رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تجمد الفكر

 كونك مثقفًا وتفكر بعقلانية فأنت شخص مزعج وبشدة للعقول المتخلفة والخاملة، ولو تجاوزت حدود العقل وفكرت خارج الصندوق فأنت شخص خطر ومستفز وستتم محاربتك بكل الوسائل مشروعة كانت أو غير مشروعة والتخلص منك وربما حبسك واعدامك خاصة لو كانت أفكارك تتعارض مع جمود الفكر الديني المتوقف عند (تابوهات) لبعض الكهان والغير قابل للتطور.
منذ بداية الخليقة والقيود موجودة علي أي فكر جديد يخالف ما سطره الأجداد في مخططاتهم ومعتقداتهم القديمة.
كان الفكر السائد قديمًا والمؤيد من الكنيسة عن حركة دوران الأرض والشمس هو نظرية أرسطو وبعده بطليموس، التي تؤكد أن الأرض هي مركز المجرة والشمس تدور حولها، وظل هذا الاعتقاد سائدًا لعدة قرون إلي أن جاء الكاهن البولندي نيكولاس كوبرنيكوس، المولود في عام ١٤٧٣م وقام بثورة فكرية وعلمية ورفض الإذعان لفكر الكهنوت واضاع سنوات عمره في البحث ليضع أخيرًا نظريته الجديدة بأن الشمس هي مركز المجرة وأن الأرض مجرد كوكبًا يدور حولها.
أثار كتاب كوبرنيكس (رسالة في دوران الأجرام السماوية) جدلًا كبيرًا في الأوساط العلمية والدينية وحظرت الكنيسة تداول الكتاب رغم أن هذا الكتاب أصبح فيما بعد أكثر كتب الفلك أهمية عبر التاريخ وعند وفاة كوبرنيكس بالسكتة الدماغية وجد ممددًا في فراشه وفي يده نسخة من هذا الكتاب الرائع الذي آمن بصحته حتي وفاته.
بعد وفاته بعدة أعوام صرح العالم الفلكي جيوردانو برونو، علانية بصحة نظرية كوبرنيكوس وبأنها حقيقة واقعة وأن الشمس هي مركز المجرة، تعرض برونو للمطاردة من الكنيسة حتي ألقي القبض عليه في مدينة البندقية وأودع السجن لمدة ستة أعوام حاولت فيها الكنيسة اثناؤه عن أفكاره المتعارضة مع الدين، ولما يأسوا منه لتشبثه برأيه قاموا بإعدامه حرقًا وهو حي.
ومضت سنوات حتي أتي جاليليو وأخترع التليسكوب الفلكي العملاق وتأكد بعد متابعته لحركة الكواكب من صحة نظرية مركزيه الشمس.
حصل جاليليو علي شعبية واسعة بعد شرحه لنظريته الجديده عام ١٦٣٢م والتي تتعارض مع نظريات اللاهوت وفلسفة الفلك.
مما أضطر محكمة التفتيش الكاثوليكية لالقاء القبض عليه ومحاكمته بتهمة الهرطقة وتم الحكم عليه بالسجن إلي أجل غير مسمي حتي توفي عام ١٦٤٢م.
التاريخ الإسلامي أيضًا لا يخلوا من المآسي فنحن لا ننسي حرق كتب ابن رشد واتهامه بالإلحاد وسجن الإمام أبو حنيفة أول الأئمة الأربعة وأذكاهم ومؤسس المذهب الحنفي في الفقة الإسلامي ووفاته في محبسه، مرورًا بالشيخ محمد عبده والدكتور طه حسين وغيرهم الكثيرون الذين أعتبروهم ذوي فكر مسموم.
رجال الدين عبر العصور يؤمنون بالتجمد الفكري كثوابت غير قابلة حتي للنقاش، ويتهمون أي فكر تنويري معارض بإنه كفر وزندقة ولا يتزحزحون قيد أنملة عما آمن به أجدادهم منذ آلاف السنين وعلينا التعايش معهم حتي يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.