رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العلاج بأسماء الله الحسنى.. اسم الله "الرحمن"

جريدة الدستور

أسماء الله الحسنى، ليست مجرد ألفاظ ينطقها العبد ويرددها، بلسانه، فتنحل عقد حياته، بل لا بد لذلك من عقد القلب عليها، والإيمان الكامل بأنها سر الله عز وجل فى تسيير حياة عباده، فكل اسم من أسماء الله الحسنى يرتبط ارتباطًا وثيقًا بجانب من الحياة منفردًا، من ناحية ويتآلف مع أسمائه تعالى المطلقة والمقيدة، من ناحية أخرى؛ لتوحيد الله عز وجل بأمور الخلق والتدبير، فإذا ربط العبد نفسه بالله، تحققت في قلبه معاني الخضوع والانقياد لله وحده، فيصير أسعد الناس في الدنيا والآخرة، قال تعالى (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا) (الأعراف: 180)
اسم الله الرحمن
من أسماء الله تعالى المتعلقة به وحده، فلا يوصف به غيره، وهو مشتق من الرَّحمةُ بمعنى الرِّقَّةُ والتَّعطُّفُ، والاسمانِ مُشتقَّانِ من الرَّحمةِ على وَجْهِ المُبالغةِ، و(رحمن) أشدُّ مبالغةً مِن (رحيم)؛ لأَنَّ بناءَ (فعلان) أشدُّ مبالغةً مِنْ (فعيل)، ونظيرُهما نديمٌ وندمَانُ (انظر: جامع البيان، 1/4).

وقد ورد اسم الرحمن في القرآن الكريم 48 مرة منها 8 مرات مقرونا باسم الله "الرحيم"، وجاء مقرونا باستواء الله على العرش مرتين، في قوله (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) (الفرقان: 59) ، وفي قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه: 5)، وفيه دليل على تفرد الله تعالى بالملك والملكوت والخلق والتدبير، وأن كل الملوك والمملوكين خلق من خلقه متساوون أمام الله تعالى.

ومن علامات رحمته بعباده أن جاء الاسم في كثير من آيات العذاب للكافرين، ومواضع الخوف التي لا منقذ لصاحبها من العذاب في الدنيا إلا باللجوء للرحمن، في مثل قوله تعالى: (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) (مريم: 18)، وفي سورة مريم أيضا: (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا) (مريم: 49)، وفي قوله: (قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا ۚ حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) (مريم: 75)
وقال المفسرون عن ارتباط اسم الرحمن بهذه الآيات التي يكون فيها العبد في أمس الحاجة لرحمة ربه بأن ما دل عليه بناء "الرحمن" من السعة ، والامتلاء ، والشمول : ناسب ذكره مع الآيات الخاصة بهذه المواضع خاصة يوم القيامة ، لعظم حاجة العباد إلى رحمة أرحم الراحمين ، في هذه المواضع.

كما ترتبط حاجة العبد برحمة ربه في مواضع الضعف بجميع العبادات القلبية من تحقيق المحبة المطلقة التي لا تكون إلا لله وحده، فلا يتعلق قلب العبد بشيء من الدنيا لم يأذن له الله به، فتتحقق قيم التسامح ويذوب الحقد ويندثر في النفوس التي تحقق فيها معنى العبودية، كما يحمل ذلك أيضا إفراد الله تعالى بالرجاء فلا يكون الرجاء المطلق إلا فيما عند الله تعالى، وأنه وحده مسبب الأسباب المتفرد بالخلق والملك والملكوت، ومنها أيضا تتحقق معاني الخوف من الخالق، فلا خوف ولا فزع ولا رهبة إلا مما يغضب الله تعالى، فتنبت في قلب المؤمن الخشية والقوة والثبات وتتحقق بذلك عزة المؤمنين.

كما أن ورود اسم الله الرحمن مع آيات العذاب، دليل على أن رحمة الله تسبق غضبه، وأن من رحمة الله تعالى بعباده أن يذكرهم بذلك في مواطن العذاب، قال صلى الله عليه وسلم: " ولما خلق الخلق كتب في كتابه فهو عنده : إن رحمتي سبقت غضبي" (رواه البخاري ومسلم).