رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليالى الرعب الإخوانى فى مؤسسة الأهرام

مؤسسة الأهرام
مؤسسة الأهرام

أمامى وقت طويل كى أصف مرارة يوم واحد من عام الألم والحزن والكآبة الذى عشته تحت حكم جماعة الإخوان المسلمين، كل صباح كان يأتى بما يغم النفس ويقتل الأمل ويُشيع الكآبة، وإن كنتُ شاركت المصريين جميعًا غضبهم وثورتهم ضد مرسى وعصابته، إلا أن تجربتى فى مؤسسة «الأهرام» كانت هى الأصعب، وكلما استرجعتُ جانبًا منها أدركت معنى خلاص البلاد من هذا السرطان المتأسلم، وسأعيش ما كتب الله لى من سنوات وأنا مدين لكل مصرى وقف فى وجه الطوفان لينقذنا من جماعة القتل والتخريب والدمار التى جاءت لتحكم مصر، وأمامى وقت طويل لأتخلص من تقديسى الشخصى لتلك اللحظة التى ظهر فيها جيش مصر كبشارة نور وضحكة فجر حملها إلينا الفريق أول عبدالفتاح السيسى وظهرت فى ٣٠ يونيو ثم تجلت واكتملت فى ٣ يوليو.
أما وقد قاربتُ الخمسين من العمر، ومضت على ثورة يونيو خمس سنوات، فهذه شهادتى بين أيديكم وأمام نفسى وضميرى بالطبع، فإذا كان مقدرًا للإنسان العثور على قطعة لؤلؤ واحدة فى حياته فإننى أعتبر ثورة يونيو قطعتى التى بعثها الله لى حتى أموت مطمئنًا أن مصر الفرعونية باقية ولم تدهسها جحافل الظلاميين، وإن كان الرجل المريض هو الذى يعيش مدينًا بالفضل لله سبحانه وتعالى وللطبيب الذى أنقذ حياته فأنا ذاك المريض، أما ما دون ذلك بالنسبة لى من هموم وحمول وأثقال تنوء بها الجبال فسوف تمضى وتبقى مصر وشعبها.




6 ساعات من الحصار فى مكتب ممدوح الولى.. والنقيب الإخوانى يرسل بلطجية لإنهاء الاعتصام
كانت الأنباء تترد فى المساء حول استعدادات لفض اعتصامنا فى مكتب رئيس مجلس إدارة الأهرام، البعض يؤكد أن ممدوح الولى قرر استخدام القوة مع شوية البلطجية اللى همه إحنا، وأنباء عن استعدادات لحصارنا من عمال المطابع الذين أرسل فى طلبهم لتأديبنا وطردنا من المؤسسة بعد أن أقنعهم بأننا نعطل المسيرة ونعوق الخير الإسلامى القادم للعاملين، بينما راح فريق ثالث يسخر من الفكرة غير متصور أن يفعلها ممدوح الولى مع صحفيين اتخذوا من الاعتصام السلمى طريقة للتعبير عن غضبهم، فهو ليس رئيسًا لمجلس إدارة الأهرام فحسب بل هو نقيب الصحفيين المصريين، ولا شك أنه سيخجل من تصرف كهذا، وبعد السحور، إذ كنا فى رمضان ٢٠١٢، انفض الناس من حولنا وبقينا مجموعة صغيرة تتحصن ببعض الأغانى الوطنية والمسامرات الخفيفة، وكلما مضى الوقت تسرب خوف إلى القلوب، ولم يكن مسموحًا بالإعلان عنه حتى لا نضعف بعضنا بعضًا، لكننا ومن دون اتفاق تحركنا نحو الباب الزجاجى الذى نتحصن خلفه، وتأكدنا من قوته وصلابته لو حدث المقدر وجاءت جحافل العمال تدوسنا بأقدامها، وقبل طلوع شمس النهار بقليل قال الزميل إبراهيم فاروق: إحنا لازم نبلغ أمن المؤسسة تحسبًا لأى غدر قادم من الخارج، وقال أحمد العبادى: طظ فيهم كلهم.. هيعملو إيه يعنى؟ إحنا صحفيين مش بلطجية، واتفق الزميلان «عمرو الفار وعادل الألفى» على أننا فى معركة سلمية ولدينا أهداف محددة هى تطهير المؤسسة من جماعة الإخوان واختيار القيادات المهنية وليست الدينية، وقال إبراهيم السخاوى: زمايلنا فى الصحف والوكالات معانا يا جماعة ما تقلقوش، وثار لغط بيننا حول ضرورة الحماية، فنحن فى مكتب لا يحمينا داخله سوى باب زجاجى، لكننا انتبهنا جميعًا إلى وجود الزميلة «هبة عبدالعزيز» فهى البنت الوحيدة التى واصلت معنا وأصرت على الاعتصام بعد أن شاركتنا عددًا لا بأس به من الوقفات الاحتجاجية خارج وداخل مبنى مؤسسة الأهرام، وخيم الصمت طويلًا والنظرات تعكس خوفًا من مجهول.
دبت الحركة فى شوارع القاهرة، وبدأ ضجيج الكلاكسات الذى يصلنا من فوق كوبرى أكتوبر، وتسرب الدفء إلى قلوبنا وبدأت الوجوه تنفرج فبعد قليل سيبدأ الموظفون والزملاء من الصحفيين فى التدفق إلى المؤسسة، وسيكون كل هؤلاء دروعًا تحمينا مهما تم حشد العمال، وفجأة.. ظهر «فرعون» بجسده القوى وهيئته التى تقترب من هامان فى المسلسلات الدينية، وهو أحد أشهر عمال الأمن بالمؤسسة، وكنا نراه من الباب الزجاجى يجرى بخطوات ثقيلة نحونا، وأمسك بقبضة الباب وهو يطرق بقوة: «افتحوا يا رجالة.. مش عايزين مجزرة هنا»، وتصاعد الخوف وتوتر الموقف، فرعون يريد خروجًا آمنًا لنّا، وهذا يعنى أن الجحافل قادمة بلا شك، والكرة فى ملعبنا، وملعبنا متوتر تائه يدور حول نفسه، ماذا نفعل، وقررنا البقاء وراح إبراهيم فاروق يغنى: مصر يا أمه يا بهية يا أم طرحة وجلابية».
دقائق معدودات ورأينا الرءوس الضخمة تصعد السلم وتقترب من بابنا الزجاجى وتعالت التكبيرات التى تأتينا مثل الرعد، واقتربت الوجوه الغاضبة أكثر، وتجمع العشرات أمام الباب حتى امتلأت الطرقة الطويلة برجال ممدوح الولى وجماعة الإخوان وراحوا يشيرون إلينا بالتهديد والوعيد وأصابعهم الغليظة تلطع علامات الذبح والقتل على الباب الزجاجى، الذى اكتشفنا مدى قوته وصلابته، لكننا كنا نرتجف ونخشى انهياره فرحنا نتحرك بعشوائية ونخبط فى بعض ونحن نجلب الكراسى من المكتب الداخلى لنترسها خلف الباب ونشيل الشانون وكل ما حولنا من مكاتب، ولم تحتمل الزميلة هبة عبدالعزيز المشهد فانهارت فى بكاء متواصل غير مصدقة أن ما يحدث حقيقى وليس مشهدًا فى أفلام الرعب، والتوتر يتضاعف، بينما رأينا آخرين يخرجون من أبواب الأسانسير وبينهم بعض الزملاء الصحفيين، فهدأ القلق والخوف قليلًا، وتراءت وجوه الزملاء: «عبدالجواد توفيق، وائل الليثى، أحمد عامر، جلال نصار، محسن عبدالعزيز» وغيرهم ممن لا تسعفنى الذاكرة بذكرهم، بينما كان زميلنا إسماعيل الفخرانى المنتمى للجماعة يقف فى جانب جحافل ممدوح الولى، وبدأ الزملاء فى تهدئة العاملين دون جدوى وارتفعت الأصوات الهادرة وبدأت الضغوط تتزايد علينا فنحن قلة محشورة خلف مكتب زجاجى، والقادمون عشرات قد يفتكون بنا وتتحول الأهرام إلى مجزرة كما قال «فرعون» وهو يبعث أولى الرسائل إلينا.
كان العرق يتصبب منّا والصيام يساعدنا أكثر على الصمود، لكن الهتافات فى الخارج هادرة كأننا كفار قريش ينتظرهم مصير أليم من التعذيب، كنا نرقب ما يدور ولا نعرف إلى أين سينتهى هذا الموقف العصيب، وكان واضحًا أن الزملاء الصحفيين يتفاوضون مع المتربصين الثائرين الذين يريدون إرضاء السيد رئيس مجلس الإدارة الذى كلفهم بمهمة تأديبنا، ومضى وقت طويل ونحن تحت الحصار، وبما أننى والزميل إبراهيم فاروق الأكبر سنًا فقد نظرنا لبعض البعض وتلاقت عيوننا وهتف إبراهيم: «مصر.. مصر.. تحيا مصر» وهتف معنا باقى الزملاء، فكأن الأرض ارتفعت بنّا، وتنوع الهتاف واشتد ونبضت عروقنا قوةً وشجاعة، فالوضع كما نراه من خلف الباب الزجاجى يزداد سوءًا والجحافل تأبى إلا النيل منّا، وكلما أبعدوهم للخلف عادوا يهجمون ثانية وهتافاتنا ترتفع أكثر فتمنحنا القوة، والعرق المتصبب من الجباه يكاد ينطق باسم مصر التى تستحق ما هو أكثر، وبحركة سريعة وذكية أمسك إبراهيم السخاوى بورقة وكتب عليها رقم هاتفه ولطعها على الباب، وأشار إلى جلال نصار كى يطلبنا، لكن الجحافل أبت إلا تحطيم الباب والانقضاض علينا، ولم يكن هناك مفر من التفاوض بعد حصارنا لمدة ست ساعات متوصلة، وتقدم الزملاء الصحفيون وفتحنا لهم الباب وانتهت المفاوضات بضرورة خروجنا فى حماية الأمن وبأجساد زملائنا الصحفيين فى المؤسسة، وتمسكت هبة عبدالعزيز بمواصلة الاعتصام رافضة الخروج بهذا الشكل المهين، وحاولنا تحقيق رغبتها، لكن الموت دهسًا سيكون مصيرنا، فخرجنا واحدًا وراء الآخر وصنع الزملاء ساترًا بأجسادهم لحمايتنا من المتأهبين للفتك بنّا.




أزمة البابا شنودة بعد «الحكومة بتدلع الأقباط».. وجرائم عبدالناصر سلامة وإسماعيل الفخرانى ضد الجميع
يومها اكتشفنا أن معركتنا خاسرة وأن الرهان على دعم الزملاء وحماية أمن المؤسسة لن يرحمنا من قبضة هؤلاء القادمين لاحتلال الأهرام ومصر كلها، فلم نكن تنظيمًا، ولم نتجمع إلا فى وقفات احتجاجية بدأناها من جروب على فيسبوك باسم «اتحاد شباب الأهرام» الذى ولد مع ثورة يناير، وخضنا من خلاله عدة معارك ضد أخونة الأهرام، وكانت تلك المعركة أشرسها، فقد كانت الأهرام قد تحولت إلى فرع لمكتب الإرشاد، وتم توزيع المناصب والصفحات والملاحق على أعضاء الحرية والعدالة بكل بجاحة ودونما خجل أو تأنيب ضمير وكله على المكشوف، وأصبحت مؤسسة الأهرام أسيرة بين أنياب ممدوح الولى المقرب جدًا من المرشد وأحد أهم الكوادر الإخوانية، وبين ضروس وأسنان «عبدالناصر سلامة» الذى جاء به مجلس الشورى الإخوانى رئيسًا للتحرير، ولم يكن اسمه معروفًا فى الأهرام ولا فى المهنة كلها إلا بواقعتين كلتيهما أسوأ حالًا من الأخرى، فهو صاحب مقال «أقباط ٢٠١٠» الذى أهان فيه أقباط مصر وقال إن الحكومة «بتدلعهم وتطبطب عليهم»، وتسبب فى أزمة كبيرة دفعت البابا شنودة إلى إصدار بيان يتهم فيه كاتب المقال بالتحريض ضد أقباط مصر، وخرج أسامة سرايا، رئيس تحرير الأهرام، ليعتذر فى كل فضائيات المحروسة، ثم بمقال فى صدر الصفحة الأولى للأهرام، وتم إيقاف عبدالناصر سلامة عن الكتابة نظرًا لما ارتكبه من تطرف وعنصرية فى حق مواطنين مصريين، أما الواقعة الثانية فهى مقال عن ثوار ميدان التحرير كرر فيه نفس اتهامات السندوتشات وكنتاكى، ولذا كان اختياره رئيسًا لتحرير أعرق مؤسسة صحفية فى الشرق الأوسط محيرًا.
كان مشروع التمكين واضحًا لا يحتاج دليلًا، وكان علينا أن نتصدى قدر المستطاع، فبدأنا فى عمل وقفات احتجاجية، كان العدد كبيرًا فى البداية وزاد مع تعرض الزميل الراحل الحسينى أبوضيف لخرطوش الإخوان فى الاتحادية، لكنه تراجع وانحسر تمامًا لنصبح سبعة صحفيين نزيد واحدًا وقد نصل إلى عشرة لا أكثر ولا أقل، وتعددت الوقفات حتى وصلت إلى الدور الرابع حيث صالة التحرير، وكانت أهدافنا واضحة ومحددة: فصل الأهرام عن مكتب الإرشاد، العودة بالسياسة التحريرية من الجنوح الإخوانى إلى مصالح الناس، تحجيم عدد كتاب مقالات الرأى المنتمين إلى جماعة الإخوان والسلفيين، وإعادة نشر مقالات كبار كتاب الأهرام الذين تم إبعادهم والتنكيل بهم، وفى واحدة من وقفاتنا حققنا انتصارًا كبيرًا حين نجحنا فى حصار عبدالناصر سلامة فى مكتبه، ويومها تطاول على إحدى الزميلات وصفعها على وجهها، وفى مرة أخرى نجحنا فى طرد «حلمى الجزار»، عضو مجلس شورى جماعة الإخوان، من المؤسسة، وكان فى زيارة لرئيس التحرير بعد أن أصبح أحد كُتاب الأهرام مع حلمى القاعود، ونادر بكار، ممثل السلفيين، ويونس مخيون الذى تنافس الزملاء فى محاورته حتى أصبح نجمًا! وخلال ثلاثة أشهر متواصلة لم تتوقف الاحتجاجات ولم أتغيب مرة بحكم خبرتى، مقارنة بزملائى المشاركين فى الوقفات، واعتبرتها قضيتى التى تخصنى، كنت أرى دورى هنا بين هذه الجدران التى أنتمى إليها والتى تتهدم على رأسى وعلى رأس أفكارى وتصوراتى عن العالم وعن مصر الفرعونية التى تحارب التأسلم والتطرف، وها هى تقع فريسة بين أنياب وحوش لا ترحم جاءوا بأطماعهم ورغباتهم فى التمكين لجماعتهم وإلغاء الهوية المصرية بشكل نهائى، والأهرام قلعة حصينة ومنارة للفكر والوعى، ولا يجوز تركها لهؤلاء القادمين من تحت القرضاوى وحسن البنا وسيد قطب، وتعددت الوقفات حتى وصلنا الى الاعتصام الذى انتهى نهاية مؤلمة كما رأيتم.
تحولت مؤسسة الأهرام سريعًا إلى مكتب للإرشاد، خرج جيش من أقسام المراجعة والإدارات لاحتلال صالة التحرير، فهم أبناء الحزب الحاكم «الحرية والعدالة»، هم أصحاب الكلمة العليا الآن وعلى من يرفضهم أو يعترض على تمكينهم الخروج من المؤسسة أو من مصر كلها إن أراد!.
لم يكتف ممدوح الولى، رئيس مجلس الإدارة، بذلك بل أرسل فى طلب «أعضاء الجماعة» الذين يعملون بالخارج، وجهزّ لبعضهم مناصب فى مخالفات واضحة للوائح المؤسسة، وكان الأستاذ «إسماعيل الفخرانى» واحدًا ممن جاء بهم على درجة مدير للتحرير، وأسند إليه «بوابة دينية» كانت أكبر فضيحة مهنية للمؤسسة العريقة فى تاريخها. 
تصرفات مجلس الإدارة لم تكن بعيدة عن التحرير، فصفحات الأهرام أصبحت مرتعًا للإخوان والسلفيين، أما مقالات التقديس والتدليس فى مرسى فقد بلغت أقصاها حين كتب إسماعيل الفخرانى مقالًا هو الأغرب فى تاريخ المهنة، طالب فيه بوقف عرض مسرحية «مدرسة المشاغبين» لأن عبارة «مرسى الزناتى انهزم يا رجالة» التى يرددها الفنان سعيد صالح مقصود بها الرئيس المبجل محمد مرسى! وبحنكة الأديب قال الفخرانى إن الدولة العميقة متمثلة فى مبارك تحرص على عرض المسرحية للنيل من مرسى! أما حلمى القاعود فراح يكتب عن الأديبات والكاتبات السافرات اللائى يخرجن للتظاهر ضد مرسى، وكيف أنهن فاسقات فاسدات والعياذ بالله، وظل يكتب محرضًا ضد المتظاهرين فى الشوارع ومطالبًا بتطهير البلاد منهم!، كما أصبح الأستاذ نادر بكار كاتبًا تحرص صفحة المقالات على نشر الغثاء الذى يكتبه!، وتوزعت المناصب والصفحات على الحبايب والمحاسيب من حماة المشروع الإسلامى!، حتى رؤساء الأقسام تم اختيارهم وفق هذا المنطق وإن كان عبدالناصر سلامة قد خالف كل هذا التوجه واختار الزميلة زينب عبدالرازق لإدارة صفحة الحوارات، رغم أنها بعيدة تماما عن التنظيم ولا ترتدى الحجاب، وحتى يتم إعلان الأهرام مؤسسة «دينية» تابعة للمرشد وتؤتمر بأمره تم افتتاح بوابة دينية أسندوها للأستاذ إسماعيل الفخرانى أيضًا.


دموع نجيب محفوظ على جدران الخراب.. وأسرار نفاق السياسيين والرياضيين والمثقفين لـ«الإخوان»
هكذا رأيت المشهد كله سوداويًا غارقًا فى الكآبة وسوء المنقلب، كل شىء حولى يتحول إلى جحيم يثير كراهيتى للوجود، الحوائط ملطخة بالعبارات الدينية، أدعية دخول الأسانسير والخروج من الحمامات وفتاوى الحجاب وتحريم التدخين ملطوعة وتطاردك فى كل مكان، الطرقات تتحول إلى زوايا رغم وجود مسجد كبير جدًا بالمؤسسة، المتأسلمون الجدد يسيرون فى الطرقات بشباشب زنوبة تطرقع أسفل بنطلونات مشمرة، كل شىء مزيف وكاذب وغارق فى فساد المحسوبية والتدليس وتفضيل أبناء القبيلة على سواهم من المصريين، ولكن ارتداء عباءة الإسلام تبيح لكل هؤلاء القبحاء أن يحاصروننا، أنت فى قندهار بكل معانى الجلافة والتبجح وتصدير الإسلام حربة يغرسها فى بطنك وقلبك كل هؤلاء الذين انتشروا فى صالة التحرير، فالشعب يثق فى الإسلاميين كما تقول صحيفة الأهرام كل صباح، وفى مايو ٢٠١٣ وبينما كان الموسيقار الكبير عمر خيرت يعلن من دار الأوبرا وقف جميع حفلاته اعتراضًا على الإخوان، كانت الأهرام تعلن ثقتها فى الإسلاميين وتحذر من الثورة ضد مرسى، وقال يونس مخيون، رئيس حزب النور السلفى، لزينب عبدالرازق «إسقاط الرئيس يتم عبر الصناديق وليس من خلال حملة تمرد».
الأهرام ليست هى الصحيفة اليومية فقط، لكنها تضم مجموعة من الإصدارات (الإبدو، الويكلى، الاقتصادى، الرياضى، العربى، نصف الدنيا..)، ويتعمد رؤساء مجالس الإدارات عبر عهود متواصلة على التعامل مع «الإصدارات» باعتبارها كيانات منفصلة عن الإصدار اليومى، ونجح ممدوح الولى فى ترسيخ هذه الفكرة وزكاها فى نفوس الصحفيين فحدث انقسام رهيب جعل أبناء الإصدارات هم أنفسهم أبناء البطة السوداء التى نسمع عنها فى الحواديت، لذلك كنتُ أنا بشكل شخصى هدفًا دائمًا لكل أنصار الإخوان فى الأهرام، فأنا من أبناء الأهرام الرياضى، ولا يحق لى التواجد فى المبنى الخاص بالإصدار اليومى!، وكان بإمكانى الابتعاد عن وجع الرأس لو أننى وجدت عددًا من الوجوه الصحفية المعروفة داخل الأهرام تشارك فى الدفاع عن هوية الأهرام ومنع هؤلاء من السيطرة عليها بشكل تام، لكننى وبكل أسف فوجئت بغياب معظمهم عن تلك الأحداث!، وربما كان غيابهم هذا سببًا فى كل ما تعرضنا له فى الاعتصام، ولم يكن لدى تفسير سوى تفرغهم للتظاهر فى ميدان التحرير والاتحادية، وإن كان الدفاع حسب وجهة نظرى عن مؤسستك أهم من التظاهر المجانى فى الشوارع ووسط الجموع، وليس معنى ذلك أن اختفاء بعضهم من المشهد كان انتظارًا لمنصب أو حتة من كيكة الإخوان التى كانت تتوزع على بعض الزملاء من غير المنتمين للجماعة كوسيلة للتغطية على مشروع التمكين ولضمان تأييد قطاعات جديدة من ضعاف النفوس وعباقرة التبرير، وحتى لا نظلم أحدًا ولا نزايد على أحد، فربما كان غيابهم لعدم تقديرهم الشخصى للمحتجين فاستكثروا وجودهم بين شباب غير معروفين، وقد يكون ذلك السبب أوقع، فقد كنا بالفعل مجموعة من الشباب، وكنت أنا وصديقى إبراهيم فاروق أكبرهم سنًا، وفى أحد اللقاءات التى نجحنا فى إجبار ممدوح الولى على حضورها لسماع رأينا فى كل ما يحدث داخل مؤسسة الأهرام، سألنى بخبث: حضرتك مالك بالأهرام اليومى أنت من الإصدارات!، وكنتُ هادئًا وأنا أؤكد له أننى دخيل على الأهرام حسب وجهة نظره، لكننى لست دخيلًا على المهنة التى تداس بالأقدام.
كنت أعرف أنها حرب نفسية وأن التنظيم الذى ينتمى إليه ممدوح الولى يلعب على هذا الوتر دائما، لكن العنجهية التى تحدث بها، والتى جعلته يعتبر نفسه صاحب الأهرام ويرانى «دخيلًا» عليها، نالت منى وكادت تهزمنى، وسرت فى طرقات الأهرام حزينًا أفكر فى الابتعاد عما يحدث وأريح أعصابى لولا أن أطلّ نجيب محفوظ من صورة بالأبيض والأسود معلقة فى بهو الدور الرابع تجمعه مع يوسف إدريس وتوفيق الحكيم، صورة تلخص الموقف وتجدد الأمل، إنها الأهرام يا أوغاد، وستظل منارة الفكر، وانتبهت إلى دورى كرجل يظن نفسه مثقفًا وكاتبًا، ويعرف جيدًا ماذا سيصنع هؤلاء بمصر وأهلها إن استسلم هو وغيره، فالخطر المتأسلم أشرس من الاستعمار والاحتلال، وتنظيم الإخوان المغروس فى قلب مصر مثل سرطان عاش أطول فترة استقرار فى عهد مبارك فانتشرت خلاياه فى القرى والنجوع وامتدت إلى المدارس والجامعات وصنعت أجيالًا تدين بالولاء والطاعة للمرشد خليفة المسلمين، وتشكلت من هذه الأجيال أجنحة عسكرية تفاخر بها مهدى عاكف على الملأ فى ٢٠٠٦، وظهرت كميليشيات ترتدى الملابس السوداء وتعصب رءوسها بشعار جماعة الإخوان «وأعدوا» فى قلب جامعة الأزهر، ومقاومة مشروعهم جزء لا يتجزأ من مصريتك وهويتك ووجدانك، هكذا أقول لنفسى، فلم يكن حال الصحف أفضل حالًا من الأهرام، فقد تعجب الدكتور حسن نافعة من «الليبراليين» الذين يتحدثون عن «أخونة الدولة» واتهمهم بتضخيم الأمور!، واكتشف الكاتب والإعلامى الرياضى ياسر أيوب أن كرة القدم وُلدت فى حضن الجماعة!، ونشرت الجماعة صورًا لمؤيدى مرسى وكان بينهم بفضل الله الأستاذ المعتز بالله عبدالفتاح، ومحمود سعد ويسرى فودة وعشرات من الليبراليين المؤيدين للإسلام السياسى(!)، وظهر «مرسى» فارسًا يمتطى صهوة جواد جامح على غلاف مجلة أكتوبر (أغسطس ٢٠١٣) التى كتبت تحته بالأحمر الفاقع «الثورة تنطلق»!، وكانت قد انطلقت بالفعل ثورة «الملاغية» بين محمد مرسى والبغائيين القدامى الذين انتقلوا بسهولة ويُسر من حضن «جمال مبارك» إلى معسكر حسن البنا ورجاله الجدد، وأخذوا معهم خيرة شباب الليبرالية!!، وتم تداول عبارة (رغم اختلافى معهم..) بأساليب وطرق متنوعة وغير مسبوقة فى تاريخ اللغة، قالها الجميع استعدادًا لعزف لحن التدليس والموالسة لمرسى وجماعته.. فازدات الصورة سودًا، ولم تكن الأوضاع خارج الصحف ومؤسسة الأهرام أفضل حالًا!



نقاب للسيدة أم كلثوم فى عهد «وزير الأصنام الإخوانى»
كل شىء كئيب ومحزن، كل شىء يقول إن مصر على وشك هزيمة لن تقوم منها بسيطرة الجماعة على مفاصلها، كل شىء خانق ومؤذ للقلب والعين والأذن «قاطعوا النصارى» التى لطعوها على أعمدة الإنارة والأشجار واللافتات، تغطية التماثيل والمنحوتات وتلطخيها بالحبر الأسود وتحريم الفنون، اعتلاء الذقون مناصب الدولة، صوت محمد مرسى وصور خيرت الشاطر وأبوإسماعيل، الجحيم حولى وخلفى وفى كل مكان، فى المنصورة خرج شباب الجماعة المتأسلم لمحاربة تمثال الست أم كلثوم وقاموا بتغطيته بالقماش، وأصبحت الست منتقبة بفضل الله، حتى لا يثير فتنة الشباب، وفى المنيا ذبح شباب الجماعة طه حسين وجزوا رأس تمثال له تعبيرًا عن كراهيتهم له ولأفكاره، تمامًا كما فعلوا مع تمثال جمال عبدالناصر فى دار السلام بسوهاج، وفى الإسكندرية كانت الكارثة الكبرى حين انتفض رجال أشداء بفضل الله وقرروا الانتقام من حوريات البحر المثيرات للغاية، فهجموا على التمثال وانتقموا منه بكل أشكال القبح المعهودة عن عقول تفكر على هذا النحو وتمتد فى شرايين المحروسة كسرطان حتى تصل إلى «الأقصر»، المدينة السياحية الأعظم فى تاريخ المدن، حيث السيد المحافظ عادل أسعد الخياط المنتمى للجماعة الإسلامية والذى اختاره محمد مرسى والذى وقف بكل جهل ووقاحة وتبجح ليقول إن الآثار المصرية «أصنام» وتغطيتها ضرورة!!، وأثيرت أزمة كبرى وقررت الشركات إلغاء رحلاتها السياحية وأصدرت شركة توماس كوك بيانًا تؤكد فيه إلغاء رحلاتها الشتوية إلى الأقصر، وتجهمر الناس حول مكتبه فى مظاهرة تستنكر وجود هذا الشخص فى مدينة تعتمد على «الأصنام» فى أكل عيشها ورزق أولادها، فى حين كان الألم أبعد من ذلك بالنسبة للمؤمنين بمصريتهم العارفين بخطورة ظهور هذه الطفيليات لتحكم مصر وأقاليمها وتصل مجالسها، فتحت قبة البرلمان المصرى كادت تشتعل أكبر فتنة حين رفض عدد من أعضاء مجلس الشعب المنتمين لحزب النور السلفى الوقوف دقيقة حدادًا على روح البابا شنودة بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية المصرية وصاحب التاريخ الوطنى العريض، وشهدت الجلسة ما لم يخطر على قلب بشر حين انقسم السلفيون إلى ثلاثة فرق إسلامية، رفض الفريق الأول منها مبدأ الوقوف دقيقة حدادًا لسبب شرعى، أما الفريق الإسلامى السلفى الثانى فقد رأى أن الوقوف فى أثناء الدقيقة هو «الحرام»، ولكن الجلوس والبقاء فى القاعة «حلال»، فى حين قرر فريق ثالث مشاركة الأعضاء الوقوف!، المشهد المؤسف لم يكن مفاجئًا فقبلها رفض فريق سلفى الوقوف للنشيد الوطنى المصرى، فهل بعد ذلك خيانة؟! 
إنه العبث، وخطة تجريف مصر من هويتها وإعادتها إلى عصور الظلام تسير بسرعة الصاروخ، فالجماعة بدأت تفرض قبضتها على معظم الوزارات والهيئات بتوزيع المناصب على أعضائها وقياداتها، وفوجئ الشعب الذى ثار ضد توريث نجل مبارك بعشيرة كاملة تتولى المناصب بل تخترع مناصب إضافية لتمكين قياداتها ولترضية باقى أعضاء التنظيم، كما حدث مع الإخوانى «حسن البرنس» الذى عُيِّن نائبـًا لمحافظ الإسكندرية فى ١٨ أكتوبر ٢٠١٢، كما التحق ١٣ منهم فى مناصب مستشارى المحافظين، واحتل ١٢ عضوًا بالجماعة مناصب رؤساء مدن وأحياء موزعة على سوهاج والمنيا وكفر الشيخ والفيوم، بالإضافة إلى مناصب محلية تتصل بإدارة المستشفيات وقطاعات المياه والصرف الصحى والكهرباء والإعلام والتعليم، لكن الشرارة الأولى لاعتصام المثقفين انطلقت عندما مالت الذقون على بعضها داخل اللجنة الثقافية بمجلس الشورى، وصدرت توصية بمنع فن الباليه من دار الأوبرا باعتباره عملًا فاحشًا!!، وهزّ الشيوخ رءوسهم بالموافقة!.

أخيرًا.. وزير الفضائح الجنسية يسقط على أبواب حى الزمالك
فى حى الزمالك كانت بذرة أمل جديدة وقوية تنمو، وفى كل ليلة كانت البذرة تكبر حتى اشتد عودها بعد أربعين يومًا بالكمال والتمام ليهل فجر ثورة ٣٠ يونيو ويكتمل البدر بعزل مرسى فى ٣ يوليو، فى البداية لم يطمئن سكان الحى الهادئ، فأغلقوا النوافذ والشرفات المطلة على شارع شجرة الدر بالزمالك حيث مبنى وزارة الثقافة!، فالتجمعات التى بدأت تظهر فى الأيام الأخيرة من مايو ٢٠١٣ تُنذر بخطر قادم وحدث مفاجئ لم يعتادوا عليه، ويخشون عواقبه، لكنهم فى اليوم الثالث للاعتصام وكأنما اتفقوا سرًا فتحوا الشبابيك وقذفوا كميات مهولة من البونبون والحلويات الصغيرة مصحوبة بالابتسامات والضحكات.
كانت الصورة قد اتضحت، فهذه السيدة الجميلة التى يلتف الشباب حولها هى عازفة الفلوت العالمية «إيناس عبدالدايم»، وتلك التى تقف شامخة بخصلة بيضاء كبيرة كتاج يزين رأسها هى الكاتبة فتحية العسال، أما الرجل النحيف بعصاته التى يستند إليها فهو الكاتب الكبير بهاء طاهر، وهذا سيد حجاب وذاك خالد يوسف..، وهؤلاء الشباب الذين يكنسون الشوارع كل صباح ويحرصون على نظافة وثقافة المكان هم «الورد اللى فتح فى جناين مصر» من طلاب معهد الفنون والأدباء والمخرجين والممثلين، إنها البشارة إذن، فكل هؤلاء جاءوا لمواجهة طوفان الجهل بالغناء والموسيقى، جاءوا لإنقاذ مصر من بين أسنان الوحوش الذين ينهشون لحمها ويلطخون تماثيلها ويسخرون من نشيدها الوطنى، ويعيدونها إلى عصور الظلام وصلت رسائل الأمان وتلاقت الوجوه وتبادل الجميع الابتسامات وضحك النيل بينهم، وشهد الحى الراقى أروع ملحمة فنية استمرت أكثر من أربعين يومًا عامرة بالبهجة والغناء الرقص والشعر والهتاف: «اقفل على الحرية الباب.. مرشد عار ورئيس كداب».
كانت الشرارة الأولى للاعتصام قد انطلقت عندما صدرت توصية بمنع فن الباليه من دار الأوبرا باعتباره عملًا فاحشًا!!، وسرعان ما تحولت الشرارة إلى لهب اشتعل فى المؤسسات الثقافية والفنية حين جاء الإخوانى «علاء عبدالعزيز» وزيرًا للثقافة وفى قدميه حزام لنسف الفن والإبداع، وبين يديه قرارات كان المقصود منها إفساح المجال لمشروع «أخونة» الدولة باستبعاد أحمد مجاهد من هيئة الكتاب وإلغاء ندب إيناس عبدالدايم رئيس دار الأوبرا وإقالة نصف قيادات الوزارة تقريبًا!، ووسط هذا التوتر الشديد تقدم الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة د. سعيد توفيق باستقالته من منصبه، كما استقال الشاعر عبدالمعطى حجازى من رئاسة تحرير مجلة «إبداع» الصادرة عن وزارة الثقافة، وأسامة عفيفى رئيس تحرير مجلة «المجلة» الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. 
الفضيحة الجنسية التى كان بطلها المونتير «علاء عبدالعزيز» مع إحدى طالبات المعهد العالى للفنون، لم تمنع جماعة الإخوان من اختياره وزيرًا، ليس لأنه قدم نفسه لهم بمقال فى بوابة «الحرية والعدالة» أعلن من خلاله تأييده لمرسى، ولكن لأنهم يحلمون باحتلال تلك الوزارة عبر أحد رجالهم، وهو ما بدأه «علاء عبدالعزيز» سريعًا حيث قرر انتداب «خالد فهمى»، القيادى الإخوانى بمحافظة المنوفية لتولى رئاسة دار الكتب والوثائق القومية! وجاء بالدكتور جمال التلاوى من المنيا رئيسًا لهيئة الكتاب! وكان فى طريقه لزرع كوادر جماعته فى كل شبر بالوزارة.
لذا بدأت التحركات، ومن دار الأوبرا أعلن الموسيقار الكبير عمر خيرت فى ٢٨ مايو ٢٠١٣، وقف جميع حفلاته، وفى وسط القاهرة كان المخرج الكبير مجدى أحمد على يبحث مع الناشر محمد هاشم والمخرج محسن حلمى والفنان أحمد عبدالعزيز والشاعر إبراهيم داود وعشرات من المثقفين خطوات تصعيد الموقف، وجاءت فكرة نقل الاعتصام من دار الأوبرا إلى مقر الوزارة بالزمالك، واتفق الجميع على ذلك، وتحمس الشباب لفكرة إذلال وزير الجماعة وحرمانه حتى من الجلوس على مقعده، واعتبروها إهانة لتاريخ مصر الثقافى أن يجلس هذا الظلامى ومن خلفه يطل تمثال طه حسين؟
تزامنت تلك التحركات مع الدعم الكبير الذى قدمته جبهة الإبداع المصرى التى دعا إليها المخرج خالد يوسف والدكتور محمد العدل وعبدالجليل الشرنوبى وضمت أعضاء من «غرفة صناعة السينما، اتـحـاد الـكتـاب، نقابة الفنانين التشكيلين، نقابة المهن السينمائية، نقابة المهن التمثيلية، نقابة المهن الموسيقية، جـمـعـية الـنقـاد، نادى القلم المصرى، أتيلية الإسكندرية، نقابة الأثريين، الاتحاد المصرى للغرف السياحية، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، ائتلاف فنانى الثورة، ائتلاف الثقافه المستقل، جمعية الكاتبات المصريات، أتيلية القاهرة».
وتوحدت الجبهات وتدفقت وفود الفن والثقافة على حى الزمالك، وكما صنعت الـ١٨ يومًا بالميدان حالة من الرقى الإنسانى الفريد، كان بإمكان جميلات الزمالك أن يتريضن مع نسمات الصباح ويوزعن الابتسامات على الساهرين يحمون عرين الثقافة والفن ويحمونهن أيضًا.
الاعتصامات ليست عملًا سهلًا، وتحتاج خبرات وقدرات على التنظيم حتى تستمر وتحقق الهدف منها، والصورة التى كان يشاهدها الجمهور فى المساء حيث حفلات الغناء والرقص والشعر والهتاف، والألوان المبهجة، كان خلفها جيش جرار من الشباب يسهر بعضهم لتأمين المكان وحراسة المداخل وتنظيم الدخول والخروج من المبنى بينما يفترش البعض حديقة المبنى وينامون على بلاط الردهات انتظارًا لموعد الوردية، وهناك بين مكاتب الوزارة وسلالمها حياة كاملة يشرف عليها وينظمها عشرات من الشباب أصبحوا معروفين للمترددين على المكان، الفنان «أحمد فهيم» كان مسئولًا عن تأمين المعتصمين، وهو صاحب فكرة تشكيل لجان لحماية وتنظيم الاعتصام، وفهيم حاصل على درجة الماجستير من جامعة نيويورك فى الجرافيك ديزاين ويعمل مديرًا لبرامج الشباب ومعلمًا للفن بالعديد من المتاحف والجامعات الأمريكية، وقد عاد قبل أيام من الاعتصام وانضم إليه ولم يخرج منه إلا يوم ١٥ يوليو متوجهًا ثانية إلى أمريكا بعد أن أدى مهمته فى صمت، أما الفنانة «مى رضا» التى تولت مسئولية «الإعاشة» فلم يكن يغمض لها طرف إلا بعد أن تطمئن على الجميع، وكذلك مها عفت المنسق الإعلامى، وكريم مغاورى ورباب إبراهيم وشيرين الغرابلى ومحمد البياع وميرفت موسى والكاتب الشاب «أحمد سعيد» الشهير بجيفارا والفنان والمصور «سيمو حامد» صاحب معظم الصور المصاحبة لهذا الموضوع، وغيرهم الكثير ممن قدموا أدوارًا بطولية فى صمت، والتحية واجبة لمن نسيتُ ذكر اسمه



الخرفان والبرسيم.. «كاب» أحمد المغير غنيمة لـ«ميرفت موسى» فى ليلة انهيار الجماعة
المثقفون قبل أن يأتوا إلى البقعة المقدسة بالزمالك كانوا قد شاهدوا صورًا مؤلمة لتمثال طه حسين منزوع الرأس بالمنيا، بينما وضع «مجهولون» النقاب على تمثال أم كلثوم بالمنصورة!! وشاهدوا جحافل الجهل بالإسكندرية تلطخ تمثال «الأشرعة المنطلقة» الذى صممه محمود فتحى، أحد عباقرة فن النحت المصرى (١٩١٢- ١٩٨٢)، وكانوا قد شاهدوا الدم يسيل فى الاتحادية والمقطم أيضًا.
العقلاء وأصحاب الخبرات السياسية من كبار الفنانين والأدباء سيطروا على انفعالات الشباب حتى لا تحدث انشقاقات داخلية يستغلها الإخوان، ولم يكن ذلك عملًا سهلًا خاصة أن خريطة الاعتصام تشعبت وتعددت مشاربها وتوجهاتها السياسية، ولم تعد مقصورة على مثقفى وسط القاهرة أو فنانى الأوبرا، بل اتسعت لتشمل مبدعى مصر فى كل المجالات، وكان من الممكن أن تشتعل صراعات ومعارك التخوين، لكن كل الخلافات القديمة ذابت أمام عدو متجهم قرر أن يغرس أسنانه الحادة فى هوية مصر.
استمر الاعتصام أكثر من أربعين يومًا، نجح خلالها فى زلزلة أركان دولة المرشد، ففى كل يوم تنضم قوافل جديدة، وكل ليلة يبتكر شباب الاعتصام فكرة تستقطب الشارع وتحرضه على النزول فى ٣٠ يونيو، وعلى رصيف كورنيش الزمالك الممتد بدأت فكرة «اضرب كلاكس إن كنت ضد الإخوان»، وانطلقت أصوات السيارات وسط ضحكات المارة الذين بدأوا يتوقفون لتوقيع استمارات «تمرد»، وعلى نفس الرصيف وُلدت فكرة «البرسيم»، ووقف رسامو الكاريكاتير يحملون لوحات ضاحكة لخرفان تأكل البرسيم وأخرى تنتظر التضحية بها يوم ٣٠ يونيو، ولم يكن المعنى خافيًا على المصريين، وكثيرًا ما قررت عائلات النزول من السيارات للاستمتاع بهذه السهرات الفنية الممتعة، وليس هناك ما يمنع من التقاط الصور مع مشاهير الاعتصام.
أما مسيرة القبقاب الخشبى والكارت الأحمر التى انطلقت من مبنى الوزارة تحت شعار «اللهم بلغنا رمضان من غير الإخوان» فكانت من ابتكارات فتيات الاعتصام ودعت إليها حملة «تمرد» وشارك فيها آلاف الفنانين والمبدعين.
حملات التشويه الإخوانية ضد المعتصمين ووصفهم بالشواذ والفاسدين ورعاة الفحش والعرى تصاعدت إلى حد التهديد باقتحام وإخلاء مبنى وزارة الثقافة، وفى الليلة السادسة للاعتصام دقت الطبول وتم الإعلان عن حالة الاستنفار لمواجهة الجحافل القادمة لدك حصون الثقافة ورجالها ونسائها، كما أعلن الإخوانى عبدالرحمن عز على صفحته محرضًا الجماعة ورجالها للانتقام من بتوع «الهشك بشك» وكان هذا الوصف العامى قادرًا على تجييش مئات من عبيد مكتب الإرشاد!.
وجاءت ساعة المواجهة حيث ظهر القيادى الإخوانى عمرو عبدالهادى وخلفه بلطجى الجماعة «أحمد المغير» وعشرات من حراس العفة والطهارة جاءوا لقتل العلمانيين الكفرة!
الشاعر رامى يحيى، بجسده النحيف، كان فى صفوف المواجهة، وشهد وقائع يوم «المغير» ويروى: «أعداد الشباب زادت بشكل كبير أمام مبنى وزارة الثقافة فى هذا اليوم، وانضم الأولتراس والائتلافات الثورية المختلفة للثأر من (المغير) الذى كان أحد قادة مذبحة الاتحادية، وبدأت الأحداث بوقوفهم على الرصيف فى مواجهة الاعتصام، وكان مجرد ظهور (المغير) إعلان للحرب فانطلق شباب المثقفين يطاردونه، أنا جريت معاهم عشان أضربه، لكن لمّا قربت منه اكتشفت أنه بلطجى فاشل وجبان، وممكن يموت بسهولة، لذلك تجمعنا كفريق لحمايته حتى لا يفتك به الثائرون ونخسر معركتنا ونتحول إلى قتله، ونجحنا بالفعل فى توفير قدر من الحماية للقاتل الجبان، لكن أحد الشباب وبقفزة جهنمية ضربه على رأسه بـ(فرامنش)، ثم وضعت الصحفية (رشا عزب) بصمتها الكبيرة بلطمة على وجهه وضربة بالحذاء كانت حديث صفحات التواصل الاجتماعى لأيام طويلة».
ظن «المغير» وجماعته أن المعركة سهلة، وأن ساعة زمن واحدة كفيلة بفض اعتصام شوية العيال!، لكنهم خرجوا بفضيحة وسقط كاب «المغير» ضمن غنائم المعركة ووضعته «ميرفت مرسى» على رأسها. فى صورة كانت الأشهر على فيسبوك وتويتر، ردًا لاعتبارها بعد الصفعة الشهيرة التى تلقتها من إخوانى خسيس فى أحداث المقطم.