رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خطاب بوتين.. باحثون: محاولة روسية للخروج من حيز التأثير الإقليمى إلى العالمى

بوتين
بوتين

وصف محمد حسن، الباحث فى السياسات الدفاعية، الخطاب الأخير للرئيس الروسى فلاديمير بوتين بأنه «الأخطر من نوعه»، منذ توليه السلطة قبل ٢٠ عامًا، لأنه مَثل إعلانًا عن نظرة روسيا لفضائها ومجالها الحيوى فى أوروبا، التى تصطدم بكل ركيزة من ركائز النظام الأمنى الأوروبى والأمريكى السائد فى عموم القارة العجوز منذ انهيار «الاتحاد السوفيتى» ونهاية الحرب الباردة.

وقال «حسن»، لـ«الدستور»: «نحن نتحدث هنا عن تداعيات تطال ٣٠ دولة بصورة مباشرة وغير مباشرة، وعلى مساحة تصل إلى ٤ ملايين كم مربع»، معتبرًا أن اعتراف «بوتين» بجمهوريتى «دونيتسك» و«لوجانسك» يعتبر امتدادًا للنهج الروسى فى ضم مزيد من الأراضى التى تضم قوميات روسية، فى محاولة لتوسيع النفوذ الروسى فى الفضاء السوفيتى، والخروج من حيز التأثير الإقليمى إلى العالمى.

وبَين أن الاعتراف بالجمهوريتين الانفصاليتين يعنى التمهيد لتوقيع اتفاقيات وتفاهمات دفاعية روسية معهما، تبدأ بمهام «حفظ السلام» وتصل إلى «الدفاع المشترك»، بما يضمن تموضع متقدم للجيش الروسى فى شرق أوكرانيا، ويُقربه أكثر من كييف، بما يبطل نظريًا وعمليًا خطط انضمامها لحلف «الناتو».

وأضاف: «بالتزامن مع الاعتراف بالجمهوريتين الانفصاليتين، ثبّت الرئيس الروسى تواجدًا أطول للقوات الروسية فى بيلاروسيا، فبعد انتهاء فعاليات المناورات المشتركة، أعلن مسئولو بيلاروسيا عن استمرار تواجد وحدات الجيش الروسى، بما يعنى تحويل الأخيرة إلى ما يشبه قاعدة قيادة متقدمة للقوات الروسية من جهة الشمال الأوكرانى، ونقطة ارتكاز باتجاه دول البلطيق، التى تعد الهدف التالى لشهية التوسع الروسى فى الفضاء السوفيتى القديم».

وقالت نرمين سعيد كامل، الباحثة فى المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن إعلان «بوتين» فى خطاب تاريخى عن استقلال «دونيتسك» و«لوجانسك» يعنى أن الروس طووا صفحة اتفاق «مينسك» الأول والثانى، سواء مع أوكرانيا أو مع الغرب، بعد أن نادوا طويلًا بتطبيق بنوده.

وكشفت عن أن المسار الأول الذى يترتب على إعلان استقلال المدينتين يتيح إدخال القوات الروسية إليها، وهو ما حدث بالفعل، بل إن «بوتين» ذهب إلى أبعد من ذلك، عندما أعلن عن نشر قواعد عسكرية ومنصات صواريخ فى المدينتين.

وأضافت: «ربما يكون بوتين قد دفع بمعداته العسكرية داخل المدينتين، فى مزيد من الضغط على الأمريكيين والأوروبيين، ففى حال ما إذا كانوا قد فهموا التصعيد الماضى بأنه مجرد تهديد، فوجود القوات الروسية فى مدينتين أوكرانيتين لا يعنى فقط أنه لا عودة للحديث عن مينسك، لكنه يشير إلى أن روسيا ستبدأ فى العودة إلى طلباتها المسبقة حول منع انضمام جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق إلى حلف الناتو، ووقف التوسع فى الدول الأوروبية التى تحيط بروسيا، والتوافق فيما يخص الانتشار العسكرى للناتو، وعلى وجه التحديد فى رومانيا وبولندا».

ورأت آية عبدالعزيز، باحثة فى المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن هناك عددًا من السيناريوهات المحتملة للأزمة الأوكرانية، أبرزها سيناريو التصعيد، عبر استمرار روسيا فى التصعيد من خلال دعم الجمهوريتين، وتعزيز قدراتهما الدفاعية لمواجهة القوات الأوكرانية، مع احتمالية أن تنقل عملية التصعيد نحو نقاط جيواستراتيجية مثل «أوديسا» الواقعة فى جنوب أوكرانيا، أو أن تنشر روسيا أسطولها فى البحر الأسود وتغلق هذا المنفذ البحرى، مثلما قامت به مع كييف سابقًا بعد ضم شبه جزيرة القرم، بعرقلة مرورها من بحر «آزوف»، وهو ما يجعل أوكرانيا دولة حبيسة من الناحية الجغرافية.

وأضافت: «هنا لا بد من الإشارة إلى أن الناتو لن يدخل أوكرانيا، فهى ليست عضوة فيه، لكن سيكون هناك احتمال لتعزيز قواته ونشر أسلحته على أراضى كل من بولندا وسلوفينيا والمجر. كما يمكن أن تكون الخطوة التالية هى تطويق أوكرانيا، عبر الاعتراف بمنطقة ترانسنيستريا، وهى منطقة انفصالية تقع على الحدود الأوكرانية مع مولدوفا».

وحول موقف ورد فعل الغرب، قالت الباحثة: «الإدانة، بجانب توقيع عقوبات اقتصادية محدودة لردع التصعيد، مع الرغبة فى استمرار الحوار والحل بطرق دبلوماسية، لأن خيار الحرب ذو تكلفة كبيرة على الجميع».

أما السيناريو الثانى فهو التهدئة، الذى سيتوقف على الأوضاع الحالية وما ستئول إليه من عمليات تصعيد فى شرق أوكرانيا، وكيف سيتعامل الغرب مع روسيا هذه المرة، خاصة أنها أصبحت أكثر قدرة واستعدادًا للتعاطى مع العقوبات، ولديها شركاء يمكن التنسيق معها لتجنب تداعياتها، وفى مقدمتها الصين، وفق الباحثة، مضيفة: «هذا السيناريو مُرجح، لكنه لن يتم إلا إذا تساوى الطرفان من حيث أوراق الضغط للوصول إلى طاولة التفاوض، والرجوع إلى اتفاقيات مينسك كحل للتهدئة».