رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رزق نوري: هكذا حول المصريون الاحتفال بالأعياد الدينية إلى حالة خاصة

جريدة الدستور

أعياد المصريين رحلات ومتنزهات بالنهار و"بالبلياتشو" و"عفاريت المحمل" بالليل 
أهل القاهرة يشتهرون في العيد بأكل الــــــ "فسيخ" و"كعكً" و"فطير" و"شريك"
العيدية كانت تعطى للخادم مكافأة له علي طول الخدمة 
شوارع العاصمة في العيد مظهر بهيج بها حشود المارة وضحكات الأطفال بالملابس الجديدة 
طقوس المصريين في العيد صلاة ومراجيح وخيم كبيرة وحكايات أبو زيد الهلالي 

عُرف العيد عند المصرى القديم باسم «حب»، وتنوعت الأعياد عند المصرى الحديث، فمنها الأعياد الدينية مثل عيد الفطر وعيد الاضحي، ومنها الأعياد القومية كحتفال الملوك بالنصر، ومنها أعياد ملكية مثل أعياد تتويج الملوك والزعماء، والأعياد الموسمية كعيد الربيع وعيد وفاء النيل.

للمصري مع العيد حكايات، حول تاريخ الأعياد عند المصري وطرقها وطقوسها وأحوالها كان لنا هذه القاء مع د رزق نوري الباحث بمركز تاريخ مصر المعاصر بدار الوثائق المصرية، وإلي التفاصيل:

كيف كان المصريون يستعدون لاحتفالات عيد الفطر المبارك؟ 

تبدأ احتفالات عيد لفطر مباشرة بعد استطلاع الهلال، وأهم مظاهر العيد عندهم هي حرص المصريين على اقتناء الملابس الجديدة، كل على حسب قدرته المادية.

ومن مظاهر العيد بعد انتهاء الصلاة القيام بزيارة الأقارب، وتنشط في المدن الكبرى، الاحتفالات بالعيد في المتنزهات، فيذكر أوليا جلبي (وصفا لسلسلة من الرحلات الطويلة ضمن الإمبراطورية العثمانية) أن القاهرة مدينة مليئة بالمتنزهات التي يرتادها المصريون في الأعياد.

كما أن ادوارد وليم لين مستشرق إنجليزي، اشتهر بمعجمه الكبير للغة العربية فيصف العيد في القرن التاسع عشر، بفرحة المصريين، وفيه يقدم السيد لخادمه قطعة جديدة واحدة من الثياب على الأقل، وينال الخادم بضعة قروش من كل أصدقاء سيده عند زيارتهم المنزل (التي تسمي العدية )، أو عندما يذهب إليهم ليهنئهم. 


وهل العيدية كانت تخص الخادم فقط؟ 
كان الخادم الذي خدم سيده في الماضي يذهب لزيارته، فيكافئه لهذه المشقة، وقد يهدي إليه الخادم طبقا من الكعك، فينال مقابل ذلك ضعف قيمته أو أكثر من النقود، وكذلك اطفال الخادم وبعض الاطفال من الاقارب.

هل كان للمصريين نوع محدد من الطعام في العيد يختلف عن بقية الأيام في التراث المصري القديم ؟ 

كان أهل القاهرة خلال العهد المملوكي يحتفلون بالعيد بأنواع معينة من الطعام منها " الفسيخ " و"الكعك " والفطير" و"الشريك"، ويجهز بعض العائلات أيضًا طبقًا يسمى " مَمْززة " يتكون من اللحم والبصل والدبَس والخل والدقيق الخشن. 
ويُحضر رب المنزل لعائلته عادة ً " نقلًا " – أي: ياميش – كالبندق والزبيب المجفف الخ. وتُغلق أغلب حوانيت العاصمة، عدا حوانيت المأكولات والمشروبات، ومع ذلك تظهر شوارع العاصمة في مظهر بهيج نتيجة لحشود المارة والاطفال في ملابس العيد.

وتقام بالقرب من باب النصر أحد ابواب القاهرة المملوكية عدة أراجيح وخيم كبيرة يعمل بها الراقصون، ورواة سيرة أبو زيد الهلالي، وغيرهم من اللاعبين، كما ترى خلال المقابر عدة خيم لاستقبال زوار القبور".


كيف كانت بداية احتفالات المصريين بشهر رمضان؟ 

أهم رواية وصلتنا عن الاحتفال بهذه الليلية وهي هلال شهر رمضان هي رواية أوليا جلبي حيث يبدا هذا الاحتفال بيوم التاسع والعشرين من شهر شعبان ( يوم الشك) ففي القرن السابع عشر كان المحتسب وقاضى عسكر مسئولون عن استطلاع شهر رمضان، ويستعد المصريين حيث يقوم الأغا المحتسب والأغا الصوباشي كلا مع خمسمائة من رجاله في شكل محتشم، وهم يعزفون معازفهم يمرون حتى يدخلوا من باب العزب في موكب عظيم، وبعد عصرذلك اليوم يصعد المحتسب إلى ديوان الغوري حيث يقابل الباشا، وبعد ان ينعم عليه الباشا بالذهب والفضة يقول له " بلغ عنا أرباب شرع الرسول المبين ومشايخ المذاهب الأربعة الكرم والقاضي عسكر السلام واخبرهم بتمنياتي لهم بالصحة في شهر رمضان الشريف". 

وهل كانت هناك مظاهر أخري للمصريين تخص احتفالاتهم الدينية؟ 

نعم كان "الموالد" وقد رصد المؤرخ "على مبارك" في نهاية القرن التاسع عشر إقامة ثمانين مولدا في مدينة القاهرة وحدها، وكان يوجد بالقاهرة 294 ضريح بعضها داخل مزارات وله خدمة والبعض داخل بيوت، وفي زوايا الحارات.

وصل عدد الموالد في مصر، وفقًا لإحصاء حديثه صادره عن الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية إلى 2850 مولدًا للمسلمين والأقباط، ومن أشهر هذه الموالد حاليًا موالد الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة والسيدة عائشة في القاهرة، ومولد أحمد البدوي في طنطا، وإبراهيم الدسوقي في مدينة دسوق، ومحمد بن أبي بكر في ميت دمسيس قرب مدينة أجا (دلتا مصر)، وعبد الرحيم القنائي في قنا، وأبو الحجاج الأقصري في الأقصر (صعيد مصر)، فضلًا عن الاحتفالات ببعض أولياء الإسكندرية وأشهرهم أبو العباس المرسي وسيدي جابر.

أما الأقباط فيحتفلون بموالد كثيرة للسيدة مريم العذراء والشهيد ماري (القديس) جرجس في القاهرة وكفر الدّوار، وميت دمسيس، والقديسة دميانة بمحافظة الدقهلية، ومارمينا بالصحراء الغربية.


احتفال الاسراء والمعراج عند المصريين هل كان له طقوس خاصة؟ 

احتفالات ليلة الاسراء والمعراج، ورد وصف دقيق لها افي كتاب الرحالة الإنجليزي ادوارد وليم لين، وأيضا في مولفات كلوت بك، والبرت فارمان، وفي هذا الاحتفال «ينبطح نحو مائة أو ستين من الدراويش على وجوهمم فوق الأرض متلاصقين متلاحمين ليكونوا سجادة بشرية. 

وذكر ألبرت فارمان، القنصل العام للولايات المتحدة الأمريكية في مصر من ١٨٦٨ إلى ١٨٧٥، طقوس الدوسة كما شهدتها شوارع القاهرة في عهد الخديو توفيق، فكان الحفل يشتمل على دراويش «السعدية» يمتطون خيولهم فوق عدد كبير من المريدين، الذين ينبطحون أرضًا راقدين على بطونهم ووجوههم ملتصقين ببعضهم، وقبل ظهيرة الحادى عشر من الشهر يجتمع دراويش الرفاعية على مقربة من مسجد الحسين، حيث ينضم إليهم آخرون أشد منهم تعصبًا ويقيمون حفلًا يحضره عدد لا يقل عن عدة آلاف.

وكان شيخ السعديين من الدراويش يمتطى صهوة جواده وينضم إلى الموكب، بعد تمضية ليلة في الصيام والطقوس الدينية استعدادا للقيام بمعجزة النهار، ثم يسير معه حتى يصل إلى المخيم حيث ينتظره عدد كبير من الناس يبلغ الخمسين ألفًا أو يزيد.

وهل كان الساسة والعلماء يحضرون احتفالات الإسراء والمعراج؟

كان الحضور لشيخ الطرق الذي يصدر الأوامر الدينية وكان له خيمة هناك، ثم يلى ذلك خيمة الخديو توفيق وصحبه، أما الثالثة فكانت خاصة بكبار الأوروبيين والرحالة والمستشرقين، أما بقية الخيام فكانت خاصة بالدراويش، وأمام هذه الخيام طريق يبلغ اتساعه نحو ٣٠ قدمًا قد أعد لمرور المواكب.


وماذا عن احتفالات العامة في هذا الزمن؟ 
كان الجند يصطف أمام هذه الخيام لمنع ضغط الجمهور علي المكان، وهنالك ينزل المتطوعون المستشهدون في الساحة العمومية أمام الخيام ومعهم عدد مساوٍ لهم من الدراويش حيث يكون مع كل رجل تابعه، وعندما يصل رئيس كل فرقة أمام خيمة الدرويش يقف على الفور، ثم ينبطح من معه من الرجال البالغ عددهم ٤٠٠ رجل على الأرض في شكل زاوية قائمة مع خط سيرهم ورءوسهم متجهة نحو السرادق، وقد رقدوا ملاصقين لبعضهم قدر المستطاع. وكانوا يرتدون ملابسهم العادية وهى زى أفقر الطبقات وكان يحدث شغب بالطبع وهرج ومرج. 


حدثنا عن الاحتفال بيوم عاشورا ء في القاهرة القديمة؟ 

يعد ادورد وليم لين اصدق من قدم وصفا دقيقا لهذا الاحتفال بيوم عشوراء بالقاهرة، افاض في البداية في سبب التسمية وان كان قد وقع في بعض الأخطاء. 

في البداية يرى المؤلف انه في هذا اليوم يحرص النساء والأطفال على الخروج للشارع لطلب الأموال «العشر» ويقصد بها زكاة العشر.

حلقات الذكر في مسجد الحسين في هذا اليوم: كان يقوم بها الدارويش الذين ينتمون الى جنسيات مختلفة، يتوسطهم درويش من طائفة المولوية المشهورة يلف في وسط الدائرة الخاصة بالذكر «ويداه ممدوتان ويسرع في حركته حتى تنتشر ملابسه مثل المظلة صورة لطائفة المولوية». 


وكيف كانت احتفالات المصريين بكسوة الكعبة واستقبال المحمل بالحجاز؟ 

كانت قافلة الحج المصري أضحم قافلة للحج وأوفرها نظامًا وحماية وأعظمها ثراء وأبهة، وكثيرًا ما كان حاكم مصر يخرج على مقدمة الحج، فينشر هيبة دولته، وحسب مصر في عزها القديم أن كثيرًا من ملوك العالم الإسلامي كانوا يستأذنون سلطان مصر قبل أن يخرجوا من بلادهم للحج ليكونوا في حمايته، وكانت الكسوة تحمل إلى بلاد الحجاز في موكب يعرف بـ"المحمل الشريف".

المحمل الشريف هو عبارة عن هودج مغطى بالقماش المزخرف بالآيات القرآنية، وكان يُحمل على جمل مع قافلة الحج، وللمحمل أربع قمم من الفضة المطلية بالذهب في الزوايا الأربع، ويوضع داخل المحمل مصحفان صغيران داخل صندوقين من الفضة المذهبة معلقين في القمة إضافة إلى الكسوة الشريفة، ويوضع المحمل على جمل ضخم يسمى (جمل المحامل) ويتمتع هذا الجمل باعفائه من العمل بقية أيام السنة.

كيف كان استقبال اهل الحجاز للهودج؟ 

كانا أهل المملكة سعداء بهذه المحمل وكان المصريين يقدمون لهم الهدايا ذات القيمة العالية للحرمين الشريفين، وكمية من الأموال وقطع ذهبية كثيرة ومجوهرات كريمة يتم توزيعها على أهل الحجاز. 

وكان يتم الإنفاق من هذه الأموال على إصلاح طرق الحج وموارد الماء ومرافق الحرم النبوي الشريف، وكانت العادة إرسال كسوة الكعبة، وتشير الوثائق إلى أن حكام مصر من الفاطميين ثم السلاطين المماليك، كانوا يرسلون الكسوة إلى الحجاز في احتفالات خاصة، وكان المسئول عن حماية القافلة وحمل الكسوة شخصية عسكرية كبيرة هو الذي لقب بأمير الحج.


هل كانت هناك طقوس معينة لهذه الاحتفالات؟ 
في العصر المملوكي والعثماني كان يتقدم ركب المحمل جماعة الممثلين الهزليين الذين عرفوا باسم أصحاب " المساخر" وهم في زيهم الذين كانوا يظهرون به في الحلقات التمثيلية المنتشرة في المدن المصرية، ويحدثنا المؤرخ "المقريزي" أن منطقة باب اللوق وبولاق وبركة الرطلي كانت من أهم مراكز التمثيل الساخر في القاهرة.

وكان هؤلاء الممثلون يخرجون في احتفالات المحمل كما كانوا يظهرون وهم يؤدون أدوارهم التمثيلية أمام الناس، وكان يسير معهم المصارعون وما يسمى الآن "بالبلياتشو" الذي نعرفه في "السيرك"، ومن هؤلاء كان يسير على أرجل خشبية قد ترتفع إلى ثلاثة أمتار تقريبًا ويسدل عليهم معطف طويل يغطي هذه الأرجل الخشبية، ويلطخ وجهه بالمساحيق، فكان منظره يثير ضحك الناس حتى أطلقوا على أمثال هؤلاء اسم "عفاريت المحمل".

ما هي قصة عفاريت المحمل ؟ 

هؤلاء مجموعة يسيرون في مقدمة المحمل كان الناس يعرفون بـ " عفاريت المحمل" وكان الناس يغدقون عليهم بالاموال والنقود ينثرونها عليهم ويزعمون أن هذه الأموال المنثورة سترد على أصحابها أضعافًا مضاعفة ببركة المحمل. 

ويظهر أن جماعة المماليك في عصورهم المتأخرة طمعوا في الحصول على هذه الأموال فأرادوا أن يقوموا بدور "عفاريت المحمل" فتنكروا وصبغوا وجوههم وأطلقوا لحاهم ولبسوا ثياب أصحاب المساخر وركبوا خيولهم جعلوا وجوههم نحو ذيل الحصان وقاموا بحركات بهلوانية على الخيل. 

أكتشف المصريون هذه الخديعة استنكر الجمهور منهم هذه الحركات ولم يغدقوا عليهم الأموال بل جعلوها لعفاريت المحمل الحقيقيون دون المماليك، فغضب المماليك وقاموا بأعمال وحشية ضد الجمهور، فسلبوا نقودهم واختطفوا ملابسهم وانتزعوا الحلي من النساء بل هاجموا الدور كما أصاب أصحاب المساخر الكثير من ضررهم مما جعل الأهالي يقاومونهم مقاومة عنيفة، واضطر السلطان إلى النزول بنفسه لإخماد هذه الثورة وتأديب المماليك الفاسدين وعادت احتفالات المحمل يتقدمها عفاريت المحمل، ولم يفكر المماليك بعد ذلك في تقليدهم، وهذا التقليد استمر أيضا في القرن التاسع عشر.