام الفقهاء بقياس حالة الجوع والعطش المفرطين على حالة الغضب، لأن القاضي يكون في تلك الحالات واقع تحت حالة نفسية وذهنية لا تسمح لهبتقدير الأمور بشكل سليم ومن ثم الحكم عليها، فهي حالة غير طبيعية تجعل المرء يصدر أحكامًا وآراءً يجانبها الصواب في غالب الأحوال.

رابعًا: أطراف الصراع: لم يعد الصراع من وجهة نظر الجماعة قاصرًا عليها وعلى النظام كما كان في السابق، ولكن الجماعة اعتبرت المجتمع طرفا فيه بشكل ما، إذ اعتبرت أن رفض شريحة من المجتمع حكمها وتفاعلها بصورة إيجابية لما حدث لهم من تبعات هو بمثابة خصومة للجماعة، الأمر الذي جعل الجماعة لا تعبأ كثيرًا بما يحدث للمجتمع من أزمات، بل وتعتبره من قبيل العقاب الإلهي المستحق، ولذلك يأتي قيامها بدور المعارضة الظاهري وتناولها قضايا الوطن ليس مدفوعًا بالحرص على مصالحه، ولكن مدفوعًا بالرغبة في المزيد من الأزمات التي تؤكد اعتقادها بأنها كانت على الطريق الصحيح وأن المجتمع هو الذي خسرها ومن ثم استحق العقاب.

كل ما سبق يجعلنا نصل إلى نتيجة مفادها أن رأي الإخوان فيما يتعلق بقضايا الوطن ومشكلاته وتحدياته غير أمين وغير مبني على أسس موضوعية وليس مدفوعًا بالحرص على مصلحة المجتمع، ولذا لا يجب التعويل عليه أو الاطمئنان إليه باعتباره وجهة نظر معارضة ولكنها وجهة نظر معادية.