رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مؤتمر ميونخ للأمن

تحت عنوان «تغيير مجرى الأمور.. التغلب على العجز»، صدر تقرير «مؤتمر ميونخ للأمن» لهذا العام. ودون وجود أى مؤشرات على حدوث هذا التغيير أو ذلك التغلب، تنتهى أعمال الدورة الثامنة والخمسين من المؤتمر، اليوم الأحد، بعد ثلاثة أيام من الجلسات والاجتماعات والنقاشات، العلنية والسرية، بين رؤساء دول وحكومات ومسئولين كبار ووزراء وعدد من رؤساء المنظمات الإقليمية الدولية وممثلى قطاعات الأعمال.

مع تعمد إظهار الوحدة الأوروبية الأمريكية، والمبالغة فى طرح العواقب المحتملة للمنافسة بين القوى العظمى، جرت مناقشة الأزمة الروسية الأوكرانية، والوضع الأمنى المتدهور فى إفريقيا، ومحاولات زعزعة الاستقرار فى الخليج العربى، والصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وتأثيرات أزمة تغير المناخ، و... و... الأهم من الجلسات الرسمية، وحلقات النقاش العلنية، هو ما يجرى، عادة، خلف الأبواب المغلقة، فى فندق «بايريشر هوف»، الذى تخصص إدارة المؤتمر ١٠٠ غرفة فيه، للاجتماعات السرية. وسبق أن قال رئيس المؤتمر لجريدة «ذود دويتشه تسايتونج» إن البرنامج الرسمى للمؤتمر ليس أكثر من رأس جبل الجليد.

غياب روسيا، لأول مرة منذ سنة ١٩٩١، جاء انعكاسًا لـ«المستوى الذى وصل إليه تدهور العلاقات بين الشرق والغرب»، حسب بيان أصدره الكرملين. كما اتهمت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، المؤتمر بأنه «أصبح متحيزًا للغرب وفقد طابع الشمولية والموضوعية». وبينما أعرب فولفجانج إيشنجر، رئيس المؤتمر، عن أسفه ووصف الغياب الروسى بأنه «خطأ كبير»، كان لافتًا أن ترحيبه، المبالغ فيه، بالرئيس الأوكرانى فلاديمير زلانسكى، فى كلمته الافتتاحية، قوبل بتصفيق حار من الحضور!

تأسس المؤتمر، سنة ١٩٦٣، تحت اسم «اللقاء الدولى لعلوم الدفاع»، وبعد عدة مراحل تحول المؤتمر، الذى تستضيفه ثالث أكبر مدن ألمانيا، سنويًا، إلى ملتقى للسياسيين والدبلوماسيين، ومنصة تتواصل فيها الحكومات، بشكل غير رسمى، لتبادل وجهات النظر، حول سبل تسوية النزاعات وكيفية التعامل مع التحديات التى يواجهها ما يوصف بـ«المجتمع الدولى». ومنذ أن استردت مصر عافيتها تحرص على المشاركة فى المؤتمر، لطرح رؤيتها بشأن كيفية استعادة الاستقرار فى المنطقة، وفق المحددات المصرية الثابتة، التى تتلخص فى الحفاظ على كيان الدولة الوطنية وترسيخ تماسك مؤسساتها وسلامتها واحترام سيادتها على أراضيها. وهذا بالضبط هو ما فعله سامح شكرى، وزير الخارجية، خلال مشاركته فى دورة هذا العام.

على هامش المؤتمر، عقد وزير الخارجية عددًا من اللقاءات مع بعض كبار المسئولين ووزراء الخارجية، لبحث سبل تعزيز علاقات التعاون والتشاور حول القضايا ذات الاهتمام المشترك: التقى فريدرش ميرتس، رئيس الحزب المسيحى الديمقراطى الألمانى، وتبادل معه وجهات النظر حول القضايا الإقليمية محل الاهتمام المشترك. كما ناقش مع بوريس روجه، نائب رئيس المؤتمر، وبينيديكت فرنكه، مديره التنفيذى، أبرز التحديات التى تواجه المنطقة والدور المصرى لدعم استقرارها. وفى إطار الجهود المصرية المتواصلة لإحياء مسار السلام والتوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية، شارك شكرى مع وزراء خارجية الأردن وفرنسا وألمانيا، فى الاجتماع الوزارى الرُباعى المعنى ببحث تطورات عملية السلام فى الشرق الأوسط.

وزير الخارجية، الرئيس المعيّن للدورة الـ٢٧ لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، COP ٢٧، شارك أيضًا، أمس، متحدثًا رئيسيًا، فى جلسة حول دبلوماسية المناخ الدولية. وفيها أشار إلى مائدة الحوار، التى ترأسها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال القمة الإفريقية الأوروبية فى بروكسل، التى كشفت بشكل واضح عن شواغل الدول الإفريقية، خاصة بشأن حجم الدعم الموجه إليها. كما أكد اعتزام مصر تنظيم منتدى للشباب حول تغير المناخ، لتمكينهم من القيام بدور فعال فى الجهود الدولية لمواجهة تلك الظاهرة.

.. وتبقى الإشارة إلى أن فولفجانج إيشنجر، رئيس المؤتمر، الذى يغادر منصبه فور انتهاء أعمال هذه الدورة، بعد ١٤ سنة، انضم إلى السلك الدبلوماسى الألمانى سنة ١٩٧٥، وكان سفيرًا لبلاده لدى الولايات المتحدة فى ٢٠٠١، وقام بدور كبير خلال فترة توتر العلاقات بين البلدين، بسبب معارضة حكومة المستشار جيرهارد شرودر، الغزو الأمريكى للعراق و... و... واستخلص من رحلته الطويلة، ومواقعه المتعددة، أن أعداد الجهات، التى تضم «مفسدين محتملين» على الساحة الدولية، ارتفعت إلى عنان السماء.