رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يد الله في مصر... مَنْ صنع ثورة 30 يونيو؟

جريدة الدستور

- إعلاميون يحاولون السطو على ثورة الملايين ضد حكم جماعة الإخوان
- الثورة ليست الأيام الأربعة من خروج 30 مليونًا حتى عزل مرسى بل هى ممتدة إلى الآن
- أحد الإعلاميين قال لمسئول كبير: «أنا أحد صناع 30 يونيو.. كيف توقفون تقريرًا لي؟»
- ثورة 30 يونيو تتعرض لمحاولات تشويه من خصومها لنزع الشرعية عنها.. ونحتاج إلى توثيق كامل لما جرى

لم تكن ثورة ٣٠ يونيو يومًا واحدًا، يوم قرر المصريون أن يختاروا الطريق الذى يسيرون فيه بعيدًا عن مهالك الجماعة الإرهابية، التي اعتبرت وصولها للسلطة في مصر مكافأة وليس تكليفًا، فأرادت أن تسطو على كل شىء، وكأنها تعوّض ما عاشته من حرمان، وما ادعته من تضحيات، رغم أنها لم تقدم أي شىء لمصر، بل كان كل ما قامت به من أجل التنظيم ورجاله.

ولو اتفقنا على تسمية الثورة العظيمة باسم يوم واحد- ٣٠ يونيو- على اعتبار أنه اليوم الذى حدده المصريون ليخرجوا فيه غاضبين، ومحتدين، ومحتجين، هاتفين: «يسقط يسقط حكم المرشد»، قناعة منهم أن الذى دخل قصر الاتحادية لم يكن رئيسًا لمصر، بل مجرد مندوب لجماعة ينفذ مشروعها ومخططها، بعيدًا عما أراده الشعب وتطلع إليه.

سيكون علينا بعد أن نتفق على ذلك، أن نتفق أيضًا على أن هذا اليوم- رغم أهميته وخطورته ومفصليته- كانت هناك أيام قبله صنعته، وهناك أيام بعده ساندته، لتستمر الأيام بنا، واضعة حدود الثورة التى لا يمكن أن تشكك في مقاصد من قاموا بها، لأنه من الصعب جدًا أن تشكك في مقاصد شعب كامل، بدا أمامه سوء اختياره، فقرر أن يصوب أخطاءه بنفسه.

الأيام التي أقصدها لم تكن عادية ولا عابرة في تاريخ الشعب المصري.

عشنا وشهدنا أحداثًا درامية تصل إلى حدود الأسطورة، ولم يكن أكبر عرّاف فى التاريخ بقادر على توقع ما يمكن أن يقوم به هذا الشعب، فلو أن أحدًا، مهما بلغت قدرته على التنبؤ والتوقع، قال لنا إن هذا الشعب سيخرج بالملايين بعد عام واحد من وصول الإخوان إلى الحكم، ليطالب بإخراجهم من ديارنا، ما صدقنا، ولا ركنا إليه، واعتبرنا ما يقوله ليس أكثر من أضغاث أحلام.

كانت الأيام التي أحدثكم عنها خارجة من كتاب أساطير الإغريق، تتحرك على صفحتها آلهة الأرض التي أتت بما لا يتوقعه أحد، ولا يقدر على احتماله.

اعتقدت جماعة الإخوان أن هذا الشعب خانغ لن يستطيع أن يرفع رأسه فى مواجهتها، أسست ما رأته وذهبت إليه بأنه شعب طيب، لا يمكن أن يثور مرة أخرى، خاصة أن من يحكمون يتحدثون باسم الله تعالى، ومن معه الله فلا أحد يقدر عليه، متجاهلة أن الله بالفعل كان مع الشعب، وليس مع جماعة تستبد باسمه، وتواصل غيّها وخداعها للجميع بما تعتقد أنها تملكه من الحق والصواب.

حاول كثيرون أن يضعوا للحراك الذى جرى فى ٣٠ يونيو، نقاط بداية بأيام بعينها.
قالوا إن الشرارة بدأت فى ٢٢ نوفمبر ٢٠١٢، وهو اليوم الذي أعلن فيه محمد مرسي عبر متحدثه الرسمي ياسر على، الإعلان الدستوري، الذى قال فيه للشعب المصري بلا مواربة «أنا ربّكم الأعلى»، فقد حصّن نفسه تمامًا، وجمع كل السلطات في يديه، وكان ياسر وهو يتحدث متجهمًا غاضبًا، وكأنه يقول للشعب المصري «مَنْ سيتحدث أو يعترض، فليس له عندنا إلا العصا الغليظة».

وقالوا إن الشرارة بدأت في ٥ ديسمبر ٢٠١٢، وهو اليوم الذي خرجت فيه جحافل الإخوان، تهتف: «قوة.. عزيمة.. إيمان.. رجالة مرسى في كل مكان»، بعد أن صدرت لها تعليمات واضحة وقاسية بلا قلب لسحق المعتصمين أمام قصر الاتحادية محتجين على الإعلان الدستوري، وهو اليوم الذي بدا فيه للمصريين الوجه القبيح للجماعة، حيث ضربت وعذبت وسحلت وحققت مع المعتصمين، من خلال أعضائها بعيدًا عن سلطة الدولة، فى إشارة واضحة جدًا بأن الجماعة هى الدولة.

وقالوا إن الحراك بدأ فى ٣٠ أبريل ٢٠١٣ عندما جلست مجموعة من الشباب على مقهى في وسط البلد، وقرروا أن يؤسسوا جماعة «تمرد»، فى البداية قالوا إنهم سيجمعون توقيعات من الشعب المصري لمطالبة محمد مرسي بإصلاحات وتعديلات دستورية واجبة، لكنهم قبل أن ينهوا جلستهم، استقروا على أن تتحول المطالبة من الرئيس الإخوانى إلى الشعب المصري كله، وتحدد الطلب بعزل الرئيس، ولما تساءلوا فيما بينهم عن اليوم المناسب للعزل، قرروا أن يكون ٣٠ يونيو، وهو اليوم الذي تولى فيه مرسي السلطة.

وقالوا إن بذور الثورة وضعت في يوم ١٥ يونيو ٢٠١٣ عندما اجتمع محمد مرسي مع حلفائه وقيادات جماعته فى الصالة المغطاة باستاد القاهرة، وأعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، وطالب الجيش رسميًا بأن يتدخل لمناصرة الشعب السورى ضد نظامه، وكانت الإشارة التى رفضها الجيش والشعب واضحة، فالجماعة الضالة تريد توريط الجيش المصرى فى حرب خارجية، ليس بهدف مناصرة سوريا، ولكن لإضعافه وتفكيكه والإساءة إليه.

بدا من موقف محمد مرسى أيضًا أننا أمام رئيس جاهل، لا يعرف أبجديات الأمن القومى المصرى، ولا ما تمثله سوريا لنا، وهو ما يعنى أننا أمام من يجب عزله الآن وليس غدًا، لأنه بما يقوله ويقرره ويفعله يوردنا موارد التهلكة.

وقالوا إن يوم ٢٣ يونيو هو اليوم الذى أدرك فيه المصريون أن الثورة لا بد أن تنطلق فى مواجهة الإخوان.

فى هذا اليوم وقف الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع آنذاك، فى مسرح الجلاء، ليمنح الفرقاء فرصة سبعة أيام فقط، ليجتمع الجميع على كلمة سواء، فما كان للجيش أن يقف مكتوف الأيدى، وهو يرى البلد مقبل على حرب أهلية، بسبب تعنت جماعة الإخوان، ورغبتها فى الانفراد بالحكم، بعيدًا عن كل شركاء الوطن، وهو ما اعتبرته جماعة الإخوان، بغبائها المشهور عنها، رسالة لمعارضيها، فلم تفهم أنها المقصودة بالرسالة، لأنها أصل المشكلة.

وقالوا إن ٢٦ يونيو كان اليوم الذى أصبح فيه طريق محمد مرسى اتجاهًا واحدًا، وبلا رجعة تمامًا، فقد وقف على مسرح قاعة المؤتمرات، وسط توقعات من الناس أن يتراجع ويستجيب لما يطالب به الشعب، فإذا به يتحول إلى أراجوز، يحاول أن يستميل الجيش وقياداته، ويهاجم خصومه، ولا يقول شيئًا له قيمة على الإطلاق، فشعر الناس أن غضبهم فى محله تمامًا، وهذا الرجل يجب ألا يستمر ولو ليوم واحد فقط.

هناك بالطبع من يمسك بـ٣٠ يونيو على أساس أنه اليوم الذى نزل فيه المصريون بالملايين، ليقولوا لا لحكم الإخوان المسلمين.

هنا حديث مختلف، محاولة لكتابة جزء من تاريخ ثورة ٣٠ يونيو، ستجدون أيامًا كثيرة، وقعت من ذاكرتنا، جرت فيها أحداث كثيرة، صاغها الشعب المصرى كله، وستجدون عجبًا، لأنكم ستجدون أنفسكم فى هذه الأيام.

من السهل علىّ أن أركن إلى الوثائق الرسمية، إلى التقارير التى نشرتها الصحف، إلى تصريحات المسئولين، لأكتب لكم بعضًا مما جرى على الأرض فى الملحمة الكبرى التى صنعها المصريون ثم انصرفوا عنها، البعض فعل ذلك لأنه لم يجد مصلحة مباشرة، رغم أن زمن المصالح المباشرة والصغيرة انتهى، فالآن لا مصلحة تعلو فوق مصلحة الوطن، والبعض تفلت من بين أيدينا، بسبب الشائعات والشوشرة والبلبلة.

لكن قبل استعراض الأيام، التى هى فى النهاية أيامنا وأيام الله، لا بد أن نجيب عن سؤال مهم جدًا، وهو: مَنْ الذى صنع ٣٠ يونيو؟ 

عندما طلب منى الصديق خالد ناجح أن أشارك فى الملف الذى يعده فى عدد يونيو من مجلة الهلال الصادر فى يونيو ٢٠١٨ وخصصه لثورة ٣٠ يونيو، اقتحمتنى فكرة أعتقد أن طرحها بصراحة ووضوح مهم للغاية، وذلك لأهمية ما جرى؟ 

حاولت أن أضع خطوطًا أولى وأساسية للإجابة عن هذا السؤال، وكتبت ما أعتبره بداية لمشروع كبير، أحاول خلاله نسج ما لدىّ عن هذه الثورة، التى هى ليست حقًا لمن قاموا بها فقط، ولكنها حق لأجيال عديدة قادمة، كانت ستحاسبنا وبشدة على أى تقصير أو تأخير أو ركون عن القيام بواجبنا نحو الوطن.

هل أشرككم فى بعض مما فكرت فيه وذهبت إليه؟ 

يمكنك الاستسلام وأنت مستريح الضمير تمامًا لإجابة تقليدية ومنطقية عن هذا السؤال: مَنْ صنع ثورة ٣٠ يونيو؟ 

دع الأمر للتاريخ، سيكون وحده قادرًا على أن يحسم الأمر، فلا يمكن الجزم بشىء، لأن الوثائق لا تزال حبيسة أدراج المؤسسات، والحكايات معلقة فى صدور من هتفوا فى الميادين، أو جلسوا فى غرف مغلقة يديرون غضبة شعب قرر أن يتخلص من حكم الجماعة الإرهابية، التى بدا من اليوم الأول لرئيسها، فى قصر الاتحادية، أنه جاء ليعود بمصر إلى الوراء. 

لكن مَنْ قال إننا يجب أن نستسلم للإجابات الجاهزة التى يتثاءب أصحابها وهم يلقون بكلماتها فى وجوهنا، دون أن يلتفتوا إلى أن الإجابة عن هذا السؤال، وغيره من الأسئلة المعلقة على أستار ثورة عظيمة، مهمة فى تشكيل وعى شعب، لا بد أن يعرف أنه قادر على صنع المعجزات إذا أراد؟

انزع عن نفسك قشرة الكسل، وحاول أن تفكر معى فى أمر هذه الثورة، التى حاول كثيرون أن ينسبوها لأنفسهم، ربما دون وجه حق.

هل تريد أمثلة على ذلك؟.. من حقك أن تطلب منى ذلك بالطبع.

أكثر من يرددون أنهم أرباب ثورة ٣٠ يونيو هم جماعتنا من الإعلاميين.

أحدهم كتب تقريرًا صحفيًا رأته أجهزة فى الدولة ماسًا بأمور تخص الأمن القومى المصرى، فتم الاعتراض بشكل مهذب على نشره، ولما قابل مسئولًا كبيرًا فى الدولة، قال له: كيف يحدث هذا معى وأنا أحد صنَّاع ثورة ٣٠ يونيو؟ 

عاد المسئول الكبير بظهره إلى الوراء، وأخذ نفسًا عميقًا من سيجارته التى لا تفارق شفتيه إلا نادرًا، وقال له: أعتقد أنك تقصد بأحد صنَّاع ٣٠ يونيو أنك مواطن مصرى، واحد من الشعب، ولأن الشعب كله هو الذى صنع الثورة، فأنت بهذا المعنى أحد صنَّاعها.

لم يفهم صديقنا الإعلامى إشارة المسئول الكبير، فأصر على أن دوره كان أكبر، وأنه ساهم فى خروج الناس إلى الشارع، ولولا ما فعله لما نجحت الثورة، أو ما قامت من الأساس.

إعلامى آخر يحلو له التغنى بأنه من أعاد محمد مرسى إلى سجنه، وأنه كان قد تعهد بذلك، ليس هذا فقط، بل هو الذى حمى الثورة، عندما دفع بشباب، ودفع لهم، كى يحموا ميدان التحرير الذى تظاهر فيه المصريون وهتفوا بسقوط حكم المرشد، ويتعجب صاحبنا إذا أنكر أحد عليه ذلك، ويردد أنه عندما كان يحمل روحه على يديه كان مسئولون كبار فى مكاتبهم يتواصلون مع قيادات الإخوان هاتفيًا.

صاحبنا الثالث وهو إعلامى شهير تحدث علنًا، ويمكن أن تراجع ما قاله عبر «يوتيوب»، ومنَّ على الشعب المصرى كله بانحياز الإعلام للثورة فى ٣٠ يونيو، وتساءل ببلاهة- هكذا أرى ما فعله- عن حال الشعب لو أن الإعلام انحاز للإخوان وساندهم قبل ٣٠ يونيو؟ 

قال ذلك وكأنه يقول إنه لولا الإعلام ما قامت ثورة، ولا خرج الإخوان غير مأسوف عليهم من الحكم، ولا تخلصنا من حكم المرشد.

الإعلامى الرابع كان يحلو له تلقيب نفسه بأنه صانع ثورة ٣٠ يونيو، بل أنتج عبر قناته الفضائية فيلمًا وثائقيًا قصيرًا، أطلق عليه اسم «الرجلان»، وقصد بهما نفسه وعبدالفتاح السيسى، على أساس أنهما من قاما بالثورة، وكم كان صاحبنا متواضعًا عندما سمح بوضع اسم السيسى إلى جواره، وهو يتحدث عن دوره فى إشعال الثورة ضد الإخوان.

يمكننى أن أعدد لك عشرات المواقف والحكايات عمن يكتبون وقائع ثورة ٣٠ يونيو على هواهم، دون أن تكون هناك محاولة مجردة ومتفردة لرواية ما حدث، وهى المحاولة التى يمكن أن نلتقطها من رؤية المسئول الكبير، الذى قال إن الشعب المصرى كله هو من قام بالثورة، لكن هناك من يريد مصادرة الحدث الكبير لحسابه وحده، ثم بعد ذلك يطالب بسداد فواتير يعتقد أنها دين له فى رقبة الآخرين.

لـ«٣٠ يونيو» تاريخ علني يمكن أن ترصده من واقع البيانات الرسمية التى صدرت عن مؤسسات الدولة المختلفة وأحزابها ومؤسساتها المدنية، يمكنك أن تسجله من واقع كلمات المسئولين الرسمية، التى ألقوا بها على الناس فى مناسبات مختلفة، تستطيع أن تتلمسه فى حوارات أدلى بها من شاركوا فيها إلى الصحف وهي كثيرة، بسهولة تستطيع أن تمسك ببعضه عبر منشورات شبكات التواصل الإجتماعي، ولا تفلته من بين يديك وأنت تراجع وقائع عام حكم الإخوان التى سجلتها الصحف باعتبارها ديوان الحياة، لا تترك شاردة أو واردة إلا وتسجلها.

ستخرج من كل هذه المصادر بصورة شبه كاملة للثورة، لكن ستظل الصورة الكاملة حبيسة صدور الملايين الذين شاركوا فيها، ولديهم حكاياتها وحكاياتهم، وهي في النهاية يمكن أن تشكل «قطع بازل»، ليس علينا إلا تجميعها ورصها إلى جوار بعضها، هذا إذا أردنا أن نعرف ما الذي جرى على وجه الدقة.

هل يزعجكم إذا قلت لكم إن من قاموا بثورة يناير، رغم خبث غرض كثيرين منهم، إلا أنهم كانوا أكثر وفاءً لما جرى من الذين شاركوا فى ثورة ٣٠ يونيو؟!.

بسهولة يمكن أن تجد عشرات الكتب، إن لم تكن مئات، وثّق أصحابها شهاداتهم على أحداث يناير، وهو ما لم يحدث مع ثورة يونيو، وفى الوقت الذى يحاول فيه من شاركوا فى يناير توحيد صفوفهم وشد أزر بعضهم البعض، نجد صف ٣٠ يونيو يتعرض لشروخ كثيرة، أعتقد أنه من الصعب ترميمها أو تفادى آثارها الخطيرة. 

لم أطرح سؤالى عمن صنع ٣٠ يونيو لمزيد من شق الصف، فليس فى بالى منح هذا الفضل لأحد وحجبه عن الآخرين، فقط أنبه إلى أننا لم نقم بواجبنا المعرفى تجاه الحدث الأهم فى تاريخنا الحديث، ليس لأنه قلبَ وجه الحياة فى مصر، ولكنه حافظ على ألا ينقلب هذا الوجه، وهو ما كان يخطط له أعضاء عصابة الإخوان الإرهابية، على العكس تمامًا فقد سمحنا لمن يشكك فى هذه الثورة، بأن يضعونا فى «خانة اليك»، ما يجعل كثيرين منا يترددون فى الدفاع عنها والتمسك بجدارتها، وكأنها «بطحة» نخشى أن يشير إليها أحدٌ منا، وحتى لو أشرنا إليها فإننا نتحسسها وكأننا لا نريد لأحد أن يراها. 

الثورة التى يجب أن يخلدها الشعب المصرى ليست فقط أحداث الأيام الأربعة من ٣٠ يونيو، عندما خرجت الملايين ضد الفاشية الدينية، إلى ٣ يوليو عندما وقف عبدالفتاح السيسى بين رموز تمثل المجتمع المصرى على اختلاف توجهاته وأفكاره ومعتقداته، ليعلن خارطة طريق، هى فى الحقيقة خارطة مستقبل وإنقاذ كامل مما كان يُراد بنا ولنا. 

الثورة لا تزال ممتدة حتى الآن، لأنها معركة ممتدة بين وطن يقاوم وأعداء يصرون على دخول المدينة مرة أخرى، وليس لأحد أن يرتاح أبدًا، قبل أن نحسم هذه المعركة، ولذلك فالحرب على الإرهاب جزء لا يتجزأ من هذه الثورة، معركة البناء الممتدة هى جزء منها، المعركة الإعلامية الشرسة بين الإعلام المصرى والإعلام المعادى، الذى تحوّل إلى منصات إطلاق صواريخ على مصر وشعبها، جزء من قلب هذه الثورة. 

يمكن أن تقول، تأسيسًا على ذلك، إن تدوين الثورة وتوثيق أحداثها مناسب بعد أن نحسم معاركها كلها، وهو منطقى من بعض الوجوه، لكن من وجوه أخرى للحقيقة ليس كذلك، فلا بد من الإمساك باللحظة، التى هى جزء من وعينا العام، ذلك الوعى الذى هو وقود المعركة الكبرى التى نخوضها من أجل البقاء. 

يحاول خصوم ٣٠ يونيو تشويهها، الإساءة إليها، نزع الشرعية عنها، وهو ما يجب ألا نستسلم له، لأننا لو استسلمنا له فهو الخطر الكامل، أو قولوا الفناء الكامل أيضًا.

الفكرة واضحة فى ذهنى إذن، وأرجو أن تكون واضحة فى أذهانكم. 

نحتاج إلى توثيق ما جرى، ليس لأنه جزء من التاريخ، ولكن لأن التوثيق هو جزء من المعرفة التى تصنع الوعى، الذى هو ضرورى فى مقاومة كل من يريد سوءًا بهذا الوطن. 

هنا لن أكتب تاريخًا رسميًا، بل سأكون معكم على موجة واحدة، وأنا على وعى تام بأن هذه الثورة صناعتنا نحن، مجدنا نحن، خلودنا نحن.. أيامنا نحن، أخلصنا النية فكانت يد الله معنا.