رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

111؟!

 

الرقم مرعب، ودعك من الذين قالوا إنه مزيج سحرى يدل على وجود صلة واضحة بين الإنسان والكون، وركّز مع كلام الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى صدمنا أمس، بأن ٣٠٠ ألف من خريجى كليات الهندسة والحاسبات والمعلومات، تقدموا لبرنامج تأهيلى للشباب، على نفقة الدولة، ولم يتمكن من اجتياز الاختبارات إلا ١١١ فقط لا غير. وزادنا الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، من الشعر بيتًا، وأكد أن الحاصلين على هذا البرنامج يصل راتبهم إلى ٢٠ ألف دولار، ولديهم مليون فرصة عمل سنويًا، فى سوق العمل الدولية.

المهم، هو أن الرئيس لم يكتف بالإشارة إلى أن الرقم الهزيل يعكس عدم وجود مؤهلين لسوق العمل، بل أكد أن كل التحديات التى تواجه مصر لا تزيده إلا إصرارًا وعزيمة على القتال من أجل مصر. وتأتى أهمية هذا التأكيد من وجود شواهد كثيرة على جدية «دولة ٣٠ يونيو» فى مواجهة تحديات التعليم، أبرزها تلك الاستثمارات الضخمة، التى تم ضخها فى تطوير المنظومة التعليمية، خلال السنوات السبع الماضية، والتى تهدف، بالأساس، إلى توفير تعليم يلبى متطلبات سوق العمل من الكوادر البشرية/ ذات تأهيل علمى متميز.

وهو يطلق النسخة الثانية من «المنتدى العالمى للتعليم العالى والبحث العلمى»، GFHS، أكد الرئيس السيسى، فى ٨ ديسمبر الماضى، حرص الدولة على الارتقاء بمستوى الجامعات الحكومية، بالتوازى مع إنشاء الجامعات الجديدة، وتشديده على أهمية تنمية وعى الطلاب بالمتغيرات والتحديات فى العصر الحالى سواء الداخلية على مستوى الدولة، أو الخارجية على المستويين الإقليمى والدولى، بالتوازى مع تطوير مستواهم العلمى والأكاديمى وتنمية قدراتهم لمواكبة التطور الحالى والمستقبلى لسوق العمل. 

كلام شبيه، ستجده فى الميثاق الوطنى، الذى صدر فى مايو ١٩٦٢، الذى قدم، فى عشرة أبواب، نظرة عامة للظروف، التى قادت إلى قيام «ثورة ٢٣ يوليو»، والدروس المستخلصة من الأزمات التى عصفت بتجارب التغيير الوطنى، مع طرح مفاهيم حول الديمقراطية السليمة وحتمية ارتباطها بالعدل الاجتماعى، و... و... وبعد التأكيد أن التعليم لم تعد غايته إخراج موظفين للعمل فى مكاتب الحكومة، طالب بإعادة صياغة مناهج التعليم، لتخريج مواطنين قادرين على إعادة تشكيل الحياة. والإشارة هنا مهمة إلى أن الرئيس جمال عبدالناصر أعلن فى ٢٦ يوليو من السنة عن قرار مجانية التعليم فى الجامعات والمعاهد العليا، بعد أن كانت مقصورة على المدارس الابتدائية منذ سنة ١٩٤٣، وبعد امتدادها سنة ١٩٥١، لتشمل التعليمين الثانوى والفنى.

التنمية الصناعية والاقتصادية، التى شهدتها مصر بعد ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، صاحبتها نهضة تعليمية وثقافية، استهدفت تزويد العمل الوطنى بإمكانات بشرية هائلة، كانت الظروف تحول بينها وبين العلم. وبعد فاصل طويل، طويل جدًا، ظلّ فيه التعليم فى مصر يخرج من «نقرة» ليقع فى «دحديرة»، شاء السميع العليم أن تشهد مصر، بعد ثورة ٣٠ يونيو، طفرة تعليمية وعلمية، لم تشهدها منذ أن صار التعليم مجانيًا.

الأرقام تقول إن عدد الكليات والبرامج الحاصلة على شهادة الاعتماد الأكاديمى من «الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد» بلغ، حتى الآن، ١٨٦ كلية وبرنامجًا: ١١ كلية وبرنامجًا سنة ٢٠٢٠، و٥٦ سنة ٢٠١٩، و٤٠ سنة ٢٠١٨، و٤٨ سنة ٢٠١٧، و٣١ سنة ٢٠١٦. كما يجرى العمل على الانتهاء من المشروع القومى لرفع كفاءة البنية التحتية المعلوماتية للجامعات، من أجل تحويلها إلى جامعات ذكية.

.. أخيرًا، وبرغم صدمة الـ١١١، نرى أن القادم سيكون أفضل، أو من المفترض أن يكون كذلك، بعد أن صار بناء الإنسان على رأس أولويات الدولة، وبعد أن توسع الهدف من التعليم ليشمل إعادة صياغة الشخصية المصرية، ومعالجة ما أصابها من خلل وما لحق بها من تشويه. والغريب، هو أن خبراء فك تشفير التطابقات الرقمية، الذين قالوا إن رقم ١١١ مزيج سحرى يدل على وجود صلة واضحة بين الإنسان والكون، قالوا أيضًا إن ظهوره لشخص ما، يعنى أن الإجراءات، التى سيتخذها، ستلعب دورًا مهمًا جدًا فى الكون!