رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عهد صحى دولى جديد

صك، اتفاق أو عهد صحى دولى جديد، تتفاوض بشأن صياغته هيئة حكومية دولية، اتفقت الدول الأعضاء فى منظمة الصحة العالمية على تشكيلها، نهاية نوفمبر الماضى. ومنذ أسبوع، عقدت تلك الهيئة اجتماعها الأول، وتأكيدًا لحجم الثقة، التى توليها دول إقليم شرق المتوسط لمصر، جرى انتخاب المستشار أحمد سلامة سليمان، نائب رئيس البعثة المصرية فى جنيف، ممثلًا لدول المنطقة فى مكتب الهيئة ونائبًا لرئيس المكتب.

الاعتبارات والحسابات السياسية حالت دون أن تكون المعايير والقرائن العلمية هى الأساس الوحيد لاتخاذ القرارات حول الصحة العامة، حسب تيدروس أدهانوم جيبريسوس، مدير عام منظمة الصحة العالمية. وفى كلمة ألقاها، الأحد الماضى، خلال «ندوة روبرت ماكنمارا بشأن الحرب والسلم»، التى ينظّمها معهد كيندى التابع لجامعة هارفارد الأمريكية، أشار «جيبريسوس» إلى أنه كان قد حذّر بداية العام الماضى من أن التباين الصارخ فى توزيع اللقاحات بين البلدان الغنية والفقيرة يضع العالم على حافة فشل أخلاقى كارثى، ليؤكد أننا «لم نعد على الحافة، بل وقعنا فى الهاوية»، منتقدًا إخضاع العِلم للسياسة فى التعامل مع الوباء.

تأسيسًا على ذلك، أو من أجل انتشال العالم من قاع ذلك الفشل الأخلاقى الكارثى، ولأنه لم يعد ممكنًا ترك الأمن الصحى العالمى للصدفة، أو للحسابات السياسية، أو لمصالح الشركات، بات من الضرورى وضع صك، اتفاق أو عهد صحى دولى جديد، لتعزيز الهيكل الصحى العالمى، فى ظل ما كشف عنه وباء كورونا من تحديات. وهذا هو دور الهيئة، التى ترأسها الآن هولندا وجنوب إفريقيا، وتتشارك مصر واليابان والبرازيل وتايلاند موقع نائب الرئيس. ولعلّك تعرف أن عدة دول كانت قد أطلقت ما يوصف بـ«دبلوماسية اللقاحات»، لبناء الجسور وتعزيز التعاون الدولى، بينما اكتفت الولايات المتحدة بالتشكيك فى أهداف أو نيات تلك الدول، وقامت دول الاتحاد الأوروبى بتطبيق شعار «نحن أولًا».

يهدف الصك الدولى الجديد، الذى ستتفاوض الهيئة بشأنه، إلى سد الثغرات التى تتخلل جهود التعامل مع الأوبئة والطوارئ الصحية، وحماية العالم من أزمات الأمراض المعدية فى المستقبل. ومن المقرر أن تقوم الهيئة بتقديم تقرير مرحلى فى الاجتماع السنوى العادى لجمعية الصحة العالمية، العام المقبل، قبل أن تقدّم سنة ٢٠٢٤ التقرير النهائى أو النتيجة النهائية للمفاوضات أو الصياغة الأخيرة للصك، الاتفاقية أو الاتفاق.

الصحة، كما جاء فى ديباجة دستور منظمة الصحة العالمية، هى «حالة من اكتمال السلامة بدنيًا وعقليًا واجتماعيًا، لا مجرد انعدام المرض أو العجز». لكن عند صياغة المادة ١٢ من العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لم تعتمد اللجنة الثالثة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة هذا التعريف، أو لم تكتف به، بل أكدت أن الحق فى الصحة يشمل مجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية التى تضمن حياة صحية. وأقرت اللجنة أن التمتع الكامل بالحق فى الصحة لا يزال هدفًا بعيد المنال للملايين، خاصة أولئك الذين يعيشون فى دول فقيرة. كما أقرت، أيضًا، بوجود عوائق هائلة، ناتجة عن عوامل سياسية لا قبل لكثير من الدول بالسيطرة عليها، تحول دون قدرتها على توفير هذا الحق، الحق فى الصحة، لمواطنيها. 

لا نعتقد أن هذه العوائق كانت غائبة عن واضعى دستور منظمة الصحة العالمية، الذى دخل حيز التنفيذ فى أبريل ١٩٤٨، بدليل أن ديباجته تضمنت الآتى: صحة جميع الشعوب أمر أساسى لبلوغ السلم والأمن، وهى تعتمد على التعاون الأكمل للأفراد والدول.. ما تحققه أى دولة فى مجال تحسين الصحة وحمايتها أمر له أهميته للجميع.. تفاوت الدول فى تحسين الصحة ومكافحة الأمراض، خاصة الأمراض السارية، خطر على الجميع.. وإتاحة فوائد العلوم الطبية والنفسية لجميع الشعوب أمر جوهرى لبلوغ أعلى المستويات الصحية.

.. وتبقى الإشارة إلى أن إقليم منظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، الذى اختار مصر لتمثيل مصالحه فى أعمال هيئة التفاوض على الصك الدولى الصحى الجديد، يضم الإمارات، السعودية، البحرين، العراق، الكويت، الأردن، فلسطين، سوريا، لبنان، تونس، المغرب، ليبيا، إيران، اليمن، جيبوتى، السودان، الصومال، عُمان، باكستان، قطر وأفغانستان.