رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التاريخ الطويل لقاهر العاصفة

تاريخ طويل كان على ظهر الطيار وليد مراد، وهو يهبط بطائرة «مصر للطيران»، أمس الأول السبت، فى مطار هيثرو، بالعاصمة البريطانية لندن، خلال دقيقة ونصف الدقيقة، وسط ظروف جوية قاهرة، تسببت فيها العاصفة «دينيس»، التى صاحبتها أمطار غزيرة ورياح عاتية، أجبرت طيارين آخرين على تكرار محاولات الهبوط لأكثر من ثلاث مرات، قبل أن يقرر بعضهم التوجه إلى مطارات بديلة، فى دول أخرى.

وسائل الإعلام البريطانية والدولية ومواقع التواصل الاجتماعى، تداولت مقطع فيديو يرصد هبوط الطائرة، وأشادت بمهارة النسر المصرى، الذى أشادت به أيضًا «الشركة القابضة لمصر للطيران»، فى بيان، أوضحت فيه أن هذا الموقف ليس جديدًا على أبناء الشركة الوطنية المصرية، وأكدت أن جميع طيارى الشركة يتميزون بالكفاءة والاحترافية العالية فى التعامل مع مختلف المواقف الطارئة، ومشهود لهم عالميًا بالكفاءة، خاصة فى مواجهة ظروف الطقس السيئ أثناء الإقلاع والهبوط. والكلام نفسه تقريبًا، كررته رابطة طيارى الخطوط الجوية المصرية، وهى تعلق على رئيسها السابق، وليد مراد، الذى أظهر للعالم كفاءة نسور مصر.

لنسور مصر فى السماوات علامات، منذ تأسست «مؤسسة مصر للطيران» فى ٧ مايو ١٩٣٢، لتكون أول شركة طيران وطنية فى المنطقة، والتى نص مرسوم إنشائها على أن تقوم بتنظيم التعليم العملى للطيران والملاحة الجوية. وبالتالى تم إنشاء «مدرسة مصر للطيران»، لتكوين قاعدة عريضة من الطيارين، الذين سيتولون قيادة الطائرات المصرية على خطوط الشركة، التى تحمل اسم مصر وعلمها. 

بعد شهر، تحديدًا فى ٧ يونيو ١٩٣٢، بدأت تلك المدرسة تستقبل طلابها، واستمرت فى أداء رسالتها وتخريج الطيارين المصريين والوافدين، حتى صدر قرار جمهورى سنة ١٩٧١ بإنشاء، أو تحويلها إلى، «المعهد القومى للتدريب على أعمال الطيران المدنى»، الذى تغير اسمه، بقرار جمهورى آخر صدر سنة ٢٠٠٩ إلى الأكاديمية المصرية لعلوم الطيران، التى زارها الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، الثلاثاء الماضى، ليشهد بدء تشغيل جهاز الطيران التمثيلى، والمحاكاة لطراز الطائرة إيرباص A٣٢٠ neo، ويتفقد الطرازات الجديدة من طائرات التدريب التى انضمت مؤخرًا إلى أسطول الأكاديمية. 

هذا، باختصار مخل، هو نصف تاريخ الطيران فى مصر، أما نصفه الآخر، فبدأ حين تقدم البرلمان بطلب إلى الحكومة لإنشاء قوات جوية مصرية، تكون جزءًا من قواتنا المسلحة. فكان أن أصدر الملك فؤاد، فى ٣٠ نوفمبر ١٩٢٨، قرارًا بإنشاء «القوات الجوية للجيش المصرى». وسنة ١٩٣٧ قام الملك فاروق بفصل سلاح الجو من الجيش المصرى وجعله سلاحًا مستقلًا بذاته سماه «القوات الجوية الملكية المصرية». وفى السنة نفسها، أمر اللواء على إسلام باشا، الذى كان أول مدير مصرى للقوات الجوية، بإنشاء مدرسة الطيران، صارت لاحقًا الكلية الجوية، التى تخرج فيها ضباط أكفاء قادرون على تحمل المسئولية ومواجهة أصعب التحديات فى مجال الطيران، ليس فى مصر وحدها، ولكن أيضًا فى غالبية دول المنطقة: السعودية، المغرب، الجزائر، ليبيا، الأردن، سوريا، العراق، البحرين، السودان، الإمارات، الكويت، اليمن، الصومال، زيمبابوى، تشاد، غينيا، نيجيريا، فولتا العليا، زامبيا، تنزانيا، زائير، بوروندى، أنجولا، كينيا، ماليزيا وجزر القمر.

إلى هذا التاريخ الطويل بنصفيه، أو بشقيه العسكرى والمدنى، أرجع الطيار وليد مراد مهارته واحترافيته وقدرته على الهبوط السلس فى أكبر مطارات أوروبا وأكثرها ازدحامًا، برغم الأجواء بالغة الصعوبة. وأوضح أنه تعلم فى القوات الجوية، و«إذا كانت هناك مهارة» فهى تنسب لها، ثم إلى المدرسة الكبيرة، مصر للطيران، التى جعلته يتمتع بهذا المستوى. وبتواضع شديد قال: «أنا وزملائى نفس الكفاءة، سواء كنا حربيين أو مدنيين لأننا مصريين».. «معملتش حاجة مش طبيعية».. «عملت المطلوب والمفروض أن يتعمل» و... و... وأكد أنه وكل زملائه فى شركة مصر للطيران مدربون بشكل احترافى على مثل تلك الظروف. 

.. أخيرًا، وإلى جانب التحديث المستمر لقدرات وإمكانات قواتنا الجوية، وما تشهده من طفرات نوعية، أنفقت «دولة ٣٠ يونيو» أكثر من ٤٥ مليار جنيه لتنفيذ ٤١٤ مشروعًا تخدم قطاع الطيران المدنى، تم الانتهاء من معظمها، خلال السنوات السبع الماضية، ويجرى تنفيذ واستكمال الباقى.