رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مستقبل وطن للدراسات» يصدر تقريره حول الأزمة الأوكرانية وتصاعد الصراع الأوروبي الأمريكي

النائب محمد الجارحى
النائب محمد الجارحى

أصدر مركز مستقبل وطن الدراسات السياسية والاستراتيجية برئاسة النائب محمد الجارحي، الأمين العام المساعد وأمين شباب الجمهورية بالحزب، تقرير حول: الأَزْمَة الأُوكرانيَّة وَتصاعد الصِّراع الرُّوسيّ الأورُوبيّ الأَمْرِيكيّ (الأبعَاد وَالتَّطَوُّرات وَالأسباب وَرُدود الأفعَال وَالسيناريُوهات المُحتملة).

وقال الدراسة تتجه أنظار العالَم -الآنَ- إلى ما يحدثُ فِي أوكرانيا، وَأصبحَ الجميعُ فِي انتظارِ ما ستسفرُ عنه هذهِ الأَزْمَة، مُعرِبِين عَن قلقِهم مِن اندلاعِ حربٍ عالَميَّةٍ جَديدةٍ؛ حيث شَهِدَت الأيامُ الأخيرة تَوتُّراتٍ شديدةً وصفَها البعضُ بِغَيْر المَسبُوقةِ بينَ رُوسيا مِن جانبٍ وَأوكرانيا وَحلف الناتو وَمِن خلفِهِ الولايات المُتَّحدة وبريطانيا مِن جانبٍ آخرَ، وَاندلاع حرب تَصرِيحات تحمل اتهامات بالتخطيط للانقلاب في كييف ونشر المعلومات المضللة، فضلاً عن تهديداتٍ مُتبادلةً بينَ الجانبَين، وَاتِّخاذ رُوسيا منحى استعراض القوةِ، وَاللُّجوء إلى حشدٍ عَسكَريّ غَيْر مَسبُوقٍ عَلَى الحدود الأوكرانيَّة، في حين تدرس واشنطن إرسال المزيد من المعدات العسكرية إلى أوروبا الشرقية، ممَّا يزيد مِن احتماليَّة تحوُّل التَّهديد بِاستخدامِ القوةِ إلى تنفيذِ عَلَى أرض الوَاقِع.

وَأصبحَ مِن الصعبِ التنبؤ بِمَا سوفَ تؤولُ إليه الأحداث خاصَّةً مَعَ فشل المباحثات الَّتِي تمَّت عَلَى مُستَويات عدة، وَشَهِدتها عدة أروقة، وَمَعَ تمسُّك كلِّ طرفٍ مِن الأطراف بِمطالبِهِ دون التنازل، بل وَرفع درجة الاستعداد، وَإِن كانَ هُناكَ اتِّجاه قويّ ينظرُ إلى مَا يحدثُ بِاعتبارِهِ إعادة ترتيب لأوضاعٍ عالَميَّةٍ، وَلا يعدو كَوْنه استعراضًا لِلقوةِ لِكَسبِ المزيدِ مِن المنافعِ.

وتناول التقرير عرضًا لِأبعاد وَتَطَوُّرات الأَزْمَة الأوكرانيَّة، وَالأسباب الَّتِي دفعَتْ إلى التَّصعيدِ الحالي، وَعرض رُدود الأفعال الأَمْرِيكيَّة وَالأورُوبيَّة عَلَى تَطَوُّرات الأحداث، وَالسيناريُوهات المُحتمَلة.

272678952_3188791388110690_7488118697653022497_n

وسرد التقرير الأَزْمَة الأوكرانيَّة (الأبعَاد وَالتَّطَوُّرات): حيث أوضح أن الأَزْمَة الأوكرانيَّة الحاليَّة، وَالمُواجهة مابين رُوسيا وَأوكرانيا ليسَتْ بِالجديدةِ بل تعودُ بِالأساسِ إلى عام 2014، عندما نجحَتْ رُوسيا فِي ضمِّ مِنطقة القرم إلى أراضيها؛ حيث أدَّت هذهِ الخُطوةُ إلى حدوثِ صدعٍ كبيرٍ مَعَ الدُّول الغَربِيَّة، ممَّا دفع الاتِّحاد الأورُوبيّ وَالولايات المُتَّحدة إلى فَرْضِ عقوبات عَلَى رُوسيا.وَبعدَ شهرٍ، استولى مُتمردون تدعمهم رُوسيا فِي مِنطقة دونباس، الَّتِي يغلبُ عَلَيها سكان يتحدثون اللُّغة الرُّوسيَّة، عَلَى مِنطقتَي دونيتسك وَلوهانسك.

وَاتهمت دولٌ غَربِيَّة وَحلفُ شَمال الأطلسي "ناتو" رُوسيا بِإِرسالِ قُوَّاتٍ عبرَ الحدودِ إلى أوكرانيا، بينما أكَّدت رُوسيا أنَّ المقاتلين الرُّوس هُناكَ هم "متطوعون"، وَعندما وصلَ الرَّئِيسُ الأوكرانيّ الحاليّ"زيلينسكي"، إلى سُدَّةِ الحكمِ تعهَّدَ بِإِحلالِ السلامِ، خاصَّةً وَأنَّ النِّزاعَ الأوكرانيَّ مَعَ الانفصاليين الرُّوس كانَ قد حصدَ أَكثَر أرواح مِن 14 ألف شخصٍ منذُ ضمِّ رُوسيا لِجزيرةِ القرم، وَبِالفعلِ توصَّلَتْ موسكو وَكييف إلى اتِّفاقٍ لِوَقْفِ إِطلاقِ النَّارِفِي مِنطقةِ دونباس شَرق أوكرانيا، خِلال مفاوضات أُجريت فِي يوليو 2020، وَلكن عَلَى أرضِ الوَاقِعِ لم تتخذ العَلَاقات بينهم منحى السلامِ.

والواقع أنَّه وَبِخلاف ما تصوره وسائل الإعلام العالَميَّة، فإن البدايةَ هذه المرَّة لم تكنْ مِن قِبل رُوسيا، وَإِنَّما مِن قِبل أوكرانيا، مِن خِلال العَمَل عَلَى استفزاز رُوسيا؛ حيث:

        فِي نوفمبر 2021، أعلنَ رَئِيس الأركان العامَّة الأوكرانيَّة “سيرغي شابتالا”، أنَّ قُوَّاته ستستخدم طائرات "بيرقدار" المُسيَّرة تُركيَّة الصُّنع، فِي "حال استشعارها أي خطرٍ يهددها"، وَقالَ: "نحنُ نستخدمُ طائرات بيرقدارفِي حال كانت هُناكَ تهديدات عَلَى قُوَّاتنا، وَهذهِ التهديدات بِحاجةٍ إلى أنْ يتمَّ تحييدها مِن أجل إنقاذ أرواح جنودنا.. سيكون استخدام الطائرة المُسيَّرة ظرفيًّا"، وَأعلنت الأركان الأوكرانيَّة فِي وقتٍ سَابِقٍ أنَّ "الجيشَ استخدمَ لأول مرَّة طائرة بيرقدار تُركيَّة الصُّنع فِي دونباس جنوب شرقي أوكرانيا؛ حيث دمَّرَتْ عددًا مِن مدافع الهاون" لِقُوَّات دونيتسك الشعبيَّة. وَبدورِهِ، قالَ وزيرُ الخَارِجيَّة الأوكرانيّ"ديمتري كوليبا":"إِنَّ استخدام كييف هذه الطائرة لا ينتهكُ اتفاقيَّات مينسك" لِلتَّسويةِ فِي دونباس.

        التَّصرُّف الأوكراني أغضبَ رُوسيا، بِاعتبار أنَّ ما يحدثُ هُوَ انتهاكٌ وَاضِحٌ لاتِّفاقيَّة مينسك، وَالَّتِي وفقًا لها يحظر استخدام الطائرات بِدون طيَّار فِي دونباس، بِاستثناء تلكَ التَّابِعة لِبَعثةِ مُنَظَّمة الأَمْن وَالتَّعاون فِي أورُوبا، المَعنيَّة بِمُراقبة خط التماس بينَ قُوَّات دونيتسك وَلوغانسك الشعبيتَين المعلنتين مِن جانب واحد، وَقُوَّات كييف. فضلًا عَن استشعارِ"بوتين" القلق بعدَ تجاهل الغرب لِمطالبِهِ وَخطوطِةِ الحمراء وَإِجراء تدريبات فِي البحر الأسود؛ حيث أجرت الولايات المُتَّحدة وَدُول حلف شَمال الأطلنطى "ناتو"، مُناوراتٍ قُرب رُوسيا فِي البحر الأسود، وَهُوَ مَا حذَّرَتْ مِنه موسكو وَاعتبرته تحديًا خطيرًا وَتهديدًا لِرُوسيا.

272398150_3188791468110682_5953035628146240601_n

        نتيجة لِاتِّجاه الأمور منحى تَصعيدي وَاتِّجاه رُوسيا إلى حشدِ قُوَّاتها عَلَى الحدودِ الأوكرانيَّة، عقد "بوتين"، اجتماعًا مَعَ "بايدن" عَن طريقِ الفيديو كونفرنس، فِي السابع من ديسمبر 2021، وَامتدَّ الاجتماع إلى ساعتَين، تناول الرَّئِيسان خِلاله الوَضْع فِي أوكرانيا، وَالأَمْن السيبرانيّ، وَالاتِّفاق النَّوَوِيّ الإيرانيّ، وَالعَلَاقات الثنائيَّة بينَ البلدين، وَلكن لم يسفر هَذَا الاجتماع عَن أي شيءٍ سوى التأكيد عَلَى أنَّ كلَّ طرفٍ مُتمسِّكٌ بِرُؤْيتِهِ وَلا يرغب فِي تغييرِها.

        لم يتوقف الرَّئِيس الرُّوسيّ"فلاديمير بوتين" عن حشدِ القُوَّات قُرب الحدودِ مَعَ أوكرانيا، منذُ القِمَّة الافتراضيَّة الَّتِي عقدَها مَعَ نظيرِهِ الأَمْرِيكيّ"جو بايدن"؛ حيث نقلَتْ رُوسيا مئات الدبابات وَقطع المدفعيَّة وَحَتَّى الصواريخ البالستية القصيرة المَدَى مِن مناطقَ بعيدةٍ مثل سيبيريا إلى حدودِ أوكرانيا.

        فِي 11 ديسمبر، حذَّرَت السفارة الرُّوسيَّة لَدَى لندن، مِن تفاقم الوَضْع فِي أوكرانيا؛ بِسبب الدَّعم الَّذِي تقدمه لها دُول الناتو، وَمِن بينها بريطانيا، وَقالَت السفارة: "مَعَ أنَّ رُوسيا لا نية لها إِطلاقًا لِلاعتداءِ عَلَى أوكرانيا، إلا أنَّ الوَضْع المُتعلِّق بِالحرب الأهلِّيَّة فِي أوكرانيا يزداد خطورةً بِالفعلِ؛ نظرًا لِلدَّعم العَسكَريّ غَيْر المَسؤُول وَغَيْر المَشرُوط الَّذِي تقدمه بعضُ دُول الناتو وَمِنها بريطانيا، لكييف"، وَكانت البَعثة الدبلُوماسيَّة الرُّوسيَّة فِي بريطانيا قد قالَتْ: "إِنَّ الاستخدامَ المُفرط لِمُصطلح العدوان الرُّوسيّ بِشكلٍ صَارِخٍ وَمَقصُودٍ، يشيرُ إلى هوس بريطانيا كرَئِيسة مَجمُوعة السبع الكبار بِالبحثِ عَن سببٍ مُشتركٍ لِإِظهارِ وَحْدة الصَّفِ".

        اتَّجهَت الولايات المُتَّحدة إلى تسليحِ أوكرانيا؛ حيث أكَّدَت وزارةُ الدفاع الأَمْرِيكيَّة التزامها بِتقديم المساعدات العَسكَريَّة اللَّازِمة لِأوكرانيا لِلدفاعِ عَن نَفْسِها فِي منتصف ديسمبر 2021، وَأعلنَتْ واشنطن عَن بَدْء خُطَّة لِتَسليحِ أوكرانيا عبر تسليمِها طائرات هليكوبتر قتاليَّة وَمُعدات عَسكَريَّة لِأوكرانيا لِتَعزيزِ دفاعاتها الجويَّة. وَقد قدَّمَت واشنطن لِكييف 2.5 مِليار دُولَار مِن المُساعدات العَسكَريَّة منذُ 2014، بِمَا فِي ذَلِكَ 450 مليون دُولَار فِي العام الحالي. وَطلبَتْ واشنطن مِن مواطنيها 20 ديسمبر 2021، عدم السفر إلى أوكرانيا فِي إشارةٍ إلى اندلاعِ حربٍ وشيكةٍ هُناكَ.

272698273_3188791658110663_5464426316100201553_n

        رفضَتْ واشنطن المطالبَ الرُّوسيَّة لِتَخفيفِ حدة التَّوتُّر الأَمْنيّ بِأوكرانيا،فِي 18 ديسمبر 2021، وَالَّتِي تضمَّنَتْ: إِبرام اتِّفاقيتَين مُنفصلتَين بينَ رُوسيا وَواشنطن وَالناتو لِوَضْع نِظَام ضمانات أَمْنيَّة بِغية خَفْض التَّوتُّرات الأَمْنيَّة فِي أورُوبا، المطالبة بضمانات قانُونيَّة مُلزمة بِأنَّ حلف "الناتو" سيتخلى عن أي نشاطٍ عَسكَري فِي جورجيا وَأوكرانيا، وَحال تمَّ ذَلِكَ، يكون بِالتَّنسيقِ مَعَ موسكو، وَتعهَّد الناتو بعدم ضمِّ أوكرانيا وَجورجيا لِعضويتِهِ، وَوقف فوري لِنَشْر أنظمة أسلحة هجوميَّة فِي الدُّول المُحاذية لِرُوسيا. وَقد رفضَتْ واشنطن تلكَ المُقترحات؛ لأنَّها بِمنزلةِ إِعلان (وِصَايَة رُوسيَّة) عَلَى عَمَلِ الناتو، وَهُوَ مَا دفع موسكو لِلتَّصعيدِ عبر إرسالِ قاذفات قنابل استراتيجيَّة بعيدة المَدَى مِن طراز (تو – 22 إم 3) لِحراسةِ المَجال الجويّ بِالحدودِ المُشتركة مَعَ رُوسيا البيضاء الحدوديَّة مَعَ ليتوانيا وَأوكرانيا، وَأعلنَتْ مُراقبة النشاط العَسكَريّ الغربيّ بِالبحر الأسود.

        عقدت قِمَّة أوروبيَّة بِبروكسل، فِي 16 ديسمبر 2021، وَجمعَت أعضاء الاتِّحاد الـ27 مَعَ دُول "الشراكة الشرقيَّة"، وَهي (أوكرانيا–جورجيا–مولدوفا–أرمينيا - أذربيجان)، وَهي الجُمْهُوريَّات السوفيتيَّة السَّابِقة السَّاعِية لِلانضمامِ لِلاتِّحاد وَ"الناتو". وَحذَّرَتْ موسكو مِن غَزْوِ أوكرانيا وَجدَّدَت دعمَها لِسيادتِها وَوَحْدة أراضيها. وَتسعى باريس وَبرلين لإحياءِ مُفاوضات "صيغة نورماندي" الَّتِي تضمُّ (أوكرانيا–روسيا–ألمانيا - فرنسا)؛ لبحث الوَضْع بِأوكرانيا. كَمَا حذَّرَتْ برلين موسكو، فِي 18 ديسمبر 2021، مِن توقُّف استيراد الغَاز الرُّوسيّ، مِن خِلال خط (نورد ستريم 2)، إذا شنَّتْ رُوسيا هجومًا عَلَى أوكرانيا، وَهُوَ أطول خط أنابيب طوله 1200 كم يمرُّ تحتَ مياه بحر البلطيق مِن رُوسيا إلى شَمال شرق ألمانيا، وَحال تمَّ ذَلِكَ، فإِنَّه سيؤدي إلى خسائرَ اقْتِصَاديَّةٍ جمَّة لِموسكو.

272329165_3188791338110695_6099539312859330735_n

        لازالت - حَتَّى الآنَ- الخُطوات وَالتَّصريحات التَّصعيديَّة تتمُّ مِن الجانب الرُّوسيّ مِن جهةٍ وَالجانب الأَمْرِيكيّ الأورُوبيّ مِن جهةٍ أُخْرَى؛ حيث ترغبُ وَتتمسك رُوسيا بِالردِّ عَلَى مطالبِها مطلبًا مطلبًا، وَهي المطالب الَّتِي ترفضُها وَبِشكلٍ قَاطِعٍ كل مِن الولايات المُتَّحدة وَحلف الناتو.فعَقِبَ اللِّقاء الَّذِي جمعَ بينَ وزيرِ الخَارِجيَّة الأَمْرِيكيّ"أنتوني بلينكن"،وَوزير خَارِجيَّة رُوسيا "سيرغي لافروف"، يوم الجمعة 20 يناير 2022، أعلنَ"لافروف"أنَّ واشنطن وعدَتْ بِتقديمِ ردٍّ خطيّ "الأسبوع المُقبل" عَلَى مطالب بلادِهِ بِسحب قُوَّات حلف شَمال الأطلسي مِن أورُوبا الشرقيَّة. وَمِن جهتِهِ، أكَّدَ"بلينكن" أنَّه طلبَ مِن رُوسيا سحبَ قُوَّاتها مِن الحدودِ مَعَ أوكرانيا، مُشدِّدًا عَلَى أنَّ واشنطن ستردُّ عَلَى "أي هجومٍ رُوسيّ حَتَّى لو لم يكنْ عَسكَريًّا"، مُطالِبًا مِن رُوسيا سحب قُوَّاتها مِن الحدودِ مَعَ أوكرانيا، مُشيرًا إلى أنَّ الحِوَارَ مَعَ موسكو سيتواصلُ، لكنه طلبَ مِن رُوسيا أن تثبتَ أنَّها لا تخططُ لِغزوِ أوكرانيا.