رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عندما تنزف الأوطان

جريدة الدستور

للوطن معانى كثيرة، جميعها يؤدى إلى مفهوم واحد فهو المأوى والملاذ الذى يعيش ويسكن فيه وإليه الفرد، وأيضًا هو الموطن الذى نستوطن فيه، أى نسكن ونقيم على ترابه ونستظل بسمائه.

ولقد اكتسب الوطن قيمة ومكانة لا تضاهيها مكانة فى الأنفس والقلوب بسبب نشأتنا فيه منذ الصغر، ثم قضاء كل مراحل العمر بحلوها ومرها على أرضه، وهو بذلك يمثل للفرد أو المواطن جزء لا يتجزأ من حياته وعمره، بل بالأحرى هو الوعاء الحاضن للواحد منا.

لذلك عندما يتحدث العامة فى مصر عن مكانة الأبناء فنجدهم يقولون: ( الضنى غالى ) وعلى نفس المنوال عندما يتحدثون عن مكانة الوطن يقولون أيضًا: ( الوطن غالى ) وهكذا تكون قيمة ومكانة الوطن جنبًا إلى جنب مع قيمة ومكانة الإبن الذى هو أغلى شئ لدى الوالد، بل فاق حب الوطن حب الأبناء حيث يُقال: ( نموت نموت ويحيا الوطن )

وما أكثر الروايات والقصص والمواقف والبطولات التى يتضمنها تراثنا العربى والإسلامي والمصرى على مر العصور والأزمنة التى تعّبر عن مدى حب الوطن والذود عنه والتضحية فى سبيله.

وسيظل يذكر التاريخ مقولة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عندما أجبره أهله على ترك موطنه مكة، حيث وقف صلى الله عليه وسلم مناديًا ومودعا لها قائلا ( إنك لأحب ارض الله إلى الله،وأحب أرض الله إلى ولولا أهلك أخرجونى منك ما خرجت )، كما أن الحديث الشريف يوضح بأن من مات دون ماله ودون عرضه ودون دينه ودون وطنه فهو شهيد.


ولكن وعلى الرغم من ذلك كله وجدنا فى الأونة الأخيرة بعض المضلين المضللين يحّقرون من فكرة التمسك بالأوطان، بل ويصفونها بفكرهم المريض بأن الأوطان ما هى إلا حفنة من تراب عفن، كما جاء فى فكر جماعة الإخوان،و تبعها فى ذلك كل الجماعات المتطرفة لكونها هى الأم والمنشأ لهم.

ومهما حاول هؤلاء المرضى تشويه فكرة حب الوطن ومكانته وقيمته، سيظل الوطن يعيش فى القلوب وفى الأفئدة، لأنه حب غريزى متأصل فينا، ندافع عنه ونضحى من أجل رفعته وبقائه.

والأوطان كالبشر سواء بسواء فهى تتألم وتتأذى وتنزف، وتحتاج إلى من يضّمد جراحها ويساندها ويقف بجوارها، ويذود عنها، وما نراه بالعين المجردة الآن يقول بأن هناك أوطان كثيرة حولنا تنزف وتتألم وتحتاج إلى من يطببها وينصرها ويأخذ بيدها، وهل يوجد من يفعل ذلك سوى أبناء وشرفاء تلك الأوطان؟