رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرب فى الفضاء!

بسبب كسوف كلّى، أو اختفاء الشمس عن السماء، توقفت الحرب، كما قال هيرودوت، بين قوم مدين، Medes، وجيوش مملكة ليديا، Lydians، سنة ٥٩٠ قبل الميلاد، وقام الطرفان بتوقيع معاهدة سلام. ومنذ نهاية الحرب الباردة، ظلت «محطة الفضاء الدولية» نموذجًا لإمكانية التعاون الروسى الأمريكى، وتمكنت من تجاوز العواصف بين الدولتين، بما فيها تلك التى صاحبت قيام روسيا، سنة ٢٠١٤، بضم شبه جزيرة القرم. غير أن مراقبين يعتقدون أن الأزمة الأوكرانية، قد تنهى هذا التعاون، وربما تحوله إلى نزاع مسلّح!

إلى الآن، يقوم الجانب الأمريكى بتوفير الطاقة للمحطة الدولية، بينما تتولى روسيا مسئولية الحفاظ على المحطة الطافية فى الفضاء، وتوجيهها باستخدام المركبة «بروجريس». وتردّد مؤخرًا أن وكالة الفضاء الأمريكية، ناسا، تبحث عن بدائل لإبقاء المحطة تعمل بفاعلية، دون مساعدة روسية. ونقلت جريدة الـ«جارديان» البريطانية عن كاثى لوديرز، رئيسة برنامج الرحلات التجارية فى «ناسا»، أن شركة الطيران والدفاع الأمريكية «نورثروب جرومان»، عرضت تقديم خدماتها، مع أن «لوديرز» أكدت أن «العمليات فى المحطة الفضائية تسير بشكل جيد، ولا توجد مؤشرات على تراجع الروس عن التزاماتهم».

فى السياق نفسه، ذكرت تقارير إخبارية أن مراكز مراقبة الأقمار الصناعية الروسية تم اختراقها. لكن دميترى روجوزين، مدير وكالة الفضاء الروسية، «روس كوسموسن»، قال، أمس، لوكالة أنباء «إنترفاكس»، إن بلاده ستتعامل مع أى اختراق لأقمارها الصناعية على أنه إعلان للحرب. وأشار إلى أن «روس كوسموسن» طالبت شركة التكنولوجيا البريطانية «وان ويب» بتقديم ضمانات بعدم استخدام أقمارها الصناعية ضد روسيا، محذرًا من أن الوكالة لو لم تحصل على تلك الضمانات، ستلغى عملية إطلاق ٣٦ قمرًا صناعيًا تابعًا لـ«وان ويب» من قاعدة بايكونور الفضائية، التى تستأجرها روسيا من كازاخستان، دون تقديم أى تعويضات.

الإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن سياسة الفضاء الأمريكية شهدت تغيرًا كبيرًا، فى عهد دونالد ترامب، عادت معه برامج استكشاف القمر إلى الواجهة، كما قام الرئيس الأمريكى السابق بإنشاء قوة فضائية «منفصلة ولكن مساوية»، لتصبح الخدمة العسكرية السادسة، وقيل إن هدفها هو ضمان هيمنة أمريكا على الفضاء الذى بات مزدحمًا بالخصوم. فى المقابل، يسعى الرئيس الصينى، شى جين بينج، جاهدًا إلى أن تكون بلاده قوة فضائية عظمى، بحلول سنة ٢٠٣٠. ومع أن بكين تؤكد أن طموحاتها الفضائية سلمية بحتة، إلا أن واشنطن تتهمها بممارسة أنشطة تستهدف منع الدول الأخرى من استخدام معداتها المتمركزة فى الفضاء وقت حدوث أزمات. 

الصينيون القدماء، بالمناسبة، كانوا يعتقدون أن سبب حدوث الكسوف، هو قيام «تنين» بابتلاع الشمس، وكانوا يقذفون الأوانى فى الهواء لإجباره على إخراجها من جوفه. وبالمناسبة، أيضًا، كان الكسوف، هو سبب قيام السود بثورتهم الأكثر فاعلية «ودموية» فى التاريخ الأمريكى. إذ كان «نات تيرنر» قد رأى فى المنام أن الشمس أظلمت حين تمكّن السود من تحرير أنفسهم، فلما رأى الكسوف، فى فبراير ١٨٣١، اعتقد أنه إشارة من الله، على اقتراب تحقيق حلمه، وبدأ التخطيط للثورة، التى قادها فى أغسطس من السنة نفسها، وانتهت بإعدام كل من شاركوا فيها، بالتزامن مع قيام ميليشيات البيض بقتل آلاف غيرهم، لم يكن لهم أى دور فى الثورة، خوفًا من حدوث أى ثورة أخرى، كما صدرت قوانين صارمة انتقصت من حقوق السود، التى كانت هزيلة أساسًا، أغربها قانون يحظر تعليمهم، عبيدًا وأحرارًا، حتى لو كان نتاج زواج مختلط. 

.. وأخيرًا، وما قد يطمئن قليلًا، هو أن القانون الدولى يحظر استخدام الأجرام السماوية للأغراض غير السلمية، كما يحظر، أيضًا، نشر أسلحة دمار شامل فى الفضاء، بموجب «معاهدة المبادئ المنظمة لأنشطة الدول فى ميدان استكشاف واستخدام الفضاء الخارجى»، التى وقعتها الولايات المتحدة، وبريطانيا، والاتحاد السوفيتى، فى ٢٧ يناير ١٩٦٧، أى بعد مرور أربع سنوات على قيام الأستاذ كمال «توفيق الدقن» بإنشاء «شركة الفضاء الخارجى»، التى اكتشف الأستاذ قنديل «إسماعيل ياسين»، بعد عمله فيها، أن «المجانين فى نعيم»!