رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسجد عمرو بن العاص.. منارة الإسلام الأولى في قلب مصر

مسجد عمرو بن العاص
مسجد عمرو بن العاص

"العتيق وتاج وقطب سماء الجوامع"، ألقاب أطلقت على مسجد عمرو بن العاص، اللبنة الإسلامية الأولى، ليست في مصر فقط، وإنما في إفريقيا كلها، اشتهر بقيمته الأثرية العظيمة، ودوره التاريخي والحضاري في كافة المجالات، اعتلى منبره خيرة الخطباء، صمد في وجه الفرنجة، إلا أنه تعرض للاحتراق عدة مرات حتى أعيد بناؤه ومحرابه الكبير، وتمت كسوته بالرخام، وزين بالنقوشات الجميلة، في عهد صلاح الدين الأيوبي.

مسجد عمرو بن العاص، الذي يقع في مدينة القاهرة في مصر على الجهة الشرقية من نهر النيل، من أول الجوامع التي أنشئت في القارة الإفريقية ومصر خاصة، وعندما شُيِّد كان عبارة عن خمسين ذراعًا في ثلاثين ذراعًا، إلى أن توالت التوسيعات على المسجد والتحسينات والتطويرات من كلّ من حكموا الأراضي المصرية، إلى أن صارت مساحته تُقدّر بأربعٍ وعشرين ألف ذراع معماري، وهو اليوم عبارة عن مئة وعشرين مترًا في مئة وعشرة أمتار.

مساحة المسجد عند إنشائه كانت تبلغ 675 مترًا، وله ستة أبواب، بابان تجاه دار عمرو بن العاص من الجهة الشرقية، وبابان من الشمال، وبابان من الغرب، وكان سقفه منخفضًا ومكونًا من الجريد والطين، محمولًا على ساريات من جذوع النخل، كما كانت الحوائط من الآجر والطوب اللبن وغير مطلية، ولم يكن به صحن، وكانت أرضه مفروشة بالحصباء، وبه بئر تعرف بالبستان، استخدمها المصلون وقتها للوضوء، وظل كذلك حتى عام "53هـ ـ 672م"، حيث توالت التوسعات فزاد من مساحته مسلمة بن مخلد الأنصارى، والى مصر من قبل معاوية بن أبى سفيان، وأقام فيه أربع مآذن، وتوالت الإصلاحات والتوسعات بعد ذلك على يد من حكموا مصر، حتى وصلت مساحته بعد عمليات التوسيع المستمرة لنحو أربعة وعشرين ألف ذراع معماري.

أحداث كثيرة مرت على مسجد عمرو بن العاص، لعل أبرزها؛ حينما بدأت الحملات الفرنجية بالتوافد على الشرق، وتحديدًا في عام خمسمئة وأربعة وستين من الهجرة، خاف شاور الوزير من دخول الفرنجة على الفسطاط واحتلالها، فبدأ بإشعال النيران، وقد كان عاجزًا تمامًا عن أن يدافع عنها، إلى أن احترقت الفسطاط بشكل تام وكامل، وقد تعرّض مسجد عمرو بن العاص للخراب والدمار، وعندما أحكم صلاح الدين الأيوبي من سيطرته على مصر قام بإجراء إصلاحات لهذا المسجد وإعادة إعماره من جديد، وقد كان ذلك في عام 568 ه، حيث أعيد بناء الجامع، ومحرابه الكبير، وتمت كسوته بالرخام، وزين بالنقوشات الجميلة.

زخارف وشرفات هرمية مسننة، هكذا صمم مسجد عمرو بن العاص، حاويًا بالركن الشمالي الشرقي لرواق القبلة قبة يرجع تاريخها إلى عبدالله بن عمرو بن العاص، أما صحن الجامع فتتوسطه قبة مقامة على ثمانية أعمدة رخامية مستديرة الشكل، وكانت نوافذ الجامع القديمة مزخرفة بزخارف جصية لا زالت بقاياها موجودة بالجدار الجنوبي، ويتوج واجهات الجامع من الخارج من أعلى شرفات هرمية مسننة، كما أن للجامع مئذنة يرجع تاريخها إلى عصر مراد بك، وهى مئذنة بسيطة تتكون من دروة واحدة ذات قمة مخروطية.

منبر عمرو بن العاص، اعتلاه العديد من الخطباء المميّزين، والعلماء الربانيين، الذين أفنوا حياتهم في خدمة دين الله،عز وجل، إلى درجة صاروا فيها نجومًا يُقتدى بهم، ولعلَّ أبرز هؤلاء الإمام الشافعي، والليث بن سعد، والعز بن عبدالسلام، وابن هشام، ومحمد الغزالي، وعبدالصبور شاهين.