رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحب والحقد المقدس رسالة السماء أم وهم احتكار الحقيقة.. عرض كتاب

جريدة الدستور

حوار بين الجد عبد الوهاب عزام والحفيد الظواهري
عبد الوهاب عزام: باي ذنب قتلتم الأبرياء
ايمن الظواهري: الجماعة هي السبيل لإقامة الدين ولا سبيل لها إلا بالدماء
هيكل: جماعات التمايز بالإسلام الصحيح عن المسلمين فقدت رشدها
عزام: أول التجديد قتل القديم فهمًا وبحثًًا ودراسةً


هو ليس حور بين جيلين وليس مقارنة أدبية بين عملين، وليس ثمة حضورا تاريخيا بين شخصيتين، هو نوعًا من الدارسات النقدية المعمقة، حوارا متخيلًا مع شخصيتين كل منهما ينكر فكر وتصورات الآخر، رغم أنهما في الأصل تربطهما صلات القرابة والدم.

المقابلة هنا بين الشخصيتين برؤية نقدية جعلت الحضور بينهما قوي فالجد هو المفكر والأديب السفير عبد الوهاب حسن عزام (8 مارس 1893م ـ 2 يونيو 1976م) أستاذ ورئيس أول قسم للغات الشرقية في العالم العربي بكلية الآداب جامعة القاهرة وسفير مصر في المملكة العربية السعودية ثم في باكستان ومؤسس أول جامعات المملكة العربية السعودية "جامعة الملك سعود" بمدينة الرياض سنة ١٣٧٧هـ - ١٩٥٧م.

والحفيد هو أيمن محمد ربيع الظواهري (مواليد 19 يونيو 1951) من مؤسسي مجموعات الجهاد المصرية في الستينيات القرن الماضي، وزعيم تنظيم القاعدة خلفًا لأسامة بن لادن واحد أبرز المشاركين في الأحداث السياسية العالمية وتطلق عليه جماعات الجهاد المختلفة حكيم الامة، يطل برأسه كل فترة بالعديد من الإصدارات من كهف اختفي داخله ولا يعرف مكانه حتي الآن، ويعتبر عبد الوهاب عزام جده لأمه.

في قالب سردي تتداخل فيه الأجناس يعرض المؤلف د عبد الباسط هيكل باحث وأكاديمي مصري، متخصص في تحليل بنية الخطاب الديني، يعمل أستاذا للعلوم العربية وآدابها بجامعة الأزهر، بأسلوب يمزج بين فن السيرة وأدب الرحلة والرؤية النقدية حوارًا فكريًا متخيلًا بين زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري (الحفيد) وجدّه لأمه السفير الأديب المتصوف عبد الوهاب عزام، بما يمنح القارئ فرصةَ لتعرف علي فكر هذا الإرهابي وبداية نشأة تنظيمات وجماعات العنف الديني، في مقابل صوت أحد أبناء المدرسة الإصلاحية، فيُسلّط الكتاب الضوء على المنطلقات والغايات التي جمعت بين فصائل جماعات العنف والتشدد الديني والعمل المسلّح، ويسرد جانبا من الأحداث التاريخية المسكوت عنها.

يُحاول الكاتب من خلال هذا العمل التفكير مع القارئ في سرّ الإخفاق الحضاري الذي نعيشه الآن منذ قرون؛ بسبب ما أطلق عليه د هيكل "جماعات التمايز بالإسلام الصحيح عن المسلمين" وهو التعبير الملازم للرجل في الكتاب علي مدار صفحاته الكاملة.

العمل الحواري في الأساس دراسة نقدية، وتعد الدراسات المقارنة من أصعب الدراسات الأكاديمية، وتزداد الصعوبة إذا كانت هذه الدراسة تتناول شخصيتين تاريخيتين لهما دور في المجالات الفكرية والسياسية، حيث يكون لهذه الشخصيات حضورا في المجالات المختلفة.

وتكون الصعوبة بمكان إذا كانت الشخصيات حولها جدل فكري كبير وآراء مختلفة في نشأتها وتكوينها، ومن هنا يقوم الباحث بدراسة الشخصيات وكتابتها وعمل المقارنة بين مواقفها المختلفة وتطوراتها الفكرية الماضية واللاحقة، ثم يخرج بالتحليل والافكار بعد ذلك.

الغرفة المهجورة

يبدا الكتاب بهذا المشهد " يتكرر كل ليلة عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل هذا الحُلم: أجد نفسي داخل غرفة في جامعة مهجورة، أجلس أمام مائدة مستديرة عن يميني يجلس السفير عبد الوهاب عزام وأمامه على المائدة قلم وبعض الأوراق، وبجواره طه حسين وأمين الخولي وأحمد أمين والسير توماس أرنولد وعباس العقاد ومحمد إقبال، ويجلس عن يساري الطبيب أيمن الظواهري وأمامه على المائدة بندقية وبعض الذخيرة، وبجواره وسيد قطب وأسامه بن لادن وعبد الله عزام وأبو مصعب السوري وكمال السنانيري ومحمد عطا."

ثم يعقب المؤلف علي المشهد فيقول "وإذا بصوت يأتي من آخر الغرفة يدعوني إلى بدْء إجراء الحوار بين زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري وجده لأمّه السفير عبد الوهاب عزام، ويؤكد أنه في حالة عدم الالتزام بلغة واضحة قريبة في عرض الأفكار، ومصارحة فكرية في الموضوعات الشائكة؛ فإن هذه الحوار سيبدأ وينتهي كالشجرة التي تُولد في الغابة، وتموت دون أن يشعر بها أحد."

ثم يدخل د عبد الباسط هيكل في عمق الافكار، يبدأ الحوار بين الشخصيتين والذي يتناول عدة محاور تكوينية في تاريخهما الفكري والحركي:

كهف الظواهري

فيقول المؤلف علي لسان الظواهري " شاركت في تأسيس أول خلايا جماعات الجهاد المصري في أواخر الستينيات، وشاركت في نشاط الجماعة الإسلامية بجامعات مصر في السبعينات، وأحد مؤسسي جماعة الجهاد المصري بالخارج في منتصف الثمانينات، واخترت ضمن مجلس شورى المجاهدين أكثر من مرة، وأسست الجبهة العالمية للجهاد ضد اليهود والنصارى في أواخر التسعينات، وبعد استشهاد الشيخ أسامه بن لادن سنة ٢٠١١ أصبحت زعيما لتنظيم قاعدة الجهاد وما تفرّع عنه من تنظيمات في عدد من البلدان.

فيرد عبد الرحمن عزام على الظواهري فيقول " الفارق بيننا ليس الأسرة بل الوطن، وإن حمل كلانا عنوان وطن واحد، إلا أن مصر التي عاشت فيها اختلفت في ثقافتها وجامعتها ومسجدها، والإنسان ابن بيئته التي تُشكّل أفكاره وتُوجّه مشاعره، فهي الحاضنة للإنسان المسببة لنموه أو ضموره، لخيره وشره، لتعايشه ونفوره، فعرف أيمن وهو ما يزال في التعليم الثانوي طريقه إلى أفكار جماعات «التمايز بالإسلام الصحيح عن المسلمين »، وفي مقدمتها فكرة أن الجنسية هي الديانة، وأن الدين وطن بلا حدود جغرافية، وأن الجماعة هي السبيل لاستعادة ذاك الوطن الديني (الدولة الإسلامية) الضائع.

اليقظة الفكرية في طليعة العشرينيات

كتبت ما يزيد عن ثلاثمائة مقالة في مجلة الرسالة ( ١٩٣٣ ١٩٥٣)إلى جانب الدكتور طه حسين ومحمد حسين هيكل وعباس محمود العقّاد ومصطفى صادق الرافعي وأحمد أمين وعبد العزيز البشري وأمين الخولي ومحمد عوض محمد ومحمود تيمور وإبراهيم عبد القادر المازني وتوفيق الحكيم وخليل مطران وعبد الرحمن شكري وأحمد زكي أبو شادي ومحمد عبدالله عنان وأحمد رامي وإسماعيل مظهر، بدأتها بمقالة عن محمد إقبال في الأول من يناير ١٩٣٣، وانتهت بمقال عن الأستاذ عبد المنعم فّال، وكانت مجلة الرسالة كما أعلن مؤسسها الأستاذ أحمد حسن الزيات «مجلة الآداب الرفيعة، والثقافة العالية تصل الماضي بالحاضر، وتربط الشرق بالغرب على هدى وبصيرة.

طليعة الجهاد في منتصف السبعينات

يرصد المؤلف علي لسان الظواهري بداية تكوين وتشكيل تنظيم الجهاد فيقول على لسانه: وبدأنا مرحلة «أعدوا» بالعمل على أربعة مسارات:

ــ توجيه الأعضاء من طلبة الثانوي إلى دخول الكليات العسكرية وتشجيع الأعضاء من طلبة الجامعات على الانتقال إلى كليات عسكرية للتجهيز لانقلاب عسكري بضباط وأفراد يدينون بالولاء للجماعة وليس للدولة.

ـ إعداد عقائدي يتمسك بحرفية بما عليه السلف الصالح، فألزمنا جميع الأعضاء بالمواظبة على دروس الدكتور محمد هرّاس؛ لتصويب فهمهم حول الإسلام وتصحيح مسار عقيدتهم. وكنت وإخواني لا نسمح بانضمام أي فرد إلينا إلا بعد أن ينتهي من قراءة كتب السلف وخاصة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم؛ فجماعة الجهاد المصرية من يومها الأول دعوة سلفية قبل ظهور مدرسة الإسكندرية السلفية.

ــ إعداد بدني بتدريب أعضاء التنظيم رياضيا بتمارين شاقة توفر لهم جسمانا قويا استعدادا للمواجهات.

ــ إعداد تثقيفي فتدارسنا في اللقاءات الأسبوعية كتابيّ «في ظلال القرآن» و«معالم في الطريق » للأستاذ سيد قطب، وتمسكنا بقائمة كتب عرضها علينا أحد الإخوة أخبرنا أنها من اختيار الأستاذ الشهيد سيد قطب كمنهج دراسي لشباب المجموعات التي كان يُشرف عليها قبيل سجنه، منها كتاب الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي المعاصر الذي كتبه الدكتور محمد محمد حسين للرد على طه حسين، ولم أجد أفضل من هذا الكتاب؛ لأقدمه كهدية معنوية للأستاذ فتحى رضوان المحامي الذي ترافع عني في قضية الجهاد.

رواد تعلم منهم الجد عبد الرحمن عزام

وعمد المؤلف لينقل لنا الرواد الأوائل الذين تعلم منهم كل من الجد والحفيد ففي حياة عبد الرحمن عزام تأثر بثلاثة من الرواد والمفكرين الاوائل وهم عاطف بركات ناظر مدرسة القضاء الشرعي، وطه حسين وأحمد أمين.

فالأستاذ عاطف بركات أحيل إلى التقاعد بتهمة التحريض على الوطنية، فاعتبرته حكومة توفيق نسيم الأولى سنة 1921 المسؤول عن تظاهر طلبة مدرسة القضاء الشرعي داخل المدرسة، وهتافهم ضد الإنجليز، وصدر قرار الإحالة في مساء يوم تلك التظاهرة فهذا الناظر المحترم تعلم منه الوطنية.

مثّل عميد الأدب العربي طه حسين له رمزا للنضال في سبيل نشر الروح العلمية، فكان له قوة إرادة لا تهن وعناد في سبيل ما يراه حقا لا يلين، عاش في تحدٍّ متصل للعجز والفقر والحرمان، تعلّم منه الصلابة الفكرية في خوض المعارك التي لم تكن مثل معارك أيمن وإخوانه، فمعاركه كانت بلا دماء ولا تحريض على الكراهية.

كما ساقه الطريق ليتعرف على الأستاذ أحمد أمين الذي جمعته به الصداقة منذ مطلع الشباب، فقد تشاركا في تأسيس لجنة التأليف والترجمة والنشر، وسبقه إلى مدرسة القضاء الشرعي التي تخرّج منها سنة ١٩١١، وعمل بها لسنتين بعد التخرج، وقد وثّق الروابط بينهما صديقه للدكتور طه حسين، فاجتمعنا حوله بلا ذوبان أو تبعية، فثقافتنا لم تكن نابعة من تلقى وترديد وعلاقتنا على ما بها من وشائج الاحترام والتقدير إلا أنها لم تكن رابطة أبوية قائمة على السمع والطاعة، فكنا كسائر تلامذته صوتنا نابع من تفكيرنا، حمل الدكتور طه حسين مودة عميقة لثلاثتنا أنا وأمين الخولي وأحمد أمين وسعى إلى أن يكون عملنا معه بالجامعة.

منظرون تعلم منهم الحفيد الظواهري

اما من تعلم منهم الظواهري ويعتبرهم أساتذته علي الطريق فهم صالح سرية ويحي هاشم وعصام القمري، فصالح سرية هو مؤسس حركة الفنية العسكرية والذي سعي لتجنيد عدد كبير من الشباب لصالح حركته.

والثاني وكيل النيابة يحي هاشم الذي يعتبر أول من مارس حرب العصابات فعليًا فتترس في احد الجبال في صعيد مصر، وقام بتدريب مجموعة تنظيمية، وتمركزوا فيها تحت غطاء أنهم وحدة عسكرية بعد أن اشتروا بضع قطع من السلاح لكن عمدة القرية المجاورة شكّ في الأمر، فأبلغ الشرطة التي هاجمت موقع هؤلاء، وحدثت معركة قبضت فيها الشرطة على المجموعة بالكامل بعد نفاذ ذخيرتهم، وحاول يحيي هاشم الانقضاض على قائد القوة إلا أنه عاجلهم برصاصات أردته قتيلا.

والثالث الذي تعلم منه ويعتبره رائده وملهمه في العمل الجهادي فهو الرائد عصام القمري والذي لم يكفّ عن محاولات تدبير خطط للهروب، حتى أنجز الهروب في ١٧ يوليو ١٩٨٨، فهرب هو وخميس مسلم ومحمد الأسواني من سجن طره شديد الحراسة في سابقة تاريخية إلا أنه لقي مصرعه في مواجهة مع الشرطة عند مداهمتها لمنزل خالد بخيت المختبئ فيه فجر25 يوليو ١٩٨٨م، والذي كانت اخر رسائله لسيد موسى الضابط السابق في سلاح الصاعقة المصرية قبل الهروب "اذهبوا واعملوا مع أيمن الظواهري، فهو الشخص الوحيد الذي أثق به، فالتحق به سيد موسى في بيشاور، وأسند إليه الظواهري الإشراف الكامل على معسكرات تدريب الجهاد المصري ثم تنظيم القاعدة في أفغانستان حتى تُوفَّي بسرطان الطحال.

رفقاء درب الجد الشيخ أمين الخولي

كان من الاصدقاء المقربين لعبد الرحمن عزام الشيخ أمين الخولي أبرز دعاة التجديد والذي تعلم منه أن الحرية وسيلة الحياة الكريمة، ومن مقولاته الشهيرة: «أول التجديد قتل القديم فهمًا وبحثًا ودراسةً، وكان يردد دائمً مقولة: "إذا مضى المجدد برغبة في التجديد مبهمة، يهدم ويحطم ويشمئز ويتهكم فذلكم وقيتم شره تبديد لا تجديد".

فقد جمعتهم صلات كثيرة ودروب فكرية عددية في مسيرة حياته المهنية والعلمية.
اما من عده الظواهري رفيق دربة الابرز والأهم فهو الطبيب سيد امام الشريف او الدكتور فضل او عبد القادر بن عبد العزيز، فقد التقيا في كلية الطب عام 1968 وترافقا سويا في رحلة الانتماء لتنظيم الجهاد والسفر إلي بشاور وتأسيس تنظيم القاعدة في افغانستان.
ففي منزل الدكتور فضل الأسم الذي خرج به سيد إمام من مصر تجددت اللقاءات التي كانت تجمع دوما بينه وبين شقيقه محمد الظواهري «أبو أيمن »، وصبحي أبو سته «أبو حفص المصري علي الرشيدي «أبو عبيدة البنشيري » عبد العزيز الجمل «أبو خالد »، ومحمد شرف «أبو الفرج اليمني.

وفي اخر المطاف اختلفا رفقاء الدرب سيد امام والظواهري وتصادما علي الخط الفكري أخرج سيد إمام وثيقة المراجعة الفكرية التي تهدف إلى إقناع قادة وأعضاء الجهاد بالمبررات الشرعية لوقف العمليات المسلحة والكف عن السعي لإسقاط النظم الحاكمة في العالم الإسلامي، ودخل معه أيمن الظواهري في سجالات مكتوبة حول عدم شرعية تلك المراجعات جمعتها في عدة كتب، ورغم إعلان سيد إمام تراجعه عن أفكاره إلا أن كتابه «العمدة في إعداد العدة للجهاد في سبيل الله » وكتابه «الجامع في طلب العلم الشريف » ظلا من أهم مرجعيات تنظيمات الجهاد العالمي.

حوار كاشف بين الجد والحفيد

الحفيد:

مبدأ عدم الخروج على الحاكم وجهاده بالسلاح يخالف تاريخ الإسلام: فهذا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير قد خرجا على حاكم وطني، وكثير من الصالحين ممن أثنى عليهم الأئمة والمؤرخون كابن الأشعث ومحمد النفس الزكية وأحمد بن نصر الخزاعي - رحمهم الله - كلهم خرجوا على حكام وطنيين. كما اتفق العلماء على تكفير الدولة العبيدية ووجوب الخروج عليها، وهي دولة وطنية!

الجد:

مغالطة أن تقول هذا تاريخ الإسلام، ما تتحدث عنه تاريخ المسلمين أما تاريخ إسلام الوحي انتهى بتوقف نزول جبريل برحيل النبي صلى الله عليه وسلم، الأمر الثاني الفعل التاريخي ليس وحيا منزلا يُستند إليه في التشريع للمجتمع المعاصر بل يُستفاد منه كتجارب تاريخية، وأظن أن أفضل استفادة هي ألا تكّرروا تلك الأخطاء فتدخلون في صراعات مذهبية ودينية، فتعيدوا اليوم انقسامات الماضي.

تتشابهون مع تجارب أسلافكم من الفرق والجماعات في الطفولة العقلية والإكثار من التباكي والاحتكام للعواطف والانفعالات، والانشغال بالشكوى من الآخر عن إصلاح الذات، والتمسك بدور الضحية التاريخي، واجتزاء الأحداث، وإهدار السياقات والملابسات.

لا تُجنّس الإسلام بعرقية دون أخرى، ولا تجعله محدودا بأرض جغرافية بعضها قلب الإسلام، وبعضها أطرافه، فالإسلام يعيش في قلوب مؤمنة به لا تعرف الخرافة وعقول لا تعرف الجهل، تُقدّمه إلى الناس في قلب محبّ وسلوكٍ راقٍ وكلمة صادقة وأيدٍ تعمل في إخلاص. ضعف معرفة المسلمين بالإسلام من أهم أسباب تراجع أعداد المسلمين في أرخبيل الملايو بما فيها الفلبين؛ فسلطنة بروناي ذات الأغلبية المسلمة في ستينات القرن العشرين لم يكن طلابها يعرفون معنى الشهادتين، ولا كيفية الصلاة كما جاء في تقارير رسمية، فتحوّل الناس إلى الإسلام لم يتبعه في بعض المناطق تعريف بتعاليمه، فظلت بعض المناطق لاسيما النائية بين الغابات الاستوائية مع ضعف المواصلات والاتصالات قديما لا تعرف عن الإسلام إلا بعض العبارات التي وصلت إليهم ضمن الأخبار التي تأتيهم عن ملوكهم.

وأخيرا أسوق مثالا من تاريخكم على تغيّر الأحكام الشرعية لما ترونه جهادا؛ ليأخذ ثلاثة أحكام مختلفة عند أمير الجماعة الإسلامية الدكتور عمر عبد الرحمن الذي جعل حكم الله في الجهاد مرة واجبا مدافعا عن ذلك في قاعة المحكمة في قضية اغتيال السادات عام ١٩٨١ "أنا لا يرهبني السجن ولا الإعدام، ولا أفرح بالعفو أو البراءة، ولا أحزن حين يُحكم عليّ بالقتل، فهي شهادة في سبيل الله.. نعم (إن الحكم إلا للّه) كلمة حق وصدق، نادى بها من قبل الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم نبي الله يوسف بن إسحاق بن يعقوب بن إبراهيم، نادى بها من داخل سجنه في مصر، ولم تمنعه قيود السجن من أن يعلن الحق الذي يدعو إليه كما أعلنها سائر الرسل، فهي إذن دعوة المسلمين عبر التاريخ كله.. إن الخوارج قالوها لرابع الخلفاء الراشدين، فإذا قيلت في العصر الأول فقائلوها خوارج، وإذا قيلت في هذا العصر فقائلوها يجاهدون."

وفي سنة ١٩٩٨ تمّ تعديل الحكم ليصبح السادات شهيدا قُتل في فتنة؛ فالمقتول والقاتل شهداء في الجنة، ولم يعد السادات الطاغية الكافر الخارج عن الإسلام، وأصدر عمر عبد الرحمن بيانا شرعيا من سجنه في الولايات المتحدة الأمريكية بالتراجع عن جهاد الحكام، وتأييد مراجعات القيادات التاريخية للجماعة الإسلامية التي أخذت تُؤصّل لحرمة دم الحكومات بعد أن كان دمهم مباحا، وكان عنوان البيان الشرعي الصادر عن الدكتور عمر عبد الرحمن "وقَفوا لله وأوْقَفوا لله".

وفي أوائل يونيو سنة ٢٠٠٠ ألغى الدكتور عمر عبد الرحمن بيانه الشرعي عندما أصدر تصريحا من سجنه نقلته عنه محاميته "لين ستيوارت" ذكرت فيه أن الشيخ عمر يسحب تأييده لمبادرة وقف العنف؛ لأنها لم تسفر عن أية نتائج إيجابية، وأضافت ستيوارت على لسان عمر عبد الرحمن قوله: "إنه لم يحدث أي تقدم، فآلاف المعتقلين لا يزالون معتقلين والمحاكمات العسكرية مستمرة، وعمليات الإعدام لا تزال تنفذ".

هل أنتم في المواقف الثلاثة بصدد أحكام شرعية أم آراء يُمليها الواقع السياسي عليكم؟ أيّ تلك المواقف الثلاثة حكم الجهاد الثابت الذي لا يتغير! لماذا لا تعلنوها بوضوح مواقفنا سياسية وليست دعوية ولا دينية! لماذا لا تعترفون أن المعركة ليست معركة الإسلام والشريعة بل معركة الفصائل في سعيها المسلح أو السياسي للوصول إلى السلطة السياسية!

الحفيد:

الجماعة هي السبيل لإقامة الدين، فلا سبيل لدولة الإسلام إلا بجماعة تجمع الإخوة تحت رايتها للجهاد في سبيل الله، لا تبالي بالنظم والقوانين الدولية التي وضعها الغرب، ولا قوانين الداخل التي وضعها أذنابه في الحكام.

الجد:

تقدمون تصورا جيدا لتفكيك الدولة وليس للبناء، فتجعلون الهدم نقطة البداية للبناء، فإذا افترضنا جدلا أن النظام السياسي قبِل بوجود جماعات معلنة التسليح مثل التنظيمات الجهادية وجماعة بلائحة وتمويل سري ينافي القانون مثل الإخوان، سيترتب على هذا الحق قيام عشرات الجماعات من الفصائل المسلحة يسارية وقبطية وإسلامية وغيرها، ويتمزق النسيج المجتمعي، وتتمزق الأجهزة الأمنية وينقسم الجيش داخليا تبعا للانتماء الديني والفكري والمذهبي، وتتفكك الدولة وتدخل في حروب أهلية بين طوائف وجماعات ومذاهب لن تتوقف عن الانقسام!

اجتمعت كثير من الأفكار التي لا غني للقارئ من مطالعتها بين دفتي هذا الكتاب، لكن متعة القراءة لا غني عنها وخاصة في عملية المقارنة المعرفي التي اجتهد فيها د عبد الباسط هيكل بكل ما اوتي من قوة في اخراج عصارة فكر الرجلين ليظهر هنا التناقض الكبير في فكر الظواهري من حيث ضعف الرؤية التاريخية والتناقض في تبني الآراء الفقيه علي حسب الهوي وأخطرها هي عدم قدرة الظواهري وجيله علي تبادل اللحظة المعرفية بعمقها الفكري والحضاري.