رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دموع فى عيون عنصرية!

 

الأزمة الأوكرانيّة أسقطت كثيرًا من الأقنعة. وفى بيانها الشارح لتصويتها لصالح القرار، الذى اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة «العدوان على أوكرانيا»، أشارت مصر إلى المعاملات التمييزية تجاه النازحين من أوكرانيا إلى دول أخرى، وطالبت بضرورة أن يتحلى كل الأطراف بالمسئولية الواجبة؛ لضمان تدفق المساعدات الإنسانية لكل محتاج دون أى تمييز مع كفالة مرور المقيمين الأجانب بانسيابية عبر الحدود.

الممارسات العنصرية تجاه النازحين، لا تزال مستمرة. وفى حسابه على تويتر وليس عبر شبكة «سى إن إن» التى يعمل بها، شرح بيجان حسينى، تفاصيل الرحلة التى اجتازتها أخته، سمراء البشرة، حتى وصلت إلى بولندا، موضحًا أنها كانت شاهدة على تقسيم النازحين إلى طابورين؛ أحدهما للبيض والآخر لذوى البشرة السمراء. وقال إن أخته ومن معها كابدوا العنصرية والجروح والبرد القارس والحرمان من النوم، واضطروا إلى التخلص من بعض أمتعتهم والمشى عشر ساعات كاملة، حتى يصلوا إلى حدود بولندا.

أخت مراسل «سى إن إن»، عن طريق التبنى، تنحدر من سيراليون، ولم تكن شهادته أو شهادتها الأولى، إذ سبق أن تحدث كثيرون عن العناية الأكبر التى توليها السلطات الأوكرانية لذوى البشرة البيضاء، وهو ما أكده «حسينى» أيضًا، بإشارته إلى أن أخته ليست سوى واحدة من بين مئات الآلاف الذين علقوا فى أوكرانيا ويريدون اليوم أن يفلتوا من نيران الحرب. كما أعرب أنطونيو فيتورينو، مدير عام منظمة الهجرة الدولية، عن قلقه بشأن التمييز والعنف ضد مواطنين من دول العالم الثالث. وأقرت الحكومة الأوكرانية، علنًا، بوجود «نوع من التعامل العنصرى مع الأجانب»، وكتب ديمترو كوليبا، وزير الخارجية الأوكرانى، فى حسابه على «تويتر» أن حكومة بلاده لا تدخر جهدًا من أجل حل هذه المشكلة!

التمييز لم يقتصر على النازحين، بل امتد ليشمل الاحتماء بالملاجئ، وتغطية وسائل الإعلام الغربية، وتصريحات مسئولين أوكرانيين. كما لا نعرف سببًا منطقيًا، غير العنصرية، يجعل الرئيس الأوكرانى، الذى يعيش فى بلاده ٤٠ مليون مواطن مسيحى، يدعو يهود العالم إلى الاصطفاف معه. وبغير العنصرية أيضًا لا يمكننا استيعاب إعلان السفارة الأوكرانية فى القدس المحتلة عن فتح باب التجنيد أمام المتطوعين اليهود، قبل أن تضطر إلى رفع الإعلان من صفحتها الرسمية على «فيسبوك» بضغط من الخارجية الإسرائيلية!

لشبكة «بى بى سى»، قال ديفيد ساكفارليدزى، نائب المدعى العام الأوكرانى، إنه متأثر للغاية وهو يرى معاناة ذوى البشرة البيضاء والشعر الأشقر. وبمنتهى الوقاحة قال تشارلى داجاتا، مراسل قناة «سى بى إس» الأمريكية، إنه لم يكن يتوقع حدوث ما حدث؛ لأن «أوكرانيا بلد أوروبى متحضر نسبيًا، وليس مثل العراق وأفغانستان». وقالت مراسلة «أى تى فى» البريطانية: «هذه ليست دولة نامية من دول العالم الثالث»، وأكملت وهى تحاول منع نفسها من البكاء: «هذه أوروبا».

تصريحات شبيهة كثيرة فى قنوات فرنسية وأوروبية أخرى، لكن ما استوقفنا أكثر، هو أن بيتر دوبى، مذيع النسخة الإنجليزية من قناة «الجزيرة»، وصف الأوكرانيين بأنهم «أبناء طبقة وسطى مزدهرة وليسوا لاجئين يحاولون الهرب من مناطق فى الشرق الأوسط، وليسوا أشخاصًا يحاولون الخروج من مناطق فى شمال إفريقيا»، و... و... وكأن هؤلاء، وغيرهم، أرادوا تبرير جرائم الولايات المتحدة وحلفائها، التى قصفت صواريخها المدن والمدنيين، فى يوغوسلافيا، ١٩٩٩، وفى أفغانستان، ٢٠٠١، وفى العراق، ٢٠٠٣، وليبيا، ٢٠١١، و... و... وما قد يؤكد ذلك هو أن تلك العيون العنصرية لم تذرف دمعة واحدة، حين أقر التحالف، الذى تقوده الولايات المتحدة، مثلًا، بأنه قتل آلاف المدنيين «عن طريق الخطأ» فى العراق وسوريا.

.. وأخيرًا، يقودنا كل ما سبق، وما قد يتبعه، إلى النقطة التى انتهى بها بيان مصر الشارح لتصويتها على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة: إن فاعلية ومصداقية قدرة آليات العمل الدولى متعدد الأطراف فى مواجهة التحديات والأزمات المتلاحقة إنما يعتمد على تناول جميع الأزمات الدولية وفقًا لمعايير واحدة وثابتة متسقة مع مبادئ الميثاق ومقاصده دون أن تمر عقود تم خلالها تكريس الأمر الواقع والمعاناة الإنسانية.