رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أنا وقناة الجزيرة


وجدنا تلك القناة وسمعنا عن هذه الأموال التى تغدقها على ضيوفها فى الدوحة ليس لهؤلاء المنحازين للقناة ولمن تريد الترويج لهم ولكن أيضا للضيوف الذين يقومون بدور المعارضة.

من المفروض فى الإعلام أن يكون مهنياً ملتزماً بالموضوعية والحياد ليس لأنه يجب عليه أن ينقل الخبر بحيادية وتجرد للمشاهد صاحب الحق الوحيد فى هذا فقط ولكن لأن الإعلام الآن بكل وسائله المشاهدة والمسموعة والمقروءة هى التى تشكل وجدان الجماهير بل هى التى قد أصبحت من أهم الوسائل لتشكيل الوعى الجماعى للجماهير، ذلك الذى يبنى عليه مواقف هذه الجماهير السياسية والحياتية والاجتماعية والثقافية لما لها من تأثير مباشر إضافة إلى ارتفاع نسب المشاهدة للتليفزيون بالتحديد، وهنا قد وجدنا كيف كانت تدار الحرب الأمريكية ضد العراق عام 2003 على الهواء مباشرة الشىء الذى جعل النتائج تحصد فوراً وعلى الهواء أيضا.

ولذا نجد الآن الدول والتنظيمات والجماعات ورجال الأعمال الجميع يعتمد على امتلاك تلك الوسائل خاصة القنوات التليفزيونية لترويج بضائعهم ولتسويق سلعهم، ولذا فلقد أصبحت المهنية الإعلامية سراباً نراه كالماء وهو ليس بماء، والموضوعية خيال بعيد المنال، والحياد خواطر لا تجد طريقا لها على أرض الواقع، وهنا ليس بغريب أن نجد قناة «الجزيرة» هى دولة قطر وليس دولة قطر هى التى أنشأت الجزيرة، فلا وجود ولا دور لقطر هذه قبل إنشاء قناة الجزيرة هذه، فالقناة أوجدت دورا للدولة ولا يهم طبيعة هذا الدور، فكان دوراً سلبياً خبيثا لا يحوى القيم ولم يتعرف على المبادئ ولا علاقة له بالأخلاق، نعم الواقع العملى قد أثبت أن الإعلام لا علاقة له بالحياد.

فكل وسيلة إعلامية هى أداة لصاحبها وهى بوق لممولها، ولكن لم نجد انحيازا سافرا ومهنية غائبة وموضوعية موءودة مثل ما نرى من قناة الجزيرة وتحيزها ودورها المكشوف لصالح جماعة الإخوان، وانتشار الجزيرة ودورها الخطير الذى تلعبه يرجع لهذه الإمكانيات غير الموجودة، بل يمكن أن نقول إنها الإمكانات التى هى بلا حدود التى تغدقها تلك الدويلة المسماة بقطر على هذه القناة حتى تقوم ليس بالدور المطلوب لقطر ولكن لكى تقوم بالأدوار المطلوبة من قطر للقيام بها لصالح أمريكا ومن هم وراء أمريكا أصحاب قاعدة «العديد» الملاصقة لتلك القناة، ولذا فقد وجدنا تلك القناة وسمعنا عن هذه الأموال التى تغدقها على ضيوفها فى الدوحة ليس لهؤلاء المنحازين للقناة ولمن تريد الترويج لهم ولكن أيضا للضيوف الذين يقومون بدور المعارضة حتى بهذا يحاولون الحصول على بعض المصداقية المفقودة والتى كانت تحظى بها تلك القناة عند إنشائها فى غفلة من الزمن، فتم الاتصال من الدوحة منذ عدة أشهر للذهاب إلى الدوحة لاستضافتى فى قناة الجزيرة على أن أدلى برأيى حسبما أريد وكيفما أشاء، فاعتذرت طوال هذه الفترة حتى سمعت تلك المبالغ الخرافية التى يأخذها الضيف، فتوارد إلى ذهنى خاطر شخصى لكنه يحمل صفة العمومية فى الوقت ذاته، وأنا هنا لا أريد أن أدعى الوطنية أكثر من غيرى أو أننى أزعم من يمتلك ناصية القيم دون سواى.

ولكنى أسوق هذه الحادثة للرأى العام وللتاريخ، فأنا «آسف على الحديث بهذه الذاتية» قد دفعت ثمنا لنضالى السياسى الذى قارب على النصف قرن من السجن والاعتقال وأنا لا أزايد وكثيرون لا يعرفون عنى هذه القصص ولكن أعرف جيدا أن هناك النضال الأهم وهو النضال ضد المال وشهوته «محبة المال أصل لكل الشرور»، فساعدنى الله ضد هذه الشهوة وأنا كنت فى مجلس الشعب لأكثر من مرة وطوال حياتى السياسية والحزبية خاصة فى مواقف أمام ما يسمى «بالبوكيت مدنى» فى ليبيا تحديدا وهنا قصدت أن أضع نفسى أمام اختبار عملى أمام المال خاصة أن زمتى المالية بعد خروجى على المعاش مديرا لبنك التنمية هو منزل ورثته عن والدى ومبلغ لا يتجاوز مائة ألف جنيه باقى مكافأة ترك الخدمة وعائده يضاف إلى معاشى الذى تجاوز الألفى جنيه بأقل من نصف الألف، خاصة أن ابنى لا أستطيع أن أجد له شقة بالقاهرة كشاب يريد أن يبدأ حياته مثله مثل كل المصريين، فيوم الثلاثاء الماضى وصلتنى تذكرة سفر للدوحة والعودة وتأشيرة سفر لمدة شهر على أن أتقاضى عن اليوم وليس البرنامج ألف دولار وألف ريال قطرى، أي ثلاثون ألف دولار ومثلها ريال قطرى إنها ثروة لا تخطر على بال، وهنا النضال الحقيقى فبعد حصولى على المستندات للسفر الأربعاء، كان الرفض وهو القرار الذى ساعدنى الله عليه فى مواجهة تلك الشهوة اللعينة، أسرد تلك الواقعة ليس للإعلان والمفاخرة ولكن إيمانا بأن مصر لن تركع أبدا وأن أبناءها لن يباعوا بأى ثمن خاصة أن ابنى الذى يحتاج إلى مثل هذا المبلغ كان أول من بارك وأصر على الرفض حفظا لتاريخ لا أملك فيه غير حبى لوطنى ولشعب مصر العظيم دائما، آسف إذا كانت حادثة شخصية ولكنها تحمل العمومية التى تجعلنا نتمسك بالمبادئ والقيم وأن نضحى من أجل هذا الوطن فى الوقت الذى لا نزايد فيه على من يجد غير ذلك الموقف، عاشت مصر بأبنائها وشعبها دائما وطنا رائعا عظيما مثل المصريين الشرفاء.

■ كاتب وبرلمانى سابق